وجهة نظر

التطرف الحضاري أو عندما تندفع السياسة صوب المجهول!

من المعروف أن حرية التعبير تقف عند حدود حرية الآخر، ومن تم، السخرية من مقدسات الناس، أو الرموز الدينية، يعد منبعا لتفريخ الجهل بعينيه.

إذ، أن حرية التعبير، ليست ولا ترتبط بالإهانة أوالضحك على الغير، والاستهزاء بمعتقدات الآخرين. فحرية التعبير أسمى من أن تكون مرتبطة بفعل أو جرم طائش، جاهل، مقابل رد فعل أعمق من الجهل نفسه. فالمسؤولية في نهاية المطاف في جميع المعتقدات والأديان السماوية أو الوضعية تبقى جاثمة في إطار المسؤولية الفردية لا الجماعية، فلا يمكن معاقبة أو التهجم على مقدس جماعة ما، بمجرد انحراف فرد ما عن طريق الصواب. فكل شخص كيفما كان، مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله، هذا هو العدل الحقيقي.

عدل ينادي به الفكر المتنور، فكر للأسف يقبر بالانفعالات وردود الانفعالات، التي تسيء للملايين من البشر.

يا عقل تعقل!

فما وقع ويقع في هذا العالم المترامي الأطراف، أعمق بكثير من قضايا عقدية كثيرة وعديدة، كالرسوم المسيئة لرمز من الرموز، او تدمير تماثيل او غير ذلك، فالأمر لا يرتبط بمواقف الجماعات أو الطوائف أو المبادئ العلمانية التي بنيت عليها بعض الأنظمة ، بل مرتبط بمدى التزام تلك الأنظمة بأفكار مشتركة تجمع الجميع في قالب اسمه المساواة والعدل والكرامة والايخاء بين الجميع، وهي مبادئ كان لها وقع كبير على مجمل شعوب العالم منذ القدم، وليست مرتبطة بفلسفة ما، لكن للأسف حولتها السياسة العسكرية التاريخية إلى فريضة خضوعية ، وذلك باتخاذ مبررات واهية لاحتلال الشعوب الضعيفة والمغلوبة على نفسها.

ولعل الموروث الاستعماري، وما خلفه من أخطاء مرتبطة ومقرونة أساسا بالجانب الإنساني، ستبقى تلاحق السياسات الاستعمارية التي وظفت مفاهيم حقوقية داخليا وخارجيا بهدف الهيمنة على أفكار الجميع ستبقى مرفوضة على مر التاريخ! كما أن السياسات المتبعة من قبل بعض القوى، حتى وإن كانت عادلة في بعض الحقوق والواجبات، لكن في نفس الوقت أغفلت صعود التطرف من جميع الجبهات، سواء كان ذاك التطرف المرتبط بالأصل أو العرق أو القومية أو اللغة أو الدين أوغير ذلك.

فسياسات الادماج التي لم تستطع اقناع الكل بتقبل الخلاف والاختلاف، وتعدد الآراء، والمواقف، واحترام كل المعتقدات، في الكثير من الدول التي صبغت شعوبها بأنانية التحضر المفترى عليه في الكثير من الأحيان! سياسة تبقى قاصرة وغير فعالة لرأب الصدع الذي تخلفه الأفكار المتطرفة، أفكار أمست تلقى رواجا كبيرا في فترات الأزمات الدورية، أو في حالة وجود فراغ على المستويين المادي والروحي للأفراد والجماعات على حد سواء.

ولعل الأغرب في الأمر، وبدون مبالغة، أو تجريح لأحد، هو كيف لمن هاجر لبلاد خارج الحدود، وآوته واعتبرته مواطنا كاملا، أن يتحول بقدرة وهم بائد إلى غول مرعب، لا يؤمن بثقافة مغايرة لثقافة البلد الذي يقيم فيه، متناسيا القوانين التي أصبحت سارية المفعول عليه، وعلى غيرة في بلاد تحترم التعدد والاختلاف داخلها نسبيا!

فالقتل بأسماء مختلفة، وبدريعة كيفما كانت هو إرهاب وإجرام في حق البشرية جمعاء، ولا يبرره إلى جهل الطغيان، الذي عليه أن تقتلع اديولوجيته من مختلف الثقافات.

نفس الشيء بالنسبة للإساءة للأديان، فحبذا لو اتجهت الأمم المتحدة لوضع ميثاق عالمي يجرم الإساءة للرموز الدينية أينما كانت وأينما وجدت.

فالحياة في هذه الأرض تحتاج للجميع، مادام الجميع سيدفن تحت الأرض مرة أخرى، وهكذا دواليك!

لذا، أعتقد من باب إنسانية الفضول! أن حرية التعبير المطلقة، قد تدفع العالم في يوم ما للمجهول القاتم، مجهول يصعب التنبؤ بمساراته المتشعبة، مجهول أضحى يهيمن عالم يتسم بقتامة متزايدة في كل شيء للأسف!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *