سياسة

رسالة مفتوحة من الساسي إلى السريفي.. مع أو ضد المجلس الوطني؟ (2)

لا قياس مع وجود الفارق

رفيقي العزيز

جاء في رسالتك إلى الشاعر الأستاذ صلاح بوسريف، التي تَرُدُّ فيها على ما وَرَدَ في مقاله الذي تولى التعليق فيه على قرار استقالتي من الحزب الاشتراكي الموحد، ما يلي:

“من باب التذكير، لا بد من العودة إلى سنة 2011، سنة الحراك الشعبي السلمي المجيد، حيث كان الرفيق الساسي من أكبر المدافعين عن مقاطعة انتخابات 2011، بينما كان لرفاق آخرين رأياً مختلفاً يقول بضرورة المشاركة الانتخابية في تلك المرحلة، ومن بينهم برلمانيو الحزب وكذا الرفيق المجاهد بنسعيد آيت إيدر. وحين احتكم الرفاق، آنذاك، إلى المجلس الوطني للحزب بحضور كتاب الفروع والجهات، كان قرار الأغلبية بمقاطعة الانتخابات، فالتزمنا جميعاً بقرار المقاطعة ولم يَسْعَ حينئذ أي كان للانسحاب من الحزب أو الانشقاق أو لمهاجمة الأغلبية الداعمة لخيار المقاطعة”

أنت، هنا، رفيقي، تَعْتَبِرُ أن أزمة الحزب الاشتراكي الموحد هي “الانشقاق” الذي حصل فيه، وتعتبر أن مشكلة “المنشقين” “مع الحزب”، هي عدم انضباطهم لقراراته وأن القرارات “غير المنضبط لها” هي قرارات الحزب بخصوص الاندماج.

وهكذا، فأنت غَيَّبْتَ السبب الحقيقي “للانشقاق”، وهو قيام الرفيقة نبيلة منيب، مدعومة من طرف أغلبية أعضاء المكتب السياسي، بالإقدام على سحب توقيعها من التصريح بالترشيح المشترك برمز الرسالة وفي إطار الفيدرالية، واختيارها الترشيح باسم ورمز الحزب الاشتراكي الموحد وباستقلال عن الإطار الوحدوي الذي التأمنا تحت رايته منذ سنين. هذا السحب الذي وصفه أحد الرموز التاريخية للحزب بـ “الخطيئة”(1).

اعْتَبَرْتَ، إذن، أن سلوك “المنشقين” مخالف للتقاليد الديمقراطية التي يقوم عليها الحزب الاشتراكي الموحد، وقَدَّمْتَ مثالاً بما حصل في سنة 2011، حين انضبط دعاة المشاركة في الانتخابات إلى قرار المقاطعة الذي اتُّخِذَ، آنذاك، بالأغلبية، بمعنى أن “المنشقين” كان عليهم هم أيضاً، اليوم، أن يسيروا على نفس النهج وأن يلتزموا بـ “موقف الحزب” إسوة بما قام به الرفاق الذين اختلفوا معهم بالأمس.

اقرأ أيضا: رسالة مفتوحة من محمد الساسي إلى محمد نبيل السريفي .. خطأ أم خطيئة (1) 

ففضلا عن كون “الخلاف” الذي أدى إلى “الانشقاق”، اليوم، لا يدور حول مبدأ الاندماج أو توقيت الاندماج أو شروط الاندماج (هناك خلاف حول هذا الموضوع وسنتحدث عنه لاحقا) بل إن الحدث الرئيسي الذي كان له وقع الزلزال هو المتمثل في سحب التوقيع، وإذا صَحَّ أن نسميه خلافاً، فهو ليس خلافاً يهم المستقبل (هل نندمج أم لا نندمج : متى وكيف؟) بل خلافاً يهم الحاضر (هل نستمر، حالياً، في الترشيح المشترك مع حليفينا برمز واحد ومرشحين موحدين أم لا؟). في الخلاف الماضي (2011) حول المشاركة أو المقاطعة، قُلْتَ : “وحين احتكم الرفاق، آنذاك، إلى المجلس الوطني للحزب، بحضور كتاب الفروع والجهات” ولكنك لم تَقُلْ إن المشكلة، اليوم، بالضبط هي عدم الاحتكام إلى المجلس الوطني. فهل في وضع كهذا تعتبر أن القياس جائز بين حالة 2011 وحالة 2021؟، وهل تعتبر أن خلاف 2021 هو خلاف بسيط لا يستدعي جمع المجلس الوطني للبت فيه، ومادمت تُلَمِّحُ في رسالتك إلى وجود أغلبية حزبية تساند الخط العام الذي تعبِّر عنه الأمينة العامة والمكتب السياسي وأقلية تختلف معه، فلماذا تَمَّ تَجَنُّبُ عقد المجلس الوطني في قضية بهذا الحجم لتقول الأغلبية كلمتها، كما تَمَّ في 2011؟

ولهذا حَرِصَ بيان 3 يوليوز 2021 الحامل لـ 101 توقيعاً(2) على اعتبار سحب التوقيع قراراً (يتناقض مع النظام الأساسي للحزب الذي ينص في مادته الثامنة على أن “المجلس الوطني هو أعلى سلطة تقريرية للحزب بعد المؤتمر. يسهر على تفعيل مقررات وتوجهات المؤتمر، ويضع البرامج والخطط ويعمل على تنفيذها، ويراقب ويقيم آداء أجهزة الحزب”).

ومن المعلوم أن موضوعاً استراتيجيا، على هذه الدرجة من الخطورة ويهم مصير تحالفاتنا الانتخابية المحسوم فيها منذ سنوات وعبر توالي المؤتمرات، كان يتعين أن يُعرض، كأضعف الإيمان، على المجلس الوطني قبل مباشرة سحب التوقيع على تصريح الترشيح الموحد في إطار تحالف انتخابي مع الحزبين الآخرين).

فحبذا لو كان مشروع قرار الانسحاب من التحالف الانتخابي، الذي اتُّخِذَ باسم الحزب، قد عُرِضَ على المجلس الوطني للتداول فيه عبر نقاش وفاقي راق مثل ذلكَ الذي شهده المقر المركزي للحزب الاشتراكي الموحد، عشية انتخابات 2011، وحبذا لو تمت الإشارة إلى أن الذين “انشقوا” عن الهيكل الرسمي للحزب الاشتراكي الموحد، لم يكتفوا بذلك، بل أكدوا مواصلة التحامهم برفاقهم في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والعمل معهما ككتلة سياسية واحدة وموحدة في إطار الفيدرالية، وخوض المعركة الانتخابية جنبا إلى جنب، تحت لواء رمز الرسالة، تجسيداً لما ورد في بيان 3 يوليوز 2021، من خلال تنصيصه على أن الموقعين “غير مستعدين البتة للعودة إلى الوراء، ويرفضون التمترس في دائرة خط انعزالي حلقي، ويعيدون تأكيد تشبتهم بالمسار الوحدوي وحرصهم على مواصلة ما بدؤوه بمعية حليفيهم وعلى الوفاء بتعهداتهم المعلنة والموثقة والتزامهم الدائم بتغليب إرادة التجميع على إرادة التشتيت والبلقنة، وانتصارهم لمنطق إعادة البناء الجماعي الواعي والمنفتح، ضداً على منطق التعالي وانعدام الوضوح السياسي”.

وقد لاَحَظْتُ، رفيقي، أنك في سردك لوقائع اجتماع المجلس الوطني، قبيل انتخابات 2011، لم تُشِرْ إلى موقف الرفيق محمد مجاهد، الأمين العام للحزب آنذاك، والذي دعا إلى (عدم المشاركة) عوض (المقاطعة) أو (المشاركة)؛ إذ تبلورت ثلاثة مواقف، كما هو معلوم، وحاز موقف المقاطعة على الأغلبية. كانت الأمانة التاريخية تقتضي، في هذا المقام، التنويه، أيضاً، بموقف الأمين العام للحزب الذي تَقَبَّلَ نتيجة التصويت بصدر رحـب، ومهما كـان اختلافنا مـع هـذا الرجل، الذي وَقَّعَ هـو كـذلك علـى بيـان 3 يوليوز 2021، فإن موقفه ذاك يُحسب له على كل حال.

إن الذين تنعتهم، رفيقي، بالمنشقين، كانوا، قبل “انشقاقهم”، يتمنون لو تَمَّتِ الدعوة إلى المجلس الوطني للبت في مشروع قرار “سحب التوقيع”، ويأسفون لعدم الاحتكام إلى هذه المؤسسة التي تمثل أعلى هيئة تقريرية للحزب بعد المؤتمر، ولهذا فهم كانوا يَتَمَنَّوْنَ ألا يجدوا أنفسهم يوماً خارج الإطار الرسمي للحزب الاشتراكي الموحد، ولكنهم وُضِعوا أمام الأمر الواقع ولم يكن أمامهم من سبيل إلا إعلان تمردهم الاضطراري على قرار خطير ما أظن أن واضعيه كانوا يجهلون تداعياته ونتائجه الوخيمة على وضعية الحزب ومآل المسار الوحدوي الذي عَلَّقَ عليه المناضلون والكثير من شباب ومواطني المغرب التقدميين أملاً حقيقياً.

إن قرار سحب التوقيع هو انشقاق فعلي عن المسار الوحدوي، وما فعله موقعو بيان 3 يوليوز لم يكن سوى حركة رفض جماعية لهذه العملية الانشقاقية. وهؤلاء الرافضون لم يُفَاجِؤوا أحداً بفعل ما، بل كل ما قاموا به هو ردُّ فعل على فعل أصلي وصفوه بالحدث المشؤوم، فلو لم يقع هذا الفعل، وبالطريقة التي تَمَّ بها، لما كان هناك انسحاب من الحزب، فهذا الانسحاب هو نتيجة طبيعية ومنتظرة، وإذا جاز أن نسميه انشقاقا فهو، من الناحية العملية، مجرد انشقاق عن الانشقاق.

والمنسحبون من الحزب، لم يعودوا إلى بيوتهم ولم ينتشروا في أرض الله الواسعة ولم يتفرقوا في الأمصار والبلدان ولم يتبخروا في الطبيعة ولم يلتحقوا بالتنظيمات التي سبق أن انتموا إليها، بل واصلوا، جماعياً، ارتباطهم بالمسار الوحدوي، كَمُكَوِّنٍ داخل فيدرالية اليسار، على أمل التحاق بقية الرفاق الذين كان يجمعهم بهم بيت حزبي واحد، فحين تَمَّ تخييرهم بين الإطار الحزبي الضيق والإطار الوحدوي الرحب، اختاروا الاستمرار في طريق الوحدة بدل الجنوح إلى خط الانعزال والفُرقة.

وعدم عقد المجلس الوطني، في نظرهم، يعني حرمان هذه المؤسسة الأساسية في البناء الحزبي من حقها في أن تُبسط أمامها، بشكل وافٍ، كل الاعتبارات والحيثيات والمعطيات التي تقتضي اتخاذ قرار سحب التوقيع من التصريح المشترك ومناقشتها بشكل مفصل وتقدير مدى وجاهتها، وهل تنهض أساساً منطقياً ومقبولاً لاتخاذ القرار أم أنها مجرد ذرائع تخفي حسابات أخرى.

إن الذين يطالبون بأن نعود في كل شيء إلى “القواعد” و “المؤسسات”، تصرفوا حينما تعلق الأمر بسحب التوقيع، كما لو أن الحزب خالٍ من القواعد والمؤسسات باستثناء المكتب السياسي الذي هو، في كل التجارب الحزبية الديمقراطية ومنها تجربة الحزب الاشتراكي الموحد، جهاز تنفيذي يسهر، أساساً، على التدبير السياسي والتنظيمي والمالي والإداري للحزب، وفق توجهات ومقررات المؤتمر الوطني والمجلس الوطني، ولا يشكل بديلاً عنهما، ولا صلاحية له لنقض ما يرسمانه من قواعد ومبادئ وما يخلصان إليه من نتائج.

وسحب التوقيع من التصريح الثلاثي بالترشيح الموحد، هو عملياً، خروج من الفيدرالية، مهما قيل من مبررات، فالفيدرالية كصيغة أرقى من اتحاد الأحزاب العادي، تعني أن الأحزاب الثلاثة تتحول، عندما يتعلق الأمر بموضوع الانتخابات(3) إلى حزب واحد وهياكلها تَجُبُّ، في هذه الحالة، الهياكل الخاصة بكل حزب؛ فاختيار المكتب السياسي والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد التحلل من هذا الالتزام، بدعوى الحفاظ على استقلالية الحزب، والتقدم كحزب برمزه الخاص للانتخابات، يعني رفض الاستمرار في العمل بهذه  الصيغة المتقدمة، وبما أن “قرار الحزب” لم ينبثق عن الفيدرالية ولم يَحْظَ بقبول الحزبين الآخرين، فهذا يفيد، رسمياً، أن حزباً من الأحزاب الثلاثة أراد العودة إلى الصيغة القديمة للتحالف الحزبي التقليدي التي لم تعد قائمة في الأصل لأن هذه العودة لم تتقرر جماعياً من طرف هياكل الفيدرالية، التي تُمَثَّلُ فيها الأحزاب الثلاثة.

