وجهة نظر

حكام الجزائر وعقدة الجار الغربي

تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية حافل بالأحداث التي تؤكد رسوخ عداء حكام الجزائر للمغرب. وما نعيشه اليوم ليس سوى تجليات عقدة “الجار الغربي” التي أصبحت أحد الميكانزيمات الرئيسية في “سيكولوجيا الجوار” التي تميز حكام الشقيقة الجزائر في تعاملهم مع المغرب. وهذه العقدة المستحكمة تجعل رؤيتهم للمستقبل لا تصفو إلا من خلال مغرب ضعيف منقسم ومتحارب.

ومقابل كل المواقف والقرارات التاريخية التي اتخذها المغرب دعما للشعب الجزائري ودولته، ومقابل سياسة جوار مثالية تجاه الأشقاء الجزائريين التي ما فتئ المغرب يلازمها ويلتزم بها، نجد دائما رد الجميل يتم بالمكائد والصدمات، إلى درجة أثارت انتباه المختصين والخبراء والمهتمين، والذين خصصوا جهودا لفهم سيكولجية الجوار الجزائري تجاه المغرب وبالتالي سلوكاته ضده.

ولعل أهم ما يستخلص من جهود هؤلاء هو أن حكام الجزائر، وخاصة منهم الذين يتخرجون من مدرسة الجيش ولوبياته السياسية والاقتصادية المختلفة، أصيبوا بـ”عقدة المغرب” وتوارثوها جيلا عن جيل حتى أصبحت من ثوابت السياسة الخاريجية لنظام الجنرالات تجاه المغرب، وبالتالي فهؤلاء الحكام لم ولن يقبلوا أبدا بمغرب موحد مستقر مزدهر ومتقدم.

إنه من المستحيل فهم تاريخ تعامل حكام الجزائر مع المغرب خارج منطق تلك العقدة. وما افتعال قضية الصحراء المغربية في أصلها وعبر تطورها سوى إحدى آليات تحقيق رؤية حكام الجزائر لمستقبل جارهم المغرب. كما لا يمكن استيعاب معنى الجريمة الإنسانية والحقوقية في حق أزيد من 350 ألف مغربي طردتهم الجزائر سنة 1975، دون أي اعتبار لا لحق الجوار، ولا لحقوق هؤلاء المواطنين الذي جردوا من كل ممتلكاتهم التي اكتسبوها بعرق جبينهم، ولا للمواثيق الدولية في هذا الشأن ولا لأي اعتبار كيفما كان… إلا في إطار سيكولوجية عدائية مستحكمة.

وما زلنا نتابع يوميا كيف يستمر حكام الجزائر في التنفيس عن مكبوتاتهم الاستئصالية تجاه المغرب عبر التفنن في استفزازه والتحرش به، ليس فقط في الاستمرار في عرقلة جهود المنتظم الدولي لحل ملف الصحراء المغربية، ولكن باستثمار أية فرصة متاحة لتحقيق نزواتهم العدائية.

وقد رأينا جهود حكام الجزائر في تمويل شبكات إعلامية تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الإشاعات والأخبار الزائفة التي تهدف كلها إلى ضرب استقرار المغرب وإفساد جهوده التنموية، ومحاولة التلاعب بالرأي العام المغربي، ببث نفس كون المغرب على عتبة الانهيار، وأنه على أبواب حرب مع صنيعة جنرالات الجزائر من الانفصاليين. ورأينا كيف قابل حكام الجزائر المبادرة الملكية للحوار وطي صفحة الماضي والتعاون من أجل مستقبل زاهر للشعبين، بردود غير مؤدبة تشهر العداء. وكيف قابلوا مبادرة المغرب لمساعدة الشعب الجزائري في إخماد النيران التي أتت على آلاف الهكتارات من الغابات ومئات المنازل في شهر غشت الماضي، وكان الرد الجزائري هو اتهام المغرب بمسؤوليته عن اشتعال تلك النيران! وقبلها رأينا محاولة تفسير فشل النظام الجزائري في حل مشكلة منطقة القبايل باتهام المغرب بتمويل ودعم الانفصاليين فيها، رغم أن الموقف المغرب من الوحدة الترابية والوطنية للجزائر ثابت لم يتغير أبدا. ولا يتسع المجال لتتبع العشرات من حماقات حكام الجزائر تجاه حسن الجوار المغربي.

واليوم تستمر سياسة “عقدة المغرب” في حصد الفشل الذريع، بانفضاح مؤامرة اتهام المغرب بقتل ثلاثة مواطنين جزائريين في ادعاء قصف استهدف شاحنات تقوم برحلات بين موريتانيا والجزائر كانت في الواقع ضحية لغم أرضي من الألغام التي زرعها انفصاليو الجزائر أنفسهم سابقا. حيث سارعت الرئاسة الجزائرية إلى اتهام المغرب بل والتهديد بأن الحدث المزعوم لن يمر دون عقاب! ورغم أن الجيش الموريتاني نفى في بيان وقوع أي هجوم على الأراضي الموريتانية، إلا أن حكام الجزائر يصرون على تصديق روايتهم، ويسخرون لتعزيزيها آلة ضخمة من مرتزقة الإعلام. في محاولة لتعبئة الرأي العام الجزائري ضد المغرب، ومحاولة توظيف سياسة “إشعال الجبهة الخارجية” للتهرب من مواجهة تفاقم أزمة الثقة في المؤسسات، والازمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

لقد فوت استحكام “عقدة الجار الغربي” في عقلية حكام الجزائر على شعوب المنطقة، وعلى الشعب الجزائري بالخصوص، فرصا لا تعوض في مجال التنمية المشتركة طيلة أزيد من أربعة عقود، ولقد أصبح من المؤكد أن تحرير نظام الجزائر من تلك العقدة من المداخل الحيوية لبناء جوار صحي، وتمكين الشعب الجزائري من ترشيد جهود بلاده نحو تنميتها، واستثمار فرص التعاون المثمر مع شقيقه المغربي.

وإذا حكمت الأقدار على المغرب بأن يحكم الجارة الشرقية جنرالات يتلذذون بحماقات “عقدة الجار الغربي” في قطع كل يد مغربية مدودة، فالمغرب لا خيار له في الاستمرار في الالتزام بثوابت سياسته في حسن الجوار وسياسة اليد المدودة، والشعب الجزائري أوفى بالعهود، وأكبر من أن يستمر في أداء ضريبة تحَكم مرضى تلك العقدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *