وجهة نظر

نظام برأس مقلوب

جميع الأنظمة التي تحكم دول العالم تتوفر على رأس مدبر يقوم بتحديد الاستراتيجيات والسياسات التي تخدم مصالح شعوبها. هذا الرأس يعمل بطبيعة الحال على تحقيق الرفاه لشعبه داخليا والدفاع عن مصالح دولته خارجيا. لكن النظام الجزائري يحكمه رأس يشتغل بشكل مقلوب عما هو حال باقي رؤوس الأنظمة التي تُسَير دول العالم. ربما كون النظام الجزائري يهيمن عليه جنرالات العسكر هو ما جعله يتخذ قرارات مقلوبة وتسير في اتجاه معكوس للطريق والخيارات التي يسير نحوها العالم، وهو ما نلاحظه على جميع المستويات:

– دول العالم تسير نحو التكتلات للدفاع عن مصالحها وتقوية موقعها التفاوضي مع الآخر، والنظام الجزائري يعمل كل ما في وسعه لإفشال وحدة الدول المغاربية، ويُغَلِّب جانب الخصومة والصراع على جانب التفاهم والوفاق. وحتى حين لا يجد سببا لخلق الصراع، يختلق أحداثا مع جيرانه لكي لا تعرف المنطقة الاستقرار الضروري لكل مشاريع البناء والتنمية. هذه الطبيعة في التعامل لن تكون إلا من خصائص نظام برأس مقلوب مليء بالحقد والخبث.

– الدول التي تطمح لتحقيق الطفرة التنموية والاقلاع الاقتصادي والرفاه لشعوبها، تعمل كل شيء من أجل تثبيت حسن الجوار مع جميع الجيران الذين يقفون على حدودها. وعلى عكس الدول التي تؤمن بأن طريق التنمية يمر عبر حسن الجوار مع الجيران، نجد الرأس المقلوب للنظام الجزائري يبحث عن الكيفية التي يخلق بها التوترات مع جيرانه وعلى رأسهم المملكة المغربية التي ظلت تمد يدها للشقيقة الجزائر من أجل علاقات في مستوى التاريخ الذي يجمع البلدين الجارين.

– دول العالم تعمل جاهدة من أجل خلق التكامل الاقتصادي مع دول الجوار وإقامة استراتيجية محلية لمواجهة المنافسة الدولية، وعلى عكس هذا التوجه، نجد رأس النظام الجزائري يشتغل بالمقلوب ويقطع الحدود مع الجيران، ويغلق أمامهم أجوائه الجوية ولا يدخر جهدا لقطع التعاون مع الجيران ولو كلفه الأمر ضريبة اقتصادية مكلفة لاقتصاد هو في الأصل هش وضعيف. يجب أن يكون رأس النظام متجدر في الخبث والحماقة لكي يضحي بمصلحة شعبه ومواطنيه من أجل خلق صراعات واهية وعقيمة مع جيرانه.

– لقد أخذ العالم العبرة من الحروب التي شهدتها معظم الدول في القرن الماضي والتي كانت كلفتها على الشعوب وعلى الدول جد باهظة. فأدركت هذه الدول أن تغليب لغة الحوار والتفاهم هو السبيل الأمثل لصيانة ثروات شعوبها واستثمارها من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي وبناء نموذج تنموي متطور ومستدام. أما الحروب فنتيجتها الدمار لاقتصاد الدولتين المتحاربتين والكل خاسر في نهاية المطاف. على عكس هذا التوجه للدول التي تفكر في مستقبل شعوبها، نجد النظام الجزائري يشحن الإعلام العمومي بلغة الحروب التي تكرهها الشعوب. وكأن رأس هذا النظام لا يعرف إلا ثقافة السلاح والقتل والحروب، بدل الثقافة السائدة في دول العالم والقائمة على أساس البرامج التنموية ومشاريع المحافظة على البيئة وتدعيم الاقتصاد الوطني ليكون قويا تستمد منه الدولة قوتها لتدعيم موقعها أمام باقي دول العالم، وقادرا على تلبية مطالب مواطنيه في الشغل والدخل القار الذي يحفظ كرامته.

أصدر مؤخرا رأس النظام الجزائري بيانا يتهم فيه المغرب باستهداف شاحنتين جزائريتين زاعما أنهما كانتا تسيران في الطريق التجارية الرابطة بين منطقة ورغلة الجزائرية وموريتانيا، علما أن الكل يعرف أنها طريق غير عملية وغير آمنة ولا يمكنها أن تكون بديلا للطريق التجارية التي تربط المغرب مع موريتانيا عبر معبر الكركرات. لكن الفضيحة هو تلك الصور التي عرضها الإعلام الجزائري للشاحنتين في منطقة صحراوية لا نرى فيها معالم أي طريق بالمفهوم الذي يُجمع عليه العالم. إننا لسنا أمام نظام برأس مقلوب، وإنما نحن أمام رأس مقلوب لا يعرف كيف يفكر ولا يقرأ الأحداث بشكل جيد، لأن الصور التي يعرضها النظام الجزائري في إعلامه تؤكد رواية المغرب بأن الشاحنتين كانتا تتواجدان في المنطقة العازلة والخطيرة بتواجد الألغام. وفي المقابل ردت المملكة المغربية على بيان النظام الجزائري بالقول “إذا كانت الجزائر تريد الحرب فإن المغرب لا يريدها” ولن ينجر المغرب لأي استفزازات. وجاء في الرد المغربي كذلك أن “المغرب لم ولن يستهدف أي مواطن جزائري مهما كانت الظروف والاستفزازات”. 

بهذا الرد المغربي، يزيد يقيننا بأننا أمام نظام جزائري برأس مقلوب وتفكير شاد عما تشهده الدول التي تشتغل من أجل تنمية بلدانها وخدمة مصالح شعوبها وتحقيق الرفاه لمواطنيها.    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *