وجهة نظر

المغرب والجزائر في ربع نهائي كأس العرب.. مواجهة رياضية تحمل رسائل سياسية

بعد نهاية الدور الأول من منافسات كأس العرب، ستشهد مباريات الربع مواجهة من نوع خاص تجمع المنتخب المغربي بنظيره الجزائري. إذا كانت هذه المباراة تندرج في إطار منافسة رياضية تجعل منها مواجهة عادية، يبحث فيها أنصار كل فريق لحظة من المتعة والحماس في تشجيع فريقهم مع علمهم المسبق أنها مواجهة رياضية تنتهي بالضرورة برابح وخاسر، فلماذا توصف بأنها مباراة من نوع خاص؟ ولماذا نجد بعض المعلقين الرياضيين يدْعون جماهير البلدين الشقيقين لتفادي الفتنة؟ ولماذا نجد الكثير من الأقلام على الصعيد العربي تُذكر مشجعي الفريقين بالروابط التي تجمع الشعبين كاللغة والتاريخ والدين والجوار والثقافة والنسب والتقاليد….؟

الجواب على هذه الأسئلة مرتبط بما شهدته العلاقات المغربية الجزائرية من توترات بلغت مستوى قطع علاقات الجزائر مع المغرب من جانب واحد، وإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي الجزائري على جميع المغاربة. لكن هذه التوترات موقعها هو المحافل السياسية وليس التظاهرات الرياضية التي يجب أن تحافظ على أهدافها المتمثلة في المتعة الرياضية والحماس الرياضي ونشر ثقافة التفاهم والتعاون وقبول الاختلاف في إطار الاحترام المتبادل. لكن إرهاصات مباراة سابقة بين المنتخب الجزائري والمنتخب المصري التي تحولت من مواجهة رياضية صرفة، لتصبح مواجهة بطعم سياسي مبالغ فيه، تدخلت فيها النخب السياسية من كلا البلدين، ونفخ فيها الإعلام حتى كادت أن تصبح هذه المباراة الرياضية سببا في أزمة سياسية بين الجزائر ومصر. هذه الإرهاصات هي التي شكلت سابقة جعلت العديد من المتتبعين الرياضيين يستحضرون تلك الأحداث، وبالتالي يتخوفون من تكرارها في المواجهة المقبلة بين المغرب والجزائر.

إذا كان منطق العلاقات السياسية يعتبر أن ما تشهده العلاقات المغربية الجزائرية من توترات هو واقع شاد وغير طبيعي، بل أكثر من ذلك هو يسير عكس سنن التاريخ، فإن مباراة المغرب والجزائر يجب أن يحرص الفريقان مع مشجعيهم على أن لا تخرج المنافسة عن دائرتها الرياضية، وتظل في إطار الروح الرياضية التي تحكم عادة جميع المنافسات سواء القارية أو الدولية. والأكثر من ذلك، يجب على الجميع سواء في الجزائر أو المغرب، العمل على جعل هذه المنافسة، مناسبة لتأكيد العلاقات المتميزة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، وأنهم غير راضين عن القرارات التي تسببت في إغلاق الحدود البرية والأجواء الجوية وقطع العلاقات. يجب كذلك أن يرسل الشعب المغربي والشعب الجزائري رسائل إلى أنظمتهم ونخبهم السياسية التي تتراشق فيما بينها، وإلى بعض الفقهاء والعلماء الذين عوض أن يكونوا دعاة تصالح وتقارب بين الشعبين، وصوتا رافضا لتعقيد التوترات وقطع العلاقات وإغلاق الحدود، نجدهم يصبون الزيت على النار ويؤولون النصوص الدينية حسب أهواء حكامهم.

ستقام مباراة المغرب والجزائر في “دوحة العرب” كما قال أمير دولة قطر في حفل افتتاح هذه التظاهرة الرياضية العربية بامتياز. وهو تعبير ينطوي على دلالات كثيرة، ويحمل معاني حسن الجوار والتعاون المشترك والعلاقات الجيدة، والعمل الجاد لتجاوز مخلفات الماضي والنظر للمستقبل بعين التفاؤل وليس بنظرات العدوان والصراع. كما أن هذه المباراة تقام في دولة تعرضت لمقاطعة جيرانها ومحاصرة أشقائها العرب، ثم تبين للجميع أنه قرار خاطئ يصب عكس مجرى التاريخ، فتم استدراك الأمر بتحكيم العقل وتغليب الحكمة. ولو لا هذا الاستدراك، لكنا أمام كأس العرب بنصف العرب، وربما كان من المستحيل تنظيم هذه التظاهرة الرياضية.

ما دامت مباراة المنتخبين الشقيقين العربيين المغاربيين تتم في أرض قطر التي تجاوزت محنتها مع مقاطعة جيرانها، فمن المنطقي أن يعمل الفريقان مع مشجعيهم على بعث رسالة التاريخ بأن المغرب والجزائر ليس أمامهم سوى الطريق الذي سلكته دول مجلس التعاون الخليجي بمعالجة الأخطاء بعد فترة قصيرة من التوترات والحصار وقطع العلاقات. عنوان المباراة يجب أن يحمل صوت العقل الغائب في العلاقات بين البلدين الجارين، وأن يكون دعوةً لرفض قرارات الإغلاق وقطع العلاقات. مباراة يجب أن تعكس واقع حال الشعبين الذي يقول إن المغربي والجزائري لن تُفسد علاقاتهم قرارات سياسية مخالفة لمنطق التاريخ الذي يجمع بينهم.

المباراة المغاربية يجب أن تحمل كذلك رسالة العودة للحكمة ولصوت العقل، كما هو حال دولة قطر المستضيفة لهذه المباراة، والتي تعرضت لحصار غير مسبوق وتم الرجوع لمنطق التاريخ فشهدنا “دوحة العرب” ترحب بالعرب في رسالة تحمل التعاون العربي والتقارب العربي ونبذ الصراع العربي.

إذا تمكنت مباراة المغرب والجزائر من تبليغ هذه الرسائل الرافضة للقطيعة وإغلاق الحدود والأجواء وتعميق التوترات، فسنكون أمام مباراة رياضية حكيمة بامتياز. وسيصفق الجميع للمنتصر سواء كان المغرب أو الجزائر. وستكون النتيجة فرصة للتقارب ورفض القرارات السياسية الفوقية، وليس سببا في تعميق الخلافات وصب المزيد من الزيت على نار الصراع.

فهل تكون “دوحة العرب” نبراسا تسير عليه العلاقات الجزائرية المغربية، لتجاوز الخلافات كما فعلت دول الخليج مع دولة قطر؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *