منتدى العمق

خرافة الطاقة: الإنسان يجذب أفكاره !

ظهرت في الآونة الأخيرة إعلانات براقة في شكل دورات تدريبية في عدد من المدن المغربية وبمسميات مختلفة: “العلاج بالطاقة”، “قانون الجذب”، “كيف تجدب الناس إليك كالمغناطيس” “كيف تجدب إليك كل ما تريد” “الطاقة و تطبيقاتها” “علم الطاقة البشرية”… وعناوين أخرى تستند إلى ما يسمى بعلم الطاقة. حيث تعد الناس بعالم واسع من النجاح و الغنى المادي بل والشفاء أحيانا وبوسائل بسيطة نابعة من الداخل أو بمساعدة ممارسين يتحرقون شوقا حسب زعمهم ليعلموها لغيرهم لكن، ما هو هذا العلم الجديد ؟ وأي نوع من الطاقة تلك التي تملك كل هذا المفعول السحري؟

الطاقة في الاصطلاح الفيزيائي هي مبدأ أولي تُعرّف بأنها القدرة على القيام بعمل ما أو إحداث تغيير ما. وتدل على الطاقة الفيزيائية بأشكالها وتحولاتها المختلفة الحرارية والنووية والميكانيكية والكيميائية والكهرومغناطيسية وغيرها، مما لا يختلف عليه الآن. فلفظة الطاقة مألوفة لدى الناس واستخدامها شائع في مجال العلوم التجريبية، وهذه الطاقة يمكن قياسها ومعرفتها ورؤية آثارها والتحكم في إنتاجها بالطرق العلمية المعروفة، تحت منطقة المنهج التجريبي بقواعده المعروفة. وقد تستخدم لفظة الطاقة مجازاً للدلالة على الهمة والانبعاث نحو العمل والعبادة. حينما ندرس الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وغيرها من العلوم في الولايات المتحدة الأميركية، ثم ندرسها بعد ذلك في اليابان أو روسيا أو الصين، فلن نجد اختلافا بينها، ولن نكتشف -مثلا- أن قوانين الكهرومغناطيسية متنوعة بحسب الدولة، ولن تُنتِج تفاعلات كيميائية لنفس المواد متنوعة كل منها بحسب ثقافة المخبري الذي يقوم بالتجربة، ولن نجد في كتاب ما أن الخلية تحتوي على ADN، وفي كتاب آخر أن نفس الخلية لا تحتوي عليه، وذلك بحسب الرأي الشخصي لكل مختص[1]. والسبب في هذا التوافق يعود إلى كون المعلومات واحدة في كل مكان، وهي التي تفسر الأشياء بالشكل الصحيح، وأي تغيير للمعلومة العلمية بعد إثباتها يفرض على جميع الدول تغيير معلوماتها لتكون موحدة.

أما الطاقة التي يتحدث عنها المعالجون والمدربون، مختلفة تماما عن الطاقة الفيزيائية، فهي طاقة ميتافيزيقية أو قوة غيبية حسب ادعائهم، إنهم يدعون أن الإنسان محاط بهالة من الطاقة وهي مجال الطاقة المحيطة بالجسم نتيجة اشعاع الطاقة البشرية .تكون على شكل إشعاعات ضوئية أو فقاعات من النور والألوان المتداخلة تحيط بالجسم، كل لون يمثل اتجاهًا نفسيًا معينًا (المشاعر والأفكار). بل إنهم يزعمون أن هذه الهالة يراها فقط المدربون والمختصون الذين لا يهدفون إلا إلى الارتقاء بأنفسهم. وكل هذه المفاهيم تنتمي إلى المجال الروحاني وتسمى تارة الطاقة الحيوية وتارة أخرى الطاقة الكونية وهي أسماء مستحدثة له [2] . من تلك التسميات كذلك نجد: “التشي” وهو الاسم المعروف في عقائد الصين وتطبيقاتها الحياتية الإستشفائية والقتالية، ومنها “الكي” في عقائد اليابان والتطبيقات العلاجية عندهم، حيث أن أول ظهور لكلمة ريكي المعروف اليوم كان في قوائم OED سنة 1975‏ [3] . وتسمى كذلك “البرانا” في الديانة الهندوسية وممارسي التنفس العميق، وهي المسماة “الكا” عند الفراعنة، واسمها “إلكترا” في عقيدة روما القديمة، وهي قوة “ساي” عند شعوب أسيا التي ظهرت بالضبط في عهد الاتحاد السوفيتي [4] ويفسرها من يحاولون التوفيق بين فلسفتها وبين المعروف في الأديان السماوية بـالله تعالى أو نور الله! ، أو الروح القدس، ويفسّرها بعض من يتبناها من المسلمين بـالروح التي هي أصل الحياة، أو البركة التي تمنح القوة وتسيّر الأمور بسلاسة! وقد حاول مروجو هذا المفهوم للطاقة مع تطبيقاته في العصر الحديث إضفاء الطابع العلمي الفيزيائي عليها والزعم بأنها الطاقة الحرة الموجودة في الكون أو الطاقة الكهرومغناطيسية وأحياناً يسمونها الذبذبية! وربما كان من أهم أسباب استعمالهم لفظة الطاقة: أن الطاقة التي يدعونها هي برأيهم مكمن القدرة والقوة والتأثير في الحياة والبحث في حقيقة الحياة، وأنها القدرة أو القوة المؤثرة فيها !

إن قارنا علم الطاقة مع العلوم الحقيقية، فإننا لن نجد اختلافا في شروحاته أو تطبيقاته بين الدول فحسب، بل حتى بين الأفراد في الدولة نفسها، كلٌّ له تفسير مختلف لعلم الطاقة، وكلٌّ له طريقة في علاج الناس، وكلٌّ له رأي فيما يحدث حينما يتم تمرير الطاقة أو سحبها من المريض [5].هذه الهراء ليس له أي رياضيات تفسره، ولا توجد له أسس أو قياسات علمية ولو بصورة غير مباشرة، كل ما يتوفر في هذا المجال هو سرد قصصي وصياغة كلامية جيدة ومحكمة، وتجارب شخصية غير مبنية على العلم، ومشاعر نفسية يشعر بها الشخص [6] والتي لها تفسيرات علمية في مجال علم النفس لا علاقة لأي منها بطاقة خفية.

يدعي الممارسون و المؤمنون بهذه الطاقة أن للإنسان كما الأشياء في هذا الكون طاقة تتكون من قوتين متضادتين ومتناغمتين: طاقة إيجابية وطاقة سلبية، وبالتعبير الصيني الين واليانغ، وتحكم تغيرات هذه الطاقة وتحولاتها نظرية العناصر الخمسة التي تتصل بمبادئ التنجيم والفلسفات الشرقية القديمة [7]. وعند اختلال هذه الطاقة بجسم الإنسان فهو يمرض ولهذه الطاقة عند الإنسان حسب زعمهم “شكرات” [8] وهي نقط أو مواضع تدخل الطاقة وتخرج منها إلى جسم الإنسان. كما يسود الاعتقاد بالنسبة لهم فالجسم الطاقي Etheric body عبارة عن جسم متخيل وأنه يوازي جسم الإنسان المادي الحقيقي، يتوفر على مراكز للطاقة الحيوية المفترضة تسمى الشاكرات، ومسارات لهذه الطاقة تسمى الميريديانات Meridians، يتكون هذا الجسم من سبع طبقات كل طبقة ترتبط بشاكرا معينة، والشاكرات مفهوم مأخوذ من النصوص الهندوسية، وهي عبارة عن مراكز دائرية اعتقد أتباع الأديان الشرقية قديما أنها تتموضع عموديا على الجسم من الرأس إلى أسفل العمود الفقري، وأنها معدة لاستقبال الطاقة من العالم الخارجي حسب اعتقادهم، وعددها سبعة كما أن لكل واحدة لون خاص وهي [8]: 1- مولادارا. 2- سفادستانا. 3- مانيبورا. 4- اناهاتا. 5- فيشودا. 6- اجنا. 7- ساهاسرارا.

وكل هذه الأسماء التي تم تعريبها هي باللغة السنسكريتية؛ وهي لغة طقوسية للهندوسية والبوذية والجاينية.
بعد ظهور العلم الحديث، عرفنا أن “مسارات الطاقة” لا دليل علمي عليها.. إذ أنه توجد “شكرات” في مراجع التشريح و الفسيولوجي.. لكن استمر استخدام ممارسات العلاج بالطاقة لأنها مريحة نفسيا، فحين تتخيل نفسك -مثلا- و أنت تتخلص من المرض و كأنه طاقة تنسحب من الجسم.. سيساعدك هذا في الشفاء، ليس لأن المرض طاقة تنسحب من الجسم فعلا، بل لأن هذا التخيل يريحك نفسيا فيحفز جهازك المناعي. فمن باب المثال فقط فالعلم ما بين تأثير بلاسيبو (الدواء الذي لا يحتوي على أية عناصر فعالة، وأي تغيير يحدث للمريض يكون لعوامل نفسية فقط أو بسبب السير الطبيعي للمرض) [9]. وبين تأثير الدواء الحقيقي، وهذا ما لم يستطع أن يفهمه مختصوا علم الطاقة، فهم يقومون بحركات وطقوس ويتفوهون بكلمات ويصدرون همهمات أثناء إجرائهم للجر الوهمي للطاقة يدويا، وبقصد أو من غير قصد يوهمون المريض بأنه عولج، وما فعلوه هو مجرد إشعار المريض براحة مؤقتة (بلاسيبو)، فيظن الناس أن المختصين فعلا عالجوا المريض، فلا مختصوا علم الطاقة يعلمون الحقيقة، ولا المرضى، ولا المصدقين لهم.

في الخلايا العصبية طاقة كهربية يقيسها رسم المخ EEG بالفعل.. لكنها ليست إيجابية أو سلبية.. لا توجد شحنات محددة حسب نوع الفكرة هنا) د. شريف عرفة(. وحتى لو افترضنا جدلا أن هذا ممكن من الناحية الفيزيائية، فما الذي سينجذب لهذه الطاقة بالضبط؟ ما معنى “الحدث الإيجابي” الذي سينجذب للفكرة الإيجابية؟ باعتبار أن الحدث الايجابي ليس كيانا ماديا أصلا، بل تعبير مجازي لمجموعة من الأحداث و المواقف المتشابكة، التي نقرر نحن في وقت محدد أنها ايجابية. و قد يعتبرها غيرنا سلبية. لا يوجد شيء مجرد اسمه “حدث ايجابي” كي ينجذب -بشكل فيزيائي مادي- للطاقة الايجابية كما ينجذب الحديد للمغناطيس على سبيل المثال.

إن مسألة علم الطاقة وما يتفرع عنها من تطبيقات مزعومة والتي انتشرت في أوطاننا على غرار البلدان الأخرى تلخص الأمور كلها في بضع آلاف من الدراهم يدفعها كل من هو على أتم الاستعداد أن يعطل عقله عن العمل كليا ثم يتقبل ما يملى عليه في دورات معينة ثم بعد ذلك يصبح ما يريد بين ليلة وضحاها، أو قد يواظب على دفع مبالغ باهظة لمراكز خاصة اتخذها الكثيرون مصدر رزق مربح على حساب فئة صدقت بخرافاتهم واتبعتهم بعد أن أجبروها على تعطيل ملكة العقل لديها، لتحصل في الأخير على شهادات لا تحمل أي قيمة علمية وتوهم هؤلاء الناس أنهم أصبحوا ممارسين لهذه الخزعبلات ليستمروا بدورهم في نهب جيوب الآخرين والكذب عليهم بأمور هم أنفسهم لا يعلمون حقيقتها. لا ينبغي أن نخدع بمن يقول أنه درس “علم الطاقة” في أمريكا مثلا.. فالجميع يعلم أنه في أمريكا هناك مراكز لتعليم قراءة الكف والفنجال والتنجيم، وهذا لا يعني أن هذه الأشياء علمية أو حقيقية أو أن مروجيها “علماء” بالمعنى الحديث للكلمة.

لست هنا لأهد بنيان هو أصلا مهدود من تجارة الكلام وتخاريف تجاوزها العلم لكن محترفو الاتجار بهذه الخرافات اجتهدوا في ابتكار طرق للضحك على من صدقهم واستقطاب المزيد من أولئك الذين يظنون أنهم الأكثر حظا في هذا العالم، ويسحروهم بألفاظ منتقاة بكثير من الحرص تجمع بين الدين، الخرافة، القصص وعلم النفس في قالب يجمع بين الحقيقة والميتافيزيقا وإعطاء رموز وتفسيرات فوق الإدراك البشري لكل ما لا يستطيعوا تفسيره ليغطوا بذلك عن التناقضات التي تشوب هذه المزاعم ويحاولوا ما أمكن إقناع المتلقي بمدى أهمية هذه المزاعم وحقيقتها مستفيدا من إلغاء منطق التحليل العقلي المجرد. إن الهدف من هذا المقال هو لفت انتباه القارئ إلى هذه المغالطات التي باتت تنتشر بشكل رهيب، وكذلك إثارة شيئا من الفضول عند كل من يرى في هذا الهراء علم باهرا لا ينبغي أن يفوت لنخلي المجال واسع أمام كل باحث عن الحقيقة فيما يخص هذه “العلوم” وما تفرع عنها، ليعمل عقله فيما يتلقاه وينظر إليه بعين الممحص المشكك وليس بعين المريد الراضخ. إن الجذب المطبق في تلك الأماكن هو جذب نقودك ونقود غيرك أما التدريبات التي تمارس فهي لطرد العقل.

رغم ورود كلمات مثل “علم” و”طاقة”، فإن هاتين الكلمتين ليستا في محلهما، فلا علم الطاقة هو علم، ولا الطاقة هي طاقة؛ ولكن كلمة “مختصون” صحيحة، فهم مختصون في الإيهام.

ـــــــــــــ
المراجع و المصادر:
[1]. محمد قاسم أستاذ مساعد بكلية الدراسات التكنولوجية-الكويت موقع الجزيرة بتاريخ : 2016-12-20
[2] خارقية الإنسان ، الباراسيكولوجي من المنظور العلمي، صلاح الجابري، دار الأوائل ، سورية ، 2004م .
The San Mateo Times, 2 May 1975, 32/1. [3]
[4] خليل غريب، huffpostarabi اطلع عليه بتاريخ : 2016-12-20
[5] د. محمد قاسم أستاذ مساعد بكلية الدراسات التكنولوجية-الكويت موقع الجزيرة بتاريخ : 2016-12-20
[6] د. محمد قاسم أستاذ مساعد بكلية الدراسات التكنولوجية-الكويت موقع الجزيرة بتاريخ : 2016-12-20
Energy Medicine: An Overview, National Center for Complementary and Alternative [7] Medicine NCCAM, National Institutes of Health, nccam.nih.gov, Bethesda, MD, USA, 2005.
Rand, William L. (1998) [1991]. Reiki: The Healing Touch, First and Second Degree[8] Manual(الطبعة Expanded and Revised). ميشيغان,الولايات المتحدة: Vision Publications. صفحة I-14. ISBN 1886785031.
[9] خليل غريب، huffpostarabi اطلع عليه بتاريخ : 2016-12-20