وجهة نظر

الإمكانات التنموية بالمنطقة المغاربية ورهان التنمية (1)

المنطقة المغاربية أو المغرب الكبير، مجال جغرافي يتكون من خمسة دول هي المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية والجمهورية الموريتانية والجمهورية التونسية والجمهورية الليبية. تمتد المنطقة على مساحة تقدّر بأزيد من  5مليون و 700ألف كلم مربع، يحدها البحر الأبيض المتوسط شمالا، ومنطقة دول جنوب الصحراء جنوبا، والمحيط الأطلنتي غربا، ومصر والسودان شرقا.

تتوفر المنطقة المغاربية على العديد من المؤهلات الطبيعية والبشرية والاقتصادية والثقافية والدينية، تشكل خلفية أساسية لتشكيل تكثل اقتصادي وسياسي يمتلك القدرة الكبيرة على التاثير والمساهمة في صناعة القرار السياسي العالمي.

مساهمة في إيجاد المشترك في إطار العمل على اشتشراف مستقبل مشرق ومزدهر؛ تحاول هذه المقالة رصد أهم هذه المقومات وفق سردية وصفية تتخللها بعض الملاحظات والتساؤولات.

تعد المقومات البشرية أحد أبرز المؤهلات التي تشكل رافدا تنمويا بالمنطقة المغاربية، حيث تتجاوز ساكنة المغرب الكبير مجتمعة 100 مليون نسمة، تهيمن عليها الفئة الشابة وفئة الأطفال بأزيد من60%، فالمغرب على سبيل المثال، يقترب من 36 مليون ونصف المليون نسمة حسب أخر تحديث للمندوبية السامية للتخطيط ، أما في تونس،  فتعداد الساكنة يقترب من 12 مليون نسمة، وفي الجزائر يقترب العدد من 44 مليون نسمة في حين يتجاوز العدد 6 مليون نسمة و4 مليون نسمة في كل من ليبيا وموريتانيا على التوالي.

هذه الأرقام،  تبرز تمتع المنطقة بأهم المدخرات لتحقيق الإقلاع التنموي الذي يشكل فيه العامل البشري منطلقا حاسما، كما هو الشأن بالنسبة للدول الرائدة تنمويا. كحالة اليابان التي انطلقت خلال مرحلة “الميجي” من تصور استراتجي يقوم على الاستثمار في العامل البشري، عبر التنويع المجالي والجغرافي لمصادر المعرفة، مع توسيع هامش الحريات. تحقق ذلك في ظرفية داخلية وخارجية صعبة جدّا قياسا بما هو متوفر لدول المنطقة المغاربية حاليا.

من الروافد التنموية أيضا بالمنطقة المغاربية، امتدادها الجغرافي المتصل، مما يوفر إمكانات المواصلات البرية التي لها دور حيوي في تنقل الأشخاص والبضائع، هذا الإمكان الطبيعي، يخوّل لدول المنطقة المغاربية إقامة مشاريع الطرق البرية بمختلف أنواعها (الطرق المعبّدة والسكك) بتكلفة تعدّ الأقل في جميع مناطق المعمور، قياسا لعائدتها الاقتصادية والاجتماعية، وقياسا لإمكانات تقاسم التكلفة بين الدول المغاربية الخمسة، وإمكانات المساهمة من طرف التكثلات الاقليمية التي ستستفيد بدورها من مثل هكذا مشاريع؛ كالاتحاد الأوربي وتكثل الساحل والصحراء.

قد يقال، أن هذه السردية معروفة، بل أنها تعد من الفرضيات التي قامت عليها فكرة تأسيس “المغرب العربي” سنة  1989م، لكن، لما تغيب المؤشرات التي تشير إلى اقتراب تنزيل هذه التصورات على أرض الواقع، بل لما تهيمن المؤشرات التي تدل على وجود مقاربات تروم وأد هذا الحلم من مهده، تكون مهمة الباحث، إعادة سرد هذه الإمكانات همسا وتصريحا للمساهمة في جعل حلم الشعوب قائما ولو تأجل إلى حين.

حلم استغلال الإمكان الجغرافي لدول المنطقة المغاربية، يكون أكثر واقعيا لما نرى تجارب ناجحة في ظل ظروف صعبة جدا،  قياسا بما هو عليه الأمر بالنسبة للمنطقة المغاربية، ونسوق في هذا الصدد، التجربة الأوربية من خلال “نفق المانش” بين فرنسا وإنجلترا المفصولتين بحاجز طبيعي ( بحر المانش)، وهو خط سككي تحت بحري على طول 31.4 ميل بحري تم الإنتهاء من تشييده سنة 1993م، الأمر الذي يسّر تنقل الأشخاص والبضائع بين ابريطانيا العظمى وكل دول الاتحاد الأوربي عبر خط لندن باريس، ونسوق أيضا، التجربة اليابانية من خلال نفق ” سيكان” وهو خط سككي تحت بحري بين جزيرتي “هونشو” و “هوكايدو” على طول أزيد من 50 كلم.

تتعزز الإمكانات السابقة، بالإمكانات الطبيعية، حيث تتوفر المنطقة المغاربية على مؤهلات متنوعة، فالمغرب يتوفر المغرب على  75%من الاحتياطي العالمي من الفوسفاط، هذا الاحتياطي سيغطي الحاجيات لحوالي 700 سنة قادمة، حسب تقديرات دراسة أمريكية أوردت مضامينها جريدة ” LE VERT” المتخصصة في البيئة والتنمية المستدامة، موازة مع تنوع الإمكانات الطاقية المتجددة كالطاقة الريحية والشمسية، إذ يعد المغرب من الدول الرائدة في إنتاجها لتوفره على أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم بمدينة ورزازات ( مشروع نور)،  أما الجزائر وليبيا  فتتوفران على مؤهلات أحفورية خاصة الغاز الطبيعي، الامر الذي أهلهما ليكونا عضوين مؤسسين في منظمة ” OPEC”. بينما تتوفر موريتانيا على احتياطات مهمة من الحديد؛ إذ تعد من اكبر الدول المنتجة، وتحتل الرتبة السادسة عشرة عالميا بإنتاج يتجاز  10 مليون طن سنويا.

لا تقتصر الإمكانات الطبيعية بالمنطقة المغاربية على المؤهلات الباطنية والطاقية، بل تتمتع بتنوع تضاريسي مهم، حيث الامتداد السهلي في أقصى شمال المنطقة، وتنوع مناخي كبير حيث المناخ المتوسطي والمحيطي والصحراوي… مما يوفر إمكانيات الانتاج الفلاحي والتسويق السياحي. من جانب أخر يمتد المغرب الكبير على سواحل يصل طولها إلى أكثر من 6.5 ألف كلم يوجد أكثر من نصفها بالمغرب بطول يصل إلى 3.5 ألف كلم. كل هذا يعني،  توفر أرضية مناسبة لتطوير القدرات السياحية ذات البعد الترفيهي، مع التحكم في جزء مهم من المبادلات التجارية البحرية العالمية التي يعد البحر الأبيض المتوسط شريانها الأساسي.

يتبين من خلال هذا السرد المقتضب للإمكانيات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة المغاربية، وجود بنية حقيقية لتحقيق إقلاع تنموي سيكون له قيمة مضافة كبيرة مؤثرة بشكل مباشر على ارتفاع الناتج الاجمالي الخام. فإذا كانت بعض الأقطار المغاربية تسير بخطى حثيثة في اتجاه تثمين هذه الإمكانات، فإن باقي دول المنطقة مدعوة للسير في نفس المنحى، علما أن هذا لن يتحقق إلا بإزالة العوائق، خاصة تلك المرتبطة بإشكالية الصحراء المفتعلة، عبر استغلال المؤهلات السياسية التي ستكون موضوع المقالة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *