من الذكر إلى دوائر القرار.. هكذا تمددت سلطة الزاوية البودشيشية

تُعد الزوايا الصوفية جزءًا لا يتجزأ من النسيج التاريخي والاجتماعي والديني للمغرب. لم تكن هذه المؤسسات مجرد فضاءات للعبادة والذكر، بل لعبت أدوارًا محورية في تشكيل الهوية الثقافية والسياسية للمملكة على مر العصور. فمنذ نشأتها، قدمت الزوايا ملاذًا روحيًا، ومراكز للتعليم، ومحاضن للفقراء والمحتاجين، بل وكانت في كثير من الأحيان قلاعًا للمقاومة ضد الغزاة الأجانب وسندًا للشعب في مواجهة تغول السلطة المركزية.
غير أن المشهد الصوفي في المغرب شهد تحولات عميقة في العصر الحديث، حيث انتقلت بعض الزوايا، وفي مقدمتها الزاوية البودشيشية، من التركيز الحصري على التربية الروحية والزهد إلى اكتساب نفوذ رمزي وسياسي واجتماعي واسع. هذا التحول أثار تساؤلات عديدة حول طبيعة هذه المؤسسات ودورها في المجتمع المعاصر، خاصة مع تزايد ارتباطها بالنخب السياسية والاقتصادية والأمنية.
تتناول هذه الدراسة الأكاديمية بالتحليل والتمحيص ظاهرة تحول الزاوية البودشيشية من مؤسسة ذات طابع روحاني بحت إلى كيان يمتلك سلطة رمزية ونفوذًا يتجاوز المجال الديني ليشمل الحقل السياسي والاجتماعي. تسعى الدراسة إلى الإجابة عن الإشكالية المحورية: كيف تحولت الزاوية البودشيشية من مؤسسة روحية تقليدية إلى كيان ذي سلطة رمزية ونفوذ واسع في المشهد المغربي المعاصر؟ وما هي العوامل التي أسهمت في هذا التحول؟ وما هي تداعياته على علاقة الزاوية بالدولة والمجتمع؟
لتحقيق أهدافها، تعتمد هذه الدراسة على منهج تحليلي مقارن، يستعرض الدور التاريخي للزوايا التقليدية في المغرب، ثم ينتقل إلى دراسة حالة الزاوية البودشيشية، محللاً نشأتها، تطورها، والتحولات البنيوية والفكرية التي طرأت عليها. كما تركز الدراسة على العلاقة الجدلية بين الزاوية البودشيشية والدولة المغربية، وكيف تم توظيف هذه العلاقة لخدمة مصالح متبادلة. تعتمد الدراسة على مصادر أكاديمية، ومقالات صحفية، ووثائق تاريخية لتقديم تحليل شامل ومتوازن لهذه الظاهرة المعقدة.
1. الزوايا التقليدية في المغرب: الدور التاريخي والاجتماعي والسياسي
تُمثل الزوايا جزءًا أصيلًا من تاريخ المغرب العريق، حيث نشأت وتطورت ككيانات دينية واجتماعية وسياسية مؤثرة منذ القرون الوسطى. لم تكن هذه المؤسسات مجرد أماكن للعبادة والذكر الصوفي، بل كانت بمثابة مراكز متعددة الوظائف، تلبي احتياجات المجتمع الروحية والتعليمية والاجتماعية، بل وتتدخل في الشؤون السياسية في أحيان كثيرة.
نشأة الزوايا ووظائفها الكلاسيكية:
ظهرت الزوايا في المغرب بعد القرن الخامس الهجري، وتحديداً في فترة ضعف السلطة المركزية، مما أتاح لها فرصة لملء الفراغ الذي خلفه هذا الضعف. كانت وظائفها الكلاسيكية تتسم بالتنوع والشمولية:
• التربية الروحية والذكر: كانت الوظيفة الأساسية للزوايا هي نشر التصوف وتعليم المريدين مبادئ السلوك الروحي، والزهد، والتقرب إلى الله من خلال الأذكار والأوراد الخاصة بكل طريقة. كانت هذه الفضاءات بمثابة مدارس لتهذيب النفوس وتزكيتها.
• التعليم ونشر العلم: لم تقتصر الزوايا على التعليم الديني فحسب، بل كانت مراكز لنشر العلوم الشرعية واللغوية، وحتى بعض العلوم الدنيوية. وقد خرّجت العديد من العلماء والفقهاء الذين أسهموا في إثراء الحياة الفكرية في المغرب. كانت الكتاتيب القرآنية ملحقة بالزوايا، وتوفر التعليم الأساسي للأطفال.
• الإغاثة والمساعدة الاجتماعية: لعبت الزوايا دورًا حيويًا في رعاية الفقراء والمساكين وعابري السبيل. كانت بمثابة ملاجئ ومطاعم تقدم الطعام والمأوى للمحتاجين، وتعمل على التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. كما كانت تتدخل في حل النزاعات والخلافات بين القبائل والأفراد، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي.
• المقاومة والجهاد: في فترات الاحتلال الأجنبي أو ضعف السلطة المركزية، تحولت بعض الزوايا إلى قلاع للمقاومة والجهاد ضد الغزاة. قاد شيوخ الزوايا حركات مقاومة مسلحة، وعبأوا القبائل للدفاع عن الأرض والدين، مستفيدين من نفوذهم الروحي وشبكة مريديهم الواسعة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الزاوية الدلائية والزاوية الوزانية ، التي كان لها دور بارز في مقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني.
علاقة الزوايا التقليدية بالمخزن (السلطة المركزية):
تراوحت علاقة الزوايا بالسلطة المركزية (المخزن) بين التعاون والمواجهة. في بعض الفترات، كانت الزوايا حليفًا قويًا للمخزن، تدعم شرعيته وتساعده في بسط نفوذه على المناطق النائية والقبائل. وفي المقابل، كان المخزن يقدم الدعم المادي والمعنوي للزوايا، ويعترف بمكانة شيوخها. إلا أن هذه العلاقة لم تكن دائمًا سلسة، ففي فترات أخرى، كانت الزوايا تمثل تحديًا لسلطة المخزن، خاصة عندما كانت تكتسب نفوذًا كبيرًا وتتحول إلى قوى سياسية مستقلة. وقد شهد التاريخ المغربي صراعات عديدة بين الزوايا والمخزن، انