وجهة نظر

التوجيهات الملكية وغياب تفاعل الحكومة معها

كلما حان موعد تقديم مشروع قانون المالية، تجتهد الإدارات و الوزارات في تدببج تقاريرها بفقرات من الخطابات الملكية. و يلاحظ أي متتبع للتقارير الكثيرة و المهمة لمشروع قانون المالية أن كل قطاع أو سياسية قطاعية أو حكومية تحاول أن تضع خطاب ملك البلاد على رأس توجهاتها. و هذا التوجه يستمر منذ سنوات و في كل المجالات دون إعمال العقل و الفعل في العمل على التنفيذ السليم لتلك التوجهات . حين يتكلم عاهل البلاد عن سياسة عامة أو عن برنامج استثماري عام فإنه يريد أولا و أخيرا أن يدفع بالفاعلية إلى الأمام و أن يرى ترجمة حقيقية على أرض الواقع لما تم تقديمه إليه كأهداف و آثار إقتصادية و إجتماعية. لكل ما سلف، يجب أن لا يتم إستغلال التوجيهات الملكية من طرف الكسالى الذين لا يصلون إلى الأهداف التي رصدت لها ميزانيات من أجل الوصول إلى مستويات عليا اقتصاديا و واجتماعيا.

الخطاب الملكي حافز و موجه يجب أن يشكل قوة دفع في مجال الإنجاز وأن لا يختبئ وراءه باحثون عن منصب و مأرب أخرى.

و إذا قرأنا بشيء من التفصيل ما ورد في تقارير مشروع قانون المالية لسنة 2022 ،سنرى أننا أمام وثائق جديدة قديمة سبق أن تمت كتابتها منذ زمان. سوف نواصل، بدون تقييم ما سبق ، متابعة ميثاق الإقلاع الإقتصادي و سوف ندعم آليات تشجيع المقاولة و الإستثمار الخاص. و سوف نضع سياسة مندمجة في مجال التكوين المهني لتقوية الكفاءات مع الإستمرار في المجهود الإستثماري العمومي في مجال المياه و اليقين و المشاريع الكبرى للبنية التحتية و مصاحبة كافة السياسات القطاعية. و هكذا نستمر في إنتظار الجديد و ربما المعجزة لتغيير آليات خلق الثروة تلك التي يمكن أن تخفف من النقص الكبير الذي يعتري الخدمات التعليمية والصحية و سوق الشغل.

كم تمنينا أن يتميز العرض الحكومي بشيء من الإبتكار في مجالات خلق الثروات عبر محاربة إقتصاد الريع الذي يضعف آمال كل مستثمر جاد و مؤمن بضرورة الإسهام في تقدم بلاده. الحكومة تخاف من مواجهة أصحاب المصالح و لم تشهر في وجههم ما ورد في تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي و في التوجيهات الملكية.

المهمة صعبة ولا يمكن أن يتولاها من لا يؤمنون بالالتزام السياسي. قضايا الوطن و استقراره لا يجب أن توضع في يد من يتوقف فهمه عند سلطة اكتسبها في تعامله البيروقراطي مع ملفات . الإصلاحات الكبرى الموعود بها كانت في قلب حملات انتخابية و لن تنساها فءات إجتماعية كبيرة. مهما كانت الإجراءات المالية التي قد تبرمج في سنة 2022 ،، فإن انتظارات من صدقوا الوعود ستشكل انتظارات ستعبر عنها حركات إجتماعية. و لا يمكن لإنسان عادي أن لا يقرأ مظاهرات “الجواز الصحي ” دون ربطها بارتفاع الأسعار و دون إعطاء إشارات قوية لمن يعتقدون أن صناديق إقتراع 8 شتنبر قد تحد من مخاطر إيقاف الحوار الإجتماعي المتشعب و الخطير. و للتذكير فإن آليات هذا الحوار تشمل أشكالا جديدة لا تعترف، في الغالب ، بتمثيلية النقابات. هنا وجب إستثمار الذكاء السياسي المعادي للبيروقراطية و هفوات التقنوقراط للحفاظ على الوطن . لن ينتظر شعب خمس سنوات للتعبير عن سخطه عن أداء من وعدوه بالكثير. الزمن الإنتخابي لن يسعفه الزمن الإجتماعي. و إن غدا لناظره لقريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *