وجهة نظر

الشباب والعزوف عن الزواج

ظهرت في الأيام القليلة الماضية أرقام إحصائية حول عزوف الشباب عن الزواج، وهو ما يفيد تقدما جيدا أن يتم توضيح ظاهرة ما بلغة الأرقام وبحسابات رسمية بعيدا عن الارتجالية والسطحية.

كلمة عزوف تعني عدم وجود رغبة وهذا ما يحتاج إيجاد الأسباب من وجهة نظر سوسيولوجية فما أسباب عزوف الشباب عن الزواج؟ وما أثره على المجتمع المغربي؟
يستطيع القارئُ لأحوال المجتمع أن يرصدَ حالةً مِن عُزُوف الشباب عنِ الزواج؛ إمَّا لأسباب اقتصاديَّة، لضعف الوازع الدِّيني، لأسباب مجتَمَعيَّة ، أو لكثرة تكاليف ونفقات الزواج، التي لا يستطيع الوفاءَ بها الشَّبابُ حديثو التخرُّج؛ مما يُهَدِّد المجتمَعات العربية وغيرها بخَطَر الانحراف القيمي والأخلاقي حسب مجتمع تغيب فيه قوانين تبيح المساكنة والعلاقات خارج إطار الزواج ، وقد كشفت الوثيقة أنه على الرغم من أن الشباب المغاربة يهتمون بفكرة تكوين أسرة إلا أنه على مستوى الأرقام تم رصد عزوفهم عن الزواج إذ انتقل من 42% سنة 2011 إلى 70% سنة 2019.
لقد أصبح الشباب ينتظر أكثر فأكثر الدراسة، وإيجاد عمل قار ومسكن، قبل التفكير في الزواج الذي يمثل علامة من علامات الامتثالية الاجتماعية، ومن خلال دراسة ميدانية كشفت الأرقام أن نسبة النساء البالغة 57.6% تفوق نظيرتها عند الرجال التي تصل إلى 34.1% فقط. كما تبين أن 62.3% من الشباب المستجوب ترى في الاستقرار وتكوين أسرة أسبابا مشجعة، بينما ربطها 34.1% منهم بالواجب الديني.

من جانب اخر تؤكد الباحثة في علم الاجتماع “هادية بهلول” في كتابها; اختيار الزواج; بأن بنية الزواج لم تتزعزع ولكن تطورت حيثياته وأعرافه ومقاييسه مع تطور الوعي وتطور نمط العلاقة بين الرجل والمرأة. غير ان هناك اتجاه لم يتبدل قط ويبدو أنه قاسما مشتركا للبشرية جمعاء هو ان الرجل غالبا ما يكون المبادر بطلب يد المرأة.

وفي هذا السياق، انطلاقا من الاستبيان الذي اعتمدته الباحثة هادية بهلول -في إطار مقارنة معايير اختيار الزوجة بين الأمس واليوم -إن المحافظة والتدين أصبحا يشكلان مقياسين مهمين في عملية اختيار الخطيبة المناسبة وأرجعت الباحثة ذلك الى دواع خارجية منها التأثر بالإعلام الفضائي الديني – بوجه خاص –.

ففي السبعينيات كان الشباب يميلون الى الفتاة المتحررة والمتفتحة والتي تواكب عصرها في الموضة و في التفكير دون شطط و مبالغة و كان الجانب المظهري للتدين خافيا فيما ظلت القيم في جوهرها قيما محافظة اما الان فان هناك عنصرا جديدا قد اقتحم المجال الاجتماعي والبصري وهو ظهور المرأة المتحجبة فهناك نسبة مهمة تقترب من 25 بالمئة اكدوا على تفضيلهم المحجبة على غيرها و هو ما يؤشر على ان التدين العام اصبح سمة بارزة لا تخطئها العين المجردة و إن كان هذا التدين مظهري يشتغل على الرموز والأيقونات (الحجاب، النقاب، إطالة اللباس او اللباس الفضفاض، الجدية المفرطة في الفضاء العام) أكثر مما يشي بمحافظة حقيقية. وهذا المقياس الظاهري طارئ وحادث على البنية الاجتماعية لمجتمع موسوم بالاعتدال.

كما سبق الذكر فإن العزوف عن الزواج ناتج عن أسباب اقتصادية، اجتماعية، قانونية ونفسية وكلنا يعرف المثل المغربي القائل:” زواج ليلة تدبيرو عام”، لذلك أكد بعض علماء الاجتماع أن هناك الواقع هو تأخير وليس عزوف، بسبب تفكير الشباب في المستقبل وقلة فرص العمل. وأكد بعضهم ان العلاقات الجنسية التي اصبحت متاحة بكثرة في جميع الظروف والأماكن تساهم بشكل كبير في فكرة العزوف لأنه في المقابل تكاليف الزواج اصبحت باهضة ومكلفة.

وكذلك المسطرة الصعبة الخاصة بالطلاق جعلت اتخاذ قرار الارتباط يتطلب تفكيرا عميقا. إذ بسبب نصوص مدونة الأسرة أصبح الطلاق صعب على الرجال سهل على النساء والنتيجة أصبح أغلب المغاربة يفضلون العزوف عن الزواج والعيش مع امرأة خليلة في إطار علاقة غير شرعية

إن ما استقرأناه من آراء عدد كبير من شابات وشباب من مختلف المدن المغربية أن المشكل هناك من يربطه بالبطالة، وهناك من يرجعه لكثرة الخيانة الزوجية، وهناك من يشتكي من غلاء المهور وتكاليف الزواج. حتى أن أغلبهم أضاف سببا اخر يتمثل في سوء النية لكلا الطرفين، فالشباب مثلا يفضلون الزواج من فتاة او سيدة تشتغل او مالكة لعقارات مثلا، في حين أن الشابات أغلبهن يتزوجن لقضاء مدة قصيرة فقط من أجل الحمل او لحاجة في نفسهن ثم تلتجئن إلى المحكمة للمطالبة بطلاق الشقاق.

ختاما العزوف عن الزواج في الغالب يعود لأسباب مادية أكثر من رجوعه إلى ما هو ايديولوجي. ذلك أن الشباب لم يعد بوسعهم توفير تكاليف الزواج في ظل ارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة وارتفاع المهور، إضافة إلى عوامل محددة تقف وراء تأخر الزواج من منظور علم الاجتماع كالتغيرات المتسارعة التي يمر بها المجتمع نحو التغريب والقيم المبثوثة بقوة عبر ثورة الاتصالات مرورا بحرية السوق والخوصصة ووصولا إلى تسيد القيم الفردية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ابو محمد العبدي
    منذ سنتين

    أرجو أن تنتبه الأختالكاتبة الى خبر أصبح فيما يلي: وكذلك المسطرة الصعبة الخاصة بالطلاق جعلت اتخاذ قرار الارتباط يتطلب تفكيرا عميقا. إذ بسبب نصوص مدونة الأسرة أصبح الطلاق صعبا (بدل صعب) على الرجال سهلا (بدل سهل) على النساء والنتيجة أصبح أغلب المغاربة يفضلون العزوف عن الزواج والعيش مع امرأة خليلة في إطار علاقة غير شرعية :