صيغة الفيدرالية، المعمول بها حالياً، لم يكن الحزب الاشتراكي الموحد من الموافقين عليها فحسب، بل كان من أشد الداعين إليها قبل اعتمادها، وهذا ما يُستفاد من التوجهات المتبناة في المؤتمر الوطني الثالث للحزب(4).

الحزب الاشتراكي الموحد، من خلال مؤسساته، قَبِلَ الانتقال إلى صيغة الفيدرالية، أي إلى نوع من الاندماج الجزئي، وخاصة من خلال المادة السابعة من النظام الأساسي للفيدرالية، وتصرَّف على هذا الأساس لعدة سنوات، وفجأة بَدَا للحزب الاشتراكي الموحد-من خلال المكتب السياسي والأمينة العامة- التحرر من عدد من الالتزامات الجوهرية المفروضة عليه بمقتضى هذه الصيغة، ووجد، على ما يظهر، أنها لم تعد تلائمه، لكنه لم يستطع أن يفرض على الحزبين الآخرين الرجوع إلى الصيغة القديمة التي تحتفظ لكل حزب من الأحزاب الثلاثة باستقلاليته في كل شيء. وبما أنه لا يمكن، منطقياً أن يُسمح لكل حزب باعتماد الصيغة التي يرتضيها، فهذا معناه، بكل بساطة، أن الحزب الاشتراكي الموحد لم يعد –رسميا- طرفاً في صيغة الفيدرالية.

إن من حق أي حزب أن يدافع عن استقلاليته الكاملة وأن يمنع الآخرين من التقرير في مصيره، ولكنه إذا ارتضى وضع قيود على تلك الاستقلالية، بمقتضى تعاقد جرى طوعاً وقَبِلَتْهُ مؤسساته بعد المداولة الحرة، فإنه يُصبح مُلْزَماً باحترام ما تعاقد عليه مع الآخرين، وإذا تخلى عن التزاماته، فلا يمكن أن يفرض على الآخرين أن يتخلوا، هم كذلك، عن التزاماتهم وأن يسايروا موقفه الجديد بالعودة إلى إحياء صيغة بَدَتْ لهم متجاوزة ومنتمية إلى الماضي !

التمرد على المجلس الوطني

رفيقي العزيز،

أَوْرَدْتَ، في رسالتك، ما يلي :

“في اجتماع المجلس الوطني للحزب لـ 30 نونبر 2019، كان هناك شبه إجماع على ضرورة إنضاج شروط الوحدة الاندماجية (وكان ذلك بحضور نساء ورجال الإعلام) مع التشبت بخيار الوحدة، في وقت كان الرفيق الساسي يسعى إلى استصدار قرار الاندماج قبل انتخابات 2021 وتأجيل الحسم في بعض القضايا الخلافية إلى ما بعد الوحدة، وهي المقاربة التي رفضها المجلس الوطني واشترط إنضاج الشروط، أولا، ثم الانتقال إلى الاندماج بعد ذلك.

فلماذا، إذن، لم يحترم الرفيق الساسي قرار المجلس الوطني واختار سلك طريق الانشقاق والانتصار لـ “مزاج شخص أو مجموعة من الأشخاص”.

يمكن تفريع الفقرة السابقة إلى قائمة من “المعلومات” المحتاجة إلى تدقيق، وهي على التوالي :

1)  وجود شبه إجماع في اجتماع المجلس الوطني على ضرورة “إنضاج الشروط”.
2) سعي الساسي لاستصدار قرار الاندماج قبل الانتخابات.
3) دفاع الساسي عن فكرة تأجيل الحسم في بعض القضايا الخلافية إلى ما بعد الوحدة.
4)  اشتراط المجلس الوطني ” إنضاج الشروط”، أولاً، ثم الانتقال إلى الاندماج، بعد ذلك.
5)  عدم احترام الساسي قرار المجلس الوطني واختياره طريق الانشقاق انتصاراً لمزاج شخص أو مجموعة من الأشخاص.

والله يا رفيقي، إنني لأُعْجَبُ لهذا الكم من الوقائع والمعلومات غير الصحيحة أو غير الدقيقة، الواردة في هذه الفقرة من رسالتك، وأنت الرفيق والزميل والأستاذ الباحث المفروض فيه أن يلتزم أقصى درجات التحري في إطلاق الأحكام وسرد المعطيات.

ولا أخفيك أنني لاحظت، في الأيام الأخيرة، أحياناً، أنه يكفي داخل مجموعة من المجموعات المتواجدة داخل الحزب الاشتراكي الموحد، والتي ترتبط كل منها بآصرة تضامن دائم، أن يقوم أحد الرفاق داخل إحداها بترديد مقولة أو يقدم رواية ما، ويتبعه في ذلك رفيق ثان، حتى تتحول بسهولة إلى عنوان للحقيقة، ويعتبر بقية الرفاق داخل المجموعة أنهم معفيون من الإدلاء بأية حجة أو تعليل، وهذا ينطبق، في نظري، رغم التفاوت، على الجميع ولا أستثني مجموعة من المجموعات، ولهذا يتعين ربما، أن يحاول كل الرفاق تحفيز أنفسهم وتحفيز غيرهم على ركوب طريق الحوار العقلاني الهادئ المبني على مقارعة الحجة بالحجة وتأسيس القول على المنطق والدليل.

1) فالبنسبة إلى النقطة الأولى، كان الخلاف الأساسي بين الرفاق المتدخلين، في دورة المجلس الوطني، يدور حول “توقيت” الاندماج (هل يكون قبل أو بعد الانتخابات) وليس حول ماهية “شروط” الاندماج، وتَوَزَّعَ المتدخلون إلى ثلاث فئات :

الفئة الأكبر وهي التي دافعت عن فكرة برمجة الاندماج بعد الانتخابات وليس قبلها. وأكبر حجة لدى هذه الفئة هي صعوبة الجمع بين التحضير للاندماج والتحضير للانتخابات وليس هناك وقت كاف لتحقيق اندماج جيد.

الفئة الثانية وكان عدد المتدخلين فيها أقل من السابقة، ودعت إلى تحقيق الاندماج قبل الانتخابات. وأكبر حجة لدى هذه الفئة هي أن هذا الاندماج سَيَضُخُّ نفسا جديداً في معركتنا الانتخابية مما سيسمح بتعزيز موقعنا في المشهد السياسي ولدى المواطنين وسيثبت أن مسار الوحدة هو حقيقة وليس وهما وأننا أوفياء لتعهداتنا.

أما الفئة الثالثة، فقد اتخذت موقفاً وسطاً، ودعت إلى العمل ما أمكن على تحقيق الاندماج قبل الانتخابات، وإذا تعذر الأمر وظهرت صعوبات طارئة، فلا بأس أن يُؤَجَّلَ إلى ما بعد الانتخابات.

ولم يكن التفاوت بين عدد التدخلات المصنفة ضمن الفئة الأولى وعدد التدخلات المصنفة ضمن الفئة الثانية، من الضخامة بحيث يَصِحُّ معه الحديث عن حيازة رأي الفئة الأولى ما يجسد “شبه الإجماع”.

وبما أنك رفيقي تقول إن نساء ورجال الإعلام قد حضروا أشغال الدورة، سيكون من المفيد إحالتنا على مادة صحفية، لصحفي أو صحفية غير منتميين للحزب عَرَضاَ في تغطيتهما لأشغال الدورة ما يفيد حصول “شبه إجماع” في تبني قرار تحقيق الاندماج بعد الانتخابات.

لم يَجْرِ تصويت في اجتماع المجلس الوطني، ولكن عدد المتدخلين الذين رافعوا لفائدة تحقيق الاندماج بعد الانتخابات كانوا أكثر عدداً من المتدخلين الذين رافعوا لفائدة تحقيق الاندماج قبل الانتخابات، وكان ذلك كافياً لتعتبر سكرتارية المجلس الوطني، عن حق، أن “الاتجاه العام” المتبلور في الاجتماع هو المنادي بإرجاء الاندماج إلى ما بعد الانتخابات(5).

تَدَخَّلَ في المناقشة أكثر مـن نصف أعضاء المجلـس الوطنـي الحاضـرين (107 متدخلاً وكان هذا الرقم قياسياً). وفي المتوسط كان الحضور في دورات المجلس الوطني يتراوح في العادة بين 170 و200 عضواً، وكان النصاب متوفراً باستمرار. ومن الواجب التنبيه إلى أن تصريح بعض أعضاء القيادة بأن مناصري فكرة تأجيل الاندماج إلى ما بعد الانتخابات يمثلون 70 في المائة من المتدخلين (وهو ما لا يسمح على كل حال بالحديث عن حصول شبه إجماع) استُنِدَ فيه إلى ضم عدد أعضاء الفئة الثالثة إلى عدد أعضاء الفئة الأولى(6).

2) وبالنسبة إلى النقطة الثانية، أؤكد هنا، أنني، شخصياً، كنت ممن تمنوا أن يحصل الاندماج قبل الانتخابات وسَعَيْتُ إلى ذلك، فقدمت لرفيقتي الأمينة العامة مشروع توصية لطرحها على المجلس الوطني عندما يحين آوان عقد دورته الخامسة، وهذا ليس بجريمة، ولكن الذي حصل بعد ذلك أن عدداً من الصعوبات والتحفظات لاحت في الأفق مما حَمَلَنِي على الاقتناع بأن الموقف الأسلم هو الرأي الوسط، وهكذا دافعت، أمام رفاقي في المجلس الوطني، عن الفكرة القائلة ببذل الجهد المطلوب لتحقيق الاندماج قبل الانتخابات، وإذا ظهرت، بعد ذلك، صعوبات جدية تمنع ذلك، فلا بأس، عندها، من إرجاء مشروع الاندماج إلى ما بعد الانتخابات.

هذا الرأي، في نظري، يتسم بالمرونة ويُبْقِي للقيادة إمكان تقرير الإرجاء، تلقائياً، إلى ما بعد الانتخابات، إذا قَدَّرَتْ صعوبة تحقيق الاندماج قبل الانتخابات، وقد أَرْسَلْتُ إليك، رفيقي، شريطاً بالصوت والصورة(7) لكامل تدخلي الذي يندرج ضمن الرأي المعبر عنه من طرف الفئة الثالثة وليس الفئة الثانية. وما أظن أن الفرق بينهما يغيب عنك، وكنت أتمنى، بكل صدق، في رسالتك إلى الأستاذ صلاح بوسريف أن تحرص على إبراز هذا التمايز.

وللتذكير، فإنك رفيقي، لاَحَظْتَ، ربما، وأنت موجود في القاعة، كيف كان الاختلاف جلياً بيني وبين عدد من أقدم أصدقائي وجَرَّ عَلَيَّ موقفي انتقاداتهم العلنية في القاعة، بل منهم من احتج عَلَيَّ بصوت عال، حينما هَمَمْتُ بتأويل الصيغة الواردة في الأرضية، بخصوص توقيت الاندماج والذي اعْتَبَرْتُ أنها تفيد الإمكان وليس اللزوم !

فأين كانت (الرموت كونترول)، أو جهاز التحكم عن بعد، ولماذا لم تفعل فعلها خلال اجتماع المجلس الوطني، ولماذا أعلن أعز اصدقائي (محمد حفيظ – عمر بلافريج – حسن الصمدي – عبد الحق بلقايد..إلخ) اختلافهم معي بدون أدنى حرج. ألم تظهر استقلاليتهم في التفكير وجرأتهم في التعبير، في أبهى تجلياتها؟

دافع كل واحد منا –أي أنا والرفاق المشار إليهم- عن قناعاته بكل حرية ولم نتصرف كقبيلة أو كتكتل ومارسنا اختلافنا في لحظة المجلس الوطني. أَلَمْ تطرح، رفيقي، على نفسك، تساؤلاً عن السبب الذي جعل هؤلاء الذين اختلفوا، بحدة في دورة المجلس الوطني، يتفقون، بالحدة نفسها، على رفض قرار سحب التوقيع من التصريح المشترك؟ ألم تدرك أن هؤلاء الرفاق رأوا في هذا القرار خطأ قاتلاً لا يمكن السكوت عنه. لقد حَرَّكَتْهُمْ، إذن، قناعاتهم الخاصة، وإذا كانت الرموت كونترول قد عجزت عن “حسم الموقف” في هذا الاتجاه أو ذاك، خلال لحظة المجلس الوطني، فكيف يمكن، في نظرك، أن تكون لها السيادة في لحظات أخرى؟ ألم تُلاَحِظْ، أن من التجني على بعض رفاقك في الحزب، أن تَتَّهِمَهُمْ، عندما يتخذون موقفاً مخالفاً لموقفك، بالخضوع لتوجيه من يمسكون الرموت كونترول وبالتبعية للغير؟

3) أما بالنسبة إلى النقطة الثالثة، فلم يسبق لي قط، في أي مقال أو تدخل أو ندوة أو اجتماع، أن دافعت على فكرة تأجيل الحسم في بعض “القضايا الخلافية” إلى ما بعد الوحدة، وأتأسف، رفيقي، مرة أخرى لما ورد في رسالتك، بهذا الخصوص، من كلام عار من الصحة تماماً، وإذا بدا لك أن ما أوْرَدْتَهُ صحيحاً فحبذا لو ذَكَرْتَ، بدقة، ما هي هذه “القضايا الخلافية” التي صَرَّحْتُ بإرجاء البت فيها إلى ما بعد الوحدة ومتى صرحت بذلك.

إن الأرضية، التي اعتُمِدَت في المؤتمر الوطني الثالث للحزب الاشتراكي الموحد (الديمقراطية…هنا والآن) والأرضية التي اعتُمِدَت في المؤتمر الرابع (الأفق الجديد)، واللتين كان لي شرف المساهمة في تحريرهما وأتبنى، حرفياً، ما جاء فيهما، تعترفان بوجود تمايزات بصدد عدد من القضايا بين الأحزاب الثلاثة وتسجلان حصول تقدم وتقارب في معالجتها وتُلِحَّانِ على بذل المزيد من الجهد والمبادرات لتوحيد التصورات بشأنها، ولا تقترحان تأجيل النظر في بعض أو كل تلك التمايزات إلى ما بعد الوحدة أو الاندماج، وإلا فما الداعي إلى برمجة جامعات موضوعاتية ممهدة للاندماج، أي قبل الاندماج وليس بعده.

والظاهر، طبعاً، أنك تعني بالقضايا الخلافية التي طَالَبْتُ، في نظرك، بتأجيلها -إلى ما بعد الاندماج- تلك المُفترض أنها قائمة، حالياً، بين الأحزاب الثلاثة والتي لا يستقيم أمر بناء الحزب الواحد بدون الحسم فيها، في هذا الاتجاه أو ذاك، أي تلك التي يصعب، مع استمرارها، وضع برنامج للعمل موحد وحقيقي في المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ إذ المعروف أن نمط التنظيم الحزبي، الذي يعمل به الحزب الاشتراكي الموحد، ويقترح اعتماده في بناء الحزب المنبثق عن الاندماج، يسمح باستمرار قيام بعض الاختلافات بين مناضليه إذا كانت لا تمس جوهر الاختيارات الأساسية للحزب.

4) وبالنسبة إلى النقطة الرابعة، تَذْكُرُ، رفيقي محمد نبيل السريفي، في رسالتك، أن المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد المنعقد في دورته الخامسة (دورة الفقيد خالد الشجاعي) يومي 30 نونبر وفاتح دجنبر 2019، اشترط إنضاج الشروط، أولاً، ثم الانتقال إلى الاندماج، بعد ذلك. هذه الطريقة في تقديم خلاصة نقاش المجلس الوطني، تحمل الكثير من اللبس، إذ قد يتصور البعض، بناءً عليها، أن النقاش داخل المجلس أفرز صفين متقابلين :

صف الذين يشترطون إنضاج الشروط، أولاً، من أجل الاندماج، ثانياً.

وصف الذين لا يشترطون إنضاج الشروط من أجل الاندماج وينادون بتحقيق الاندماج بدون أن يحفلوا بأهمية إنضاج الشروط.

بينما من الطبيعي ان يسبق المرور إلى الاندماج، إنضاج الشروط، وعليه فالإشكال الحقيقي المطروح علينا يتلخص في سؤالين اثنين :

أولاً، كم ستحتاجه عملية إنضاج الشروط من الوقت، أي هل لنا قدرة على التقدير الزمني المسبق الذي ستتطلبه العملية أم أننا عاجزون عن ذلك؟

ويدخل ضمن ذلك سؤال فرعي يتطلب معالجة أولية وهو الذي كان محور النقاش الأساسي داخل المجلس الوطني وتمت الإجابة عليه بشكل مختلف، فهناك من اعتبر أن المدة التي كانت تفصلنا عن الانتخابات كافية لاستكمال إنضاج الشروط، وبالتالي تحقيق الاندماج، وهناك من اعتبر أنها لن تكون كافية، وهو الموقف الذي كان له مؤيدون أوفر، علماً بأن الفترة التي تمتد من اعتماد الصيغة الجديدة في العمل الوحدوي (الفيدرالية) إلى تاريخ عقد المجلس الوطني (قرابة ست سنوات) لم تكن فترة بياض، بل حفلت بالمساعي والخطوات والنقاشات وعمليات تأسيس لجان التحضير وعشرات الهيئات المحلية التي حققت قدرا معلوماً من إنضاج الشروط وبقي علينا أن نراكم المزيد.

ثانياً، ما هي هذه “الشروط” بالضبط، وهل تَرِدُ في لائحة معروفة ومحصورة أم أنها تتوالد وتتناسل إلى ما لا نهاية؟

وهكذا فالبيان العام الصادر عن المجلس، في الدورة المشار إليها (والمصادق عليه بالإجماع مع ضم التعديلات المقترحة في الجلسة كما جاء في تقرير السكرتارية)، لا يستعمل، أصلاً، لفظة “شروط”، بل وأكثر من ذلك، يدعو صراحة، إلى تسريع وتيرة التحضير، وعليه، أجدني مضطراً إلى إيراد الفقرات التي تناولت قضية الاندماج في هذا البيان، وهذا نصها :

“بعد المناقشة الرفاقية الجادة والعميقة للتقرير المقترح ولسيرورة اندماج مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي باستحضار مخرجات المؤتمر الوطني الرابع والحاجة المجتمعية إلى يسار فاعل قادر على ترجيح ميزان القوى لفائدة قوى التغيير الديمقراطي بغية تحقيق الملكية البرلمانية ومجتمع العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة؛

فإن المجلس الوطني يعلن للرأي العام الوطني والدولي ما يلي : (…)

يؤكد من جديد التزامه بما جاء في الأرضية المصادق عليها من قبل المؤتمر الوطني الرابع وبيانه الختامي، وخاصة في ما يتعلق بمهمة بناء حزب جديد تندمج فيه المكونات الحالية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بجانب فعاليات يسارية وتقدمية أخرى.
يعتبر أن هذا المشروع الاندماجي يمثل خياراً استراتيجيا لا رجعة فيه، وجواباً ملحاً على تحديات يطرحها الوضع السياسي الحالي ببلادنا، ويثمن كل ما تَمَّ إنجازه ويحيي الجهود المبذولة من طرف كافة المكونات على طريق إنجاح المشروع.
يوصي الهيأتين التقريرية والتنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي لاستكمال مهامها وتسريع وتيرة التحضير السياسي والتنظيمي لمشروع الاندماج وذلك بوضع خارطة الطريق لاستكمال النقاش والمهام وصياغة مشروع الاندماج لعرضه على الهيئات التقريرية لمكونات الفيدرالية.”.

لقد جاء مضمون هذا البيان متوافقاً مع التصور الذي تقوم عليه الأرضية التي اعتمدها المؤتمر الوطني الرابع وحازت على 80 في المائة من الأصوات، ومخالفاً لما ذهبت إليه الأرضية التي كُنْتَ، رفيقي، من الموقعين عليها والتي نالت 18 في المائة من الأصوات وكانت تدعو، بصدد الاندماج، إلى إعمال “التريث” بدل “تسريع الوتيرة” وتقترح العودة إلى القواعد لمناقشة كل شئ وإعادة تقييم الاندماجات السابقة قبل خوض تجربة اندماج جديدة(8) بَدَلَ تكليف الهيأتين التنفيذية والتقريرية للفيدرالية بـ “استكمال” وإتمام مسلسل التحضير…إلخ.

أما الخلاصات التي تَوَلَّتْ سكرتارية المجلس الوطني تعميمها على المناضلين، بخصوص مداولات الدورة، فقد أوردت، حقاً، عبارة (إنضاج الشروط) ولكن في سياق التقدير الزمني، فأكدت أن الاتجاه العام الذي تبلور من خلال مداولات المجلس “خَلُصَ إلى ضرورة مراعاة الحيز الزمني الذي تتطلبه عملية الإنضاج الفعلي لشروط الاندماج، بموازاة مع التحضير الجيد للانتخابات”، بمعنى أن المرحلة الزمنية التي تسبق الانتخابات، إذا كانت غير كافية لتحقيق اندماج جيد، فإنها مع ذلك ستكون مناسبة لمواصلة إنضاج الشروط بجانب التحضير للانتخابات.

5) أما بالنسبة إلى النقطة الخامسة التي تَتَّهِمُنِي فيها بعدم احترام قرار المجلس الوطني واختيار الانشقاق “انتصاراً لمزاج شخص أو مجموعة من الأشخاص” فإن هناك سلسلة من الوقائع التي تثبت عدم صحة ما ذهبت إليه، رفيقي، ومنها مثلاً :

حضوري اجتماع سكرتارية المجلس الوطني الذي خُصِّصَ لتوثيق خلاصات المجلس في دورته الخامسة وتبليغها للمناضلين، وتأكيدي في افتتاح الاجتماع أن القرار المستخلص من مداولات المجلس الوطني هو أن يكون موعد الاندماج في تاريخ يعقب الانتخابات وليس في تاريخ يسبقها، وأن هذا القرار ملزم لجميع مناضلات ومناضلي الحزب. وقد أجمع الحاضرون في اجتماع السكرتارية على ذلك، ولم يظهر أن هناك بينهم خلافاً في الأمر أو استعداداً لدى أحدهم للتحلل من القرار أو المجادلة في قانونيته أو في مضمونه.

إقدامي، بعد بروز بعض الدعوات إلى تحقيق الاندماج قبل الانتخابات(9)، على تعميم بيان توضيحي في 28 ماي 2020(10) بمبادرة مني وبدون ضغط من أحد، أؤكد فيه على ضرورة الالتزام بالقرار، وهذا نص البيان التوضيحي :

“تحية لكل الرفاق. كمنسق لسكرتارية المجلس الوطني، أجدد التأكيد على أن التوجه الصادر عن الدورة الأخيرة للمجلس، كما سجلناه، من خلال أغلب التدخلات، هو إرجاء الاندماج إلى ما بعد انتخابات 2021 وأن حرية التعبير المكفولة داخل الحزب لا تعني إعادة فتح النقاش كل مرة في المجلس الوطني حول الموضوع ما لم يطرأ هناك مستجد استثنائي يفرض ذلك. وهذا التوجه الصادر عن المجلس الوطني لا يتعارض مع التوجه الصادر عن المؤتمر لأن هذا الأخير أورد العبارة التالية (إننا نتصور أن العرض السياسي الجديد سيكون جاهزاً قبل موعد الانتخابات المقبلة) وبذلك تَمَّ التخلي عن صيغة سابقة كانت تُورد حصول الاندماج قبل الانتخابات بشكل يفيد اللزوم وليس الإمكان.

طبعاً هذا لا يعني أن تأجيل الاندماج إلى ما بعد انتخابات 2021 يعني تأجيله بسنوات بعد الانتخابات خصوصاً أن حلول موعد الانتخابات سيسبقه انتهاء ولاية الأجهزة المنبثقة عن المؤتمر الرابع، وبالتالي يمكن، في نظري، إعادة طرح قضية الاندماج، بكل أريحية، في جدول أعماله(11)، إذ المهم أن نخرج موحدين ونحافظ على الحزب لأن تشتيت الحزب، الذي هو النواة الأساسية للاندماج هو تشتيت لأمل الاندماج نفسه.

طبعا، اليوم سنستمر في الوفاء بالتزاماتنا وفي تسريع مهمة توطيد علاقاتنا كمناضلين مع مناضلي الحزبين الآخرين بما ينسجم مع أولوية التحضير لكسب رهان انتخابي حاسم.”.

هذا يفيد أنني لم أكتف بإعلان التزامي بقرار المجلس الوطني الخاص بتوقيت الاندماج، بل ناديت رفاقي الآخرين إلى احترام القرار ودعوت إلى نبذ التفكير في محاولة مراجعة القرار في دورة مقبلة للمجلس حتى لا نسقط في العبث (ما لم تطرأ طبعاً ظروف استثنائية) فَنُغَيِّرُ في دورة ما اتفقنا عليه في دورة سابقة !

مساهمتي في تحرير الأرضية التأسيسية لتيار اليسار الوحدوي والتزامي بها نصاً وروحاً، وهي التي تنطلق من أن إرجاء عقد الاندماج إلى ما بعد الانتخابات هو أمر محسوم فيه، ويتجلى ذلك في تنصيص الأرضية، مثلاً، على ما يلي :

“يُعقد المؤتمر التأسيسي للحزب الجديد داخل أجل ستة أشهر إلى سنة بعد انتخابات 2021″(12).

وخلاصة ما سبق، أن لا مشكلة لي، نهائياً، مع مخرجات المجلس الوطني. لقد تَقَبَّلْتُ كافة نتائجه ودافعت عنها أمام رفاقي في أكثر من مناسبة، سواء تعلق الأمر بموضوع توقيت الاندماج أو بمضمون البيان العام الصادر عن المجلس والذي أَتَبَنَّاهُ حرفياً.

أُقَدِّرُ فيك، رفيقي، غيرتك على قرار أو قرارات المجلس الوطني وحرصك على احترامها والدفاع عنها والتنديد بكل محاولة للتنصل منها أو العبث بها، لكنني أستغرب، في الوقت ذاته، كيف غاب عنك الالتفات إلى جهة أخرى أولى باللوم والعتاب في هذا الصدد، وكيف بدا لك، مثلاً أن تصرف الرفيقة نبيلة منيب، حيال مخرجات المجلس الوطني، كان مثاليا ولا يستحق النقد والمؤاخذة.

كان عليك، ربما، خدمة للحقيقة، وتنويراً للأستاذ صلاح بوسريف واستحضاراً لكامل عناصر الوضع داخل الحزب الاشتراكي الموحد، بموضوعية وتجرد، أن تُنَبِّهَ، مثلاً، إلى أن الأمينة العامة للحزب هي بالضبط التي لها مشكلة حقيقية ظاهرة للعيان مع المجلس الوطني، تتجلى على الأقل من خلال ثلاث زوايا :

فهي، أولاً، اختارت بعد انتهاء الدورة مباشرة، أن تطرح، في الساحة العامة وأمام الملأ، شروطاً للاندماج لم يقل بها المجلس ولم يقل بها المؤتمر، وبعضها غريب وغامض وغير مفهوم، وفي كل مرة تضيف شرطا جديداً حتى لم نعد نعرف أين تبدأ وأين تنتهي شروطها هذه.

وهي، ثانياً، وضعت نفسها في تعارض مع قرارات الدورة الخامسة للمجلس الوطني، فهذه الأخيرة –كما سبق أن أشرنا إلى ذلك- أوصت الهيأتين التنفيذية والتقريرية بوضع خارطة طريق الاندماج. وبعد أن وضعت الهيأة التقريرية العناصر الأولية لهذه الخارطة، رفضت الرفيقة منيب الاعتراف بشرعية قرارات الهيأة وامتنعت عن تنفيذها أو الالتزام بها. والأمر الوحيد الذي قَبِلَتْهُ، بدون تردد، هو نقل مهمة المنسق الوطني للفيدرالية، إليها، والذي تَمَّ خلال اجتماع الهيأة التقريرية “المطعون فيه” !

وهي، ثالثاً، أقْدَمَتْ على خطوة إلى الوراء، في علاقة الحزب الاشتراكي الموحد بحزبي المؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، بعد أن كان المجلس الوطني قد طالبها بتحقيق خطوات إلى الأمام في تلك العلاقة. وتجلت الخطوة إلى الوراء الصادرة عنها في سحب توقيع الحزب من التصريح الخاص بالتحالف الانتخابي الثلاثي (مدعومة من طرف المكتب السياسي) بدون الرجوع إلى المجلس الوطني بينما كان الوفاء للتوجه المعبر عنه في بيان المجلس يقتضي من الأمينة العامة، عبر موقعها في الهيأتين التنفيذية والتقريرية للفيدرالية، أن تعمل على الدفع في اتجاه تثمين المنجز الوحدوي وتسريع الوتيرة وإعداد خارطة الطريق.

أما بالنسبة إلَيَّ، فإن قرار استقالتي من الحزب –كما ظهر ذلك من خلال المعطيات التي سردتها –لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بقرارات المجلس الوطني ولا بالنقاش الذي دار حول الاندماج، بل له علاقة بقرار لاَحِقٍ تَجَاهَلَ مخرجات المجلس وتوجهاته، بل وتجاهل وجود المجلس الوطني في هرمية التنظيم الحزبي، بشكل يُنْذِرُ بتحول الحزب الاشتراكي الموحد إلى حزب يتحكم فيه الجهاز التنفيذي ولا يهمه وجود جهاز آخر يمثل أعلى سلطة تقريرية للحزب بعد المؤتمر. وإذا كانت استقالتي هي بسبب “عدم انضباطي” لقرار المجلس الوطني، فلماذا انْتَظَرْتُ كل هذه المدة لأقدمها؟ وكيف أدافع عن قرارات المجلس الوطني، برمتها، وأدافع عن وحدة الحزب وأدعو إلى تجنيبه خطر التشتيت والانقسام(13) وأبذل سيلاً من المساعي والمبادرات الهادفة إلى تحسين أجواء النقاش الداخلي، ثم أعمد، هكذا فجأة وبدون سابق إنذار، إلى مغادرة الحزب؟

رفيقي العزيز، لا يمكن لك ولا لأحد غيرك أن يتجاهل الحقيقية التالية : لو لم يُتخذ قرار الخروج من التحالف الانتخابي لَمَا اتُخِذَ قرار الخروج من الحزب !

الهوامش :

1) يتعلق الأمر بالرفيق مصطفى مسداد الذي بَذَلَ مجهودات كبيرة للحفاظ على وحدة الحزب ولإنجاح المسار الوحدوي، وقد ورد ذلك في تدخله خلال اجتماع كتاب الفروع، علماً بأنني أحترم رأي الرفيق مسداد فهو من الذين اعتبروا أن محاولة تأسيس تيار اليسار الوحدوي تمثل خطأ سياسياً، مع التذكير، هنا، بأن بعض القادة المؤسسين اتخذ موقفاً سلبياً من فكرة التيار وذلك حتى قبل الاطلاع على نص أرضيته، كما يتبين ذلك من خلال أدلة مادية قابلة للاستظهار.

2) لقد انضم رفاق آخرون متعددون، عملياً، إلى مضمون البيان، وتكفي الإشارة، مثلاً، إلى أعضاء المجلس الوطني، ومن بينهم عضو في المكتب السياسي، الذين ترشحوا باسم رمز الرسالة، في انتخابات 8 شتنبر 2021، دون أن يكونوا قد وقَّعُوا على البيان لحظة نشره.

3) تنص المادة السابعة من النظام الأساسي لفيدرالية اليسار الديمقراطي على ما يلي :

“إن القضايا التي تنفرد الفيدرالية، وحدها ودون أي مكون من مكوناتها، بالتقرير فيها، وفي اختيار طرق ووسائل تنفيذ ما قررته بشأنها، هي :

المسألة الدستورية.
المسألة الانتخابية.
قضايا استكمال الوحدة الترابية الوطنية”.

4) فيدرالية اليسار الديمقراطي – الوثائق المرجعية – الورقة السياسية – النظام الأساسي – يناير 2014.

الحزب الاشتراكي الموحد – الديمقراطية… هنا والآن – المؤتمر الوطني الثالث – الطبعة الأولى – مطبعة تيسير – الدار البيضاء 2013 – الصفحة 108 والصفحة 109 : “هذه المبادرات والخطوات يتعين أن نباشرها بتنسيق وتعاون متينين مع رفاقنا في تحالف اليسار الديمقراطي (المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي)، وأن نعمل على توطيد أركان هذا التحالف، وإعطائه امتدادات محلية وقطاعية في أفق الارتقاء به إلى تبني صيغة وحدوية أكثر تقدماً”.

5) عقد المجلس الوطني للحزب دورته الخامسة – دورة الفقيد خالد الشجاعي يومي السبت 30 نونبر والأحد فاتح دجنبر 2019 بالمركب الدولي للشباب ببوزنيقة – حَضَرَ أشغاله 192 عضوا / ة من أعضاء المجلس الوطني – ومن لجنة المراقبة المالية : 05 – ومن لجنة التحكيم : 05 – كتاب جهات كل من : جهة الشرق – جهة الشمال – جهة الرباط سلا القنيطرة – جهة الدار البيضاء سطات – جهة مراكش آسفي – الاعتذارات : توصلت السكرتارية باعتذار 10 أعضاء وعضوات المجلس الوطني (هذه البيانات واردة في التقرير، الذي عممته سكرتارية المجلس الوطني، عن أشغال الدورة).

6) وهكذا احتُسِبَ تدخلي، مثلاً، كجزء من أغلبية تقبل تحقيق الاندماج بعد الانتخابات.

7) هذا الشريط تَمَّ تداوله في بعض مجموعات الحزب، على الواتساب، وأتوفر على نسخة منه. ويُلاحظ، فيه، أنني بدأت بإثارة عيب موجود في المسطرة، فما كان يجب أن نَبُتَّ وحدنا في توقيت الاندماج، بل أن يُعهد إلى هياكل فيدرالية اليسار الديمقراطي باقتراح تاريخ محدد وعرضه على المجالس التقريرية للأحزاب الثلاثة قصد المصادقة، إذ ليس هناك معنى لكي يصدر عن برلمان حزب واحد تاريخ معين قد يرى فيه الحزبان الآخران محاولة لفرض الأمر الواقع؛ ومع ذلك سجلنا أن هذين الحزبين تعاملا بإيجابية مع قرار المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد.

8) تؤكد أرضية اليسار المواطن والمناصفة على أنه “يجب التريث في اتخاذ القرار” بخصوص ما تسميه “الاندماج هنا والآن” كما تطرح التساؤل التالي : “إلى أي حد كانت إيجابية تلك الصيرورة الاندماجية للفصائل التي شكلت الاشتراكي الموحد” وتطالب بـ “الوحدة القاعدية”..إلخ – الحزب الاشتراكي الموحد- وثائق المؤتمر الوطني الرابع – دعم النضالات الشعبية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية – 19 – 20 و21 يناير 2018 – الطبعة الأولى 2021 – مطبعة النجاح الجديدة (CTP) – الدار البيضاء – تُراجَع على الخصوص الصفحتان 258 و259.

9) هناك رفاق طرحوا بحسن نية إمكان عقد مجلس وطني آخر قصد تقرير الاندماج قبل الانتخابات. لن يشكك أحد منا، مثلاً، في نوايا رجل نزيه ومناضل صادق ونبيل مثل نجيب أقصبي الذي هو، بالنسبة إلي، أكثر من رفيق وصديق، هو بمثابة أخ.

https://www.facebook.com/PSUCASABLANCA/videos/326745981645408/

نجيب أقصبي : مشروع الفيدرالية تَأَخَّرَ، والاندماج يجب أن يكون قبل الانتخابات، ولا يمكن انتظار توفر جميع الشروط…

10) البيان التوضيحي وُضِعَ في مجموعة المجلس الوطني بالواتساب psu.National بتاريخ 28 ماي 2020، وتفاعل معه العديد من أعضاء المجلس.

11) المقصود هنا، طبعا، جدول أعمال المؤتمر الوطني الخامس.
12) الحزب الاشتراكي الموحد – أرضية اليسار الوحدوي (صيغة أولية) – الرباط – 21 يونيو 2021- الصفحة 34.

13) يجب التذكير، هنا، أن الأرضية التأسيسية لتيار (اليسار الوحدوي) تشير إلى التزام أعضاء التيار بـ “العمل من أجل التجميع والحفاظ على كل الطاقات العاملة داخل الحزب والتدخل لوقف الهدر الذي يعرفه ولإرجاع الذين غادروه، وجعله بيتاً يتسع لكل مناضليه ويحتضن الرأي والرأي المخالف بين ظهرانيه” – ص 52- لكن ذلك ينطلق، طبعاً، من التقدير الوارد في الصفحة 45 والذي يتمثل في كون “قيادتنا الحالية، حتى وإن كانت قد راكمت العديد من الأخطاء، فإنها، في تقديرنا، لم تصل بعد إلى ارتكاب (الخطأ القاتل)” – الحزب الاشتراكي الموحد – أرضية اليسار الوحدوي (صيغة أولية) – الرباط -21 يونيو 2021.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *