وجهة نظر

رسالة مفتوحة من محمد الساسي إلى محمد نبيل السريفي .. خطأ أم خطيئة (1)

رفيقي العزيز محمد نبيل السريفي

تحية طيبة، وبعد

بعد تعليق الأستاذ الشاعر صلاح بوسريف على رسالة استقالتي من الحزب الاشتراكي الموحد، في مقال له معنون بـ (كل الألوان ولا لون) منشور بالصفحة الأولى لجريدة (المساء) بتاريخ 2 غشت 2021، وَجَّهْتَ إليه رسالة تلومه فيها على عدم استحضار الرأي الآخر داخل الحزب، وعلى تسرعه، حسب رأيك، في إصدار ما اعتبرته أحكام قيمة بخصوص ما يجري في الحزب، وآليْت على نفسك أن تقدم له معطيات ومعلومات غائبة عنه، انتصاراً لما تعتبره الحقيقة.

رفيقي، أُعِزُّكَ و أُقَدِّرُكَ وأحترمك، وأود، في بداية رسالتي هذه، أن أشكرك مرتين: أولاً على الكلمات الطيبة التي فُهْتَ بها في حقي، خلال تواصلنا المكتوب بعد صدور رسالتك، وثانياً لأن هذه الرسالة تتيح لي اليوم فرصة إضافية لعرض مزيد من العناصر التي تسمح، في نظري، بحسن استيعاب مسار الأحداث التي عرفها الحزب الاشتراكي الموحد، فرسالتك إيجابية من هذه الناحية، إذ تُوَفِّرُ لي مناسبة لاطلاع عموم المناضلين والمواطنين على تفاصيل هامة.

حدث أم حدثان .. السبب والنتيجة

في رسالتك، رفيقي، تصرح بأن “الأزمة التنظيمية التي يمر بها الحزب الاشتراكي الموحد” هي “نتيجة خيار الانشقاق الذي تبناه مجموعة من الرفاق والرفيقات بقيادة الرفيقين الساسي ومجاهد” واختيارهما التوقيت الأسوأ أي “عشية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة”.

إذن، المشكلة، في نظرك، هي انشقاق البعض عن الحزب، ولولا هذا الانشقاق لما كانت هناك الأزمة، فهذه الأخيرة سببها هو استقالة من استقال، وما كان عليهم أن يفعلوا ذلك وفي هذا الظرف الحرج.
وإذا راجعنا كرونولوجيا الأحداث، نجد أنفسنا أمام ثلاث وقائع هي حسب الترتيب الزمني :

– 21 يونيو 2021 : طرح أرضية (اليسار الوحدوي)، وهي تدعو إلى مصالحة حزبية واعتذار جماعي وتقر بشرعية قيادتنا الحزبية وترفض فكرة المطالبة برحيلها، وتلتزم بمقررات المؤسسات الحزبية، وتعتبر الانتخابات معركة جماعية ذات أولوية الآن.

– 29 يونيو 2021: سحب توقيع الحزب الاشتراكي الموحد من التصريح المشترك بين الأحزاب الثلاثة (الاشتراكي الموحد – المؤتمر الوطني الاتحادي – الطليعة الديمقراطي الاشتراكي) المودع لدى وزارة الداخلية والقاضي بوجود تحالف انتخابي ثلاثي والترشيح برمز واحد وهو (الرسالة) كما جرى بذلك الأمر في السابق.

– 3 يوليوز2021: بيان أكثر من مائة عضو من المجلس الوطني يرفض الانسحاب من التصريح المشترك، وعقد اللقاء الوطني الذي تبعته موجة من الاستقالات.

رسالتك، رفيقي، لم تتحدث عن الواقعة الثانية ولم تُشِرْ إليها لا بالتصريح ولا بالتلميح، فكأنها لم تحصل قط.

ألم يخطر ببالك لحظة واحدة أن يكون السبب في الواقعة الثالثة هو حصول الواقعة الثانية؟

لماذا سيصر رفاقك المستقيلون على تجشم عناء إعداد وتقديم أرضية للمجلس الوطني قصد المصادقة، إذا كانوا ينوون الاستقالة؟ وأنت تعلم أن تأسيس تيار يعني نية استمرار العمل داخل الحزب؟

وما هي الواقعة (أو الانشقاق) الأخطر في نظرك : الانشقاق عن المسار الوحدوي، بما يمثله هذا المسار من أمل لدى الشباب واليساريين المتشبعين بقيم التقدم والعدالة الاجتماعية، أم الانشقاق عن الحزب؟

وأنت حين تحدثت عن هذا “الانشقاق” الأخير لم تشر إلى أن أصحابه تعهدوا بالاستمرار في المسار الوحدوي. مَنِ الأكثر وحدوية يا ترى؟ من ينشق عن الصيرورة الوحدوية ويهدم عملياً أساساً رئيسياً من أسسها، ويَعِدُ الناس مستقبلاً بوحدة ليس لها زمان ولا مكان، أم ذلك الذي يستمر في القطار نفسه الذي كان يركبه الجميع ونزل منه من نزل؟

هل المنشق هو من ينزل من القطار أم الذي يستمر راكباً فيه؟

وأنت تتحدث عن الاستقالة من الحزب، كعنوان للأزمة، فكأني بك تعتبر الواقعة اللاحقة هي السبب في واقعة سابقة وهذا مالا يقبله العقل، فلو لم يكن هناك سحب للتوقيع لما استقال كل هؤلاء الرفاق.

كيف تعَهَّدَ محررو أرضية اليسار الوحدوي، وهم يمارسون حقهم في نقد آداء القيادة، “بالعمل من أجل التجميع والحفاظ على كل الطاقات العاملة داخل الحزب، والتدخل لوقف الهدر الذي يعرفه ولإرجاع الذين غادروه، وجعله بيتا يتسع لكل مناضليه ويحتضن الرأي والرأي المخالف بين ظهرانيه” ثم ينقلبون فجأة على كل ذلك ويغادرون الحزب بدون أدنى سبب؟

كان يجب أن تُرَكِّزَ في رسالتك على “سحب التوقيع” وتحاول شرح دواعيه وأسبابه، ولكنني أعلم أنك تَجَنَّبْتَ الموضوع لأن فيه إحراجاً لك يا رفيقي. ولقد حاولت الرفيقة نبيلة منيب، أمام الصحافة، أن تبحث عن المبررات:

فتحدثت ثارة عن الخلاف بخصوص الاندماج، وكأن هذا الخلاف لم يكن موجوداً أثناء توقيع التصريح وهل هناك من كان يطالبها بالاندماج قبل الانتخابات؟ بينما الهيأة التقريرية للفيدرالية حسمت أمر توقيت الاندماج (ستة أشهر إلى سنة بعد الانتخابات)

وتحدثت الرفيقة منيب ثارة أخرى عن “محاولة قرصنة الحزب”.

وثارة أخرى عن وجود إرادة فرض اندماج قسري.

وثارة عن وجود مؤامرة تَحَالَفَ فيها طرفان من خارج الحزب مع طرف داخله.

وثارة عن قيام تيار انفصالي انشقاقي يهدد وحدة الحزب.

وثارة عن خروج بعض المكاتب الجهوية في الحزب الموحد عن القوانين الحزبية.

وثارة عن وجود استهداف لخط الحزب، فوجب تحصينه.

وثارة عن حصول مَسِّ بسيادة الحزب ومؤسساته.

اعتبرت الرفيقة منيب أن قرارها –الذي باركه المكتب السياسي- كان عبارة عن نقطة نظام صحية سيسجلها التاريخ، جاءت لتحصين الحزب وخطه السياسي ودفاعاً عن استقلالية وسيادة الحزب، ولكنها انتهت في الأخير إلى القول، بعظمة لسانها، إن الرفاق الذين انتخبتهم المكاتب الجهوية والذين كانوا سيشاركون في اختيار مرشحي الفيدرالية على مستوى الدوائر التشريعية الجهوية، تلقوا تعليمات بالاعتراض على أسماء بعينها.

أَحْجَمَتْ، رفيقي، عن الإدلاء برأيك في موضوع الحدث الأبرز والأخطر، وهو سحب التوقيع، بل امتنعت حتى عن مجرد إثارة الموضوع، ومن السهل علينا أن نتفهم ذلك، فأنت، ربما، وجدت صعوبة في الدفاع عن القرار.
حكاية الرموت كونترول

ذكرت، في رسالتك، أن “الحزب الاشتراكي الموحد، اليوم، أكثر تماسكا ووحدوية” وربما يُفهم من كلامك أنك تعزو ذلك إلى تحرره ممن يمسكون الرموت كونترول، ويمارسون “سلطة توجيه الأتباع لكسب المعارك الذاتية أو تسييد المواقف الشخصية”.

إذا كان هذا الذي فَهِمْتُهُ من كلامك صحيحاً، فسيكون نعتك لصف الذين اختلفوا معك بـ “الأتباع” والخاضعين للتوجيه بالرموت كونترول، خالياً تماماً من اللياقة.

أنت رفيقي، على ما يظهر، تَقَبَّلْتَ قرار الأمينة العامة والمكتب السياسي، واعتبرته ربما قراراً للحزب، وهم نددوا به واعتبروه مخالفاً لنص المادة 120 من النظام الداخلي التي جاء فيها “يُتخذ قرار الانسحاب من التحالف الحزبي في دورة عادية أو استثنائية للمجلس الوطني”، فاعتبرتهم أتباعاً، فهل كان حزبنا يحتضن كل هذا العدد الضخم من الأتباع؟

وأنت تعلم أن ما قرره المؤتمر لا يُلغى إلا بقرار من المؤتمر، فما بالك إذا كان قرار المؤتمر قد أُلغِيَ بقرار من المكتب السياسي.

رفاقك الذين غادروا الحزب يُعَدُّون بالمئات، وكان عدد منهم، في السابق، موضع إشادة وتنويه من طرف أعضاء المكتب السياسي والأمينة العامة، وحظي بثقة المناضلين في المؤتمرات الوطنية والجهوية والجموع القطاعية، فمنهم من كان أميناً عاماً، ومنهم من كانوا نواباً للأمين العام والأمينة العامة، ومنهم من كانوا أعضاء في المكتب السياسي، ومنهم من كانوا أعضاء في المجلس الوطني وكتابا جهويين لجهات كبرى (5 جهات)، ومنهم من كانوا منسقين وطنيين لقطاعات حزبية أساسية (الصحة – التعليم)، ومنهم من كانوا أعضاء في لجنتي التحكيم والمراقبة المالية، ومنهم من كانوا أعضاء في لجنة الإعلام، وأبلوا البلاء الحسن لكن جرى تهميشهم ومعاقبتهم لاعتبارات لها –في نظرهم- علاقة بمعايير اشتغال اللجنة، وهل وظيفتها هي خدمة الحزب أم خدمة الشخص، وهل تنفتح أم لا تنفتح على مختلف الكفاءات الحزبية، وهل يحق وضع قائمة من الكفاءات المغضوب عليها والتي لا يجوز التعامل معها…إلخ.

لم تُحَدِّدْ، رفيقي، طبيعة “المعارك الذاتية” التي يسعى البعض، في نظرك، إلى كسبها، وطبيعة “المواقف الشخصية” التي يسعى هذا البعض إلى تسييدها، وأُذَكِّرُكَ، هنا، بأن الهدف الأساسي الذي كان الرفاق المستقيلون، قد حَدَّدُوه لأنفسهم – في حدود علمي- وأكدوا عليه في أرضية (اليسار الوحدوي) هو تسييد قرارات المؤتمر والالتزام بأرضيته؛ وبسبب ذلك تَمَّ اتهامهم بالانخراط في قراءة “أصولية وحرفية” للنصوص الواضحة، وباسم رفض هذه القراءة، أصبح يُطلب منهم، عملياً إهمال النصوص والوثائق المكتوبة الصادرة عن مؤسسة الحزب الأعلى، وهي المؤتمر، وتعطيل مفعولها، والعمل بما يمليه مزاج الرفاق الماسكين بزمام السلطة التنفيذية، في الحزب، وتحويلها إلى سلطة تقريرية، كما لو لم يكن هناك مؤتمر، وبالتالي ترسيم نوع من التبعية للأشخاص عوض الولاء للمؤسسات.

المؤتمر الوطني و”الأجل المنظور”

تقول، رفيقي، في رسالتك إن المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد، بعد النقاش العميق والساخن، انتهى إلى صياغة “الأجل المنظور” في تحديده للتوقيت المرتقب للاندماج.

وتأكيدك على ذلك، يعني، ربما، أنك تعتبر أن المؤتمر حرَّرَ قيادة الحزب من أي قيد زمني، فرفع شعار (الأجل المنظور) يفيد، كما فَهِمْتَهُ وفَهِمَهُ رفاق آخرون، أن الأمر يتعلق بأجل مفتوح، وبعبارة أخرى أن المؤتمر لم يحدد أي أجل، وسمح للقيادة بأن تفسره على هواها.

إن عبارة (الأفق المنظور) وردت في البيان العام الصادر عن المؤتمر، والبيان العام، كما هو معروف، يكثف التوجهات الكبرى للمؤتمر والتصورات التي أفرزها النقاش داخله، أما تحديد معنى (الأفق المنظور) بدقة فيقتضي في نظرنا، الرجوع إلى نص الأرضية السياسية التي صوتت عليها أغلبية المؤتمرين، والتي جاء فيها ما يلي “إننا نتصور أن العرض السياسي الجديد سيكون جاهزا قبل موعد الانتخابات المقبلة (انتخابات 2021)، ولذلك يتوجب علينا بذل كل المجهودات الضرورية الكفيلة بإنجاح هذه الخطوة”.

والبرنامج التعاقدي المقدم إلى الدورة الأولى للمجلس الوطني، الذي يُنتخب على أساسه المكتب السياسي، تَضَمَّنَ التزاماً واضحاً بإنجاز الاندماج خلال ولاية الأجهزة المنبثقة عن المؤتمر، فقد ورد في هذا البرنامج ما يلي: “سيتم خلال الفترة المقبلة الانكباب الجماعي والجدي على إنجاز المهمتين اللتين تشكلان أساس برنامجنا الحزبي للمرحلة المقبلة، وهما : أولاً- مهمة تحضير وتقديم عرض سياسي جديد (..) ثانياً- مهمة تحقيق مشروع الاندماج”.

إن “توحيد التصورات والإسراع بتوفير شروط الاندماج في الزمن المنظور” كما جاء في البرنامج التعاقدي، يعني، منطقياً، أن يتم الاندماج قبل الانتخابات، كما تَوَقَّعَتْ ذلك أرضية المؤتمر الرابع، أو على أبعد تقدير، قبل نهاية ولاية الأجهزة الوطنية ومدتها ثلاث سنوات.

وإذا كان لديك، رفيقي، تقدير آخر لمعنى (الزمن المنظور) فحبذا لو أدليت به وتفضلت باطلاع الأستاذ صلاح بوسريف على اجتهادك في هذا الباب، ألم يسبق لك أن تساءلت مع نفسك، مثلاً، عن المدة المحتملة لهذا الزمن “المنظور”؟ فالسياسي الحصيف مفروض فيه أن تكون لديه فكرة عن المدى الزمني المفترض لإنجاز المهام القريبة والمتوسطة المدى.

فبحسب تقديرك لنوع الخلافات القائمة بين الأحزاب الثلاثة ودرجة تعقيدها في نظرك، كم يكفي من الزمن للخروج باتفاقات حولها؟ يجب أن تكون لنا جميعاً فكرة مسبقة عن الزمن الذي ستتطلبه عملية “توفير الشروط” وهو طبعاً سيكون زمنا تقريبياً.

وإذا كان “المتسرعون”، يقدمون تصورهم للمدى الزمني الكافي في نظرهم لتحقيق الاندماج، فإن “غير المتسرعين” يعفون أنفسهم من خوض هذا التمرين، بينما العقلانية في العمل السياسي تقتضي عند تحديد بند في البرنامج الحزبي، متعلق باندماج مع حزب أو أحزاب أخرى، أن يُوضع غلاف زمني لإنجاز مثل هذه المهمة خاصة إذا كان الرأي العام قد أُحيط بها علماً، وأصبح له انتظار للمولود الجديد.

وكم سيكون جميلاً، رفيقي، لو كنت تَفَضَّلْتَ فأرشدتنا لنوع السلطة التي يتعين –في نظرك- أن يُخَوَّلَ إليها أمر تحديد الزمن المتطلب لتوفير “شروط الاندماج”، فهل ترى، مثلاً من الجائز أن يستقل جهاز تقريري، في حزب واحد من الأحزاب المفروض أنها مقبلة على الاندماج، بممارسة حق الحسم وحده في زمن الاندماج؟ والأدهى من ذلك، ألا يحدد التاريخ وأن يعتبر نفسه متحرراً من أي التزام إزاء الآخرين بهذا الشأن، وأن يطلب منهم الانتظار إلى ما شاء الله، حتى “تنضج الشروط”، وهو الذي يحدد، بدون مُعَقِّبٍ، هل نضجت أم لم تنضج، هل يأتلف هذا في تقديرك مع الالتزامات القائمة بين أطراف تواعدت على الاندماج؟

لقد بدأ المسلسل الذي يُفترض أن يفضي إلى الاندماج منذ 2007، وأخذ الأمر في البداية صيغة اتحاد أحزاب عادي باسم (تحالف الطليعة والمؤتمر والاشتراكي الموحد) ثم باسم (تحالف اليسار الديمقراطي)، ثم انتقلنا، في 2014، إلى صيغة جديدة هي الفيدرالية، وهي أكبر من التحالف وأقل من الاندماج، أو لِنَقُلْ هي اندماج جزئي، في انتظار اندماج كامل، تحت اسم (فيدرالية اليسار الديمقراطي).

مرور كل هذه المدة، دون أن “تنضج الشروط”، معناه، ربما، أن هناك مشكلاً طارئاً غَيَّرَ التصورات والتقديرات التي كانت للأحزاب في المنطلق. لكن، لماذا اقتصر هذا المشكل على قيادة حزب واحد دون الحزبين الآخرين؟
وهل بعد سبع سنين من العمل المشترك كاتحاد أحزاب وسبع سنوات أخرى من العمل كفيدرالية بدون أن يتحقق الاندماج، يمكن لنا هكذا، بكل بساطة أن نقول إن هناك إرادة للتسرع؟ هل نحن، حقاً، أمام تسرع أو أمام تأخر؟

يُتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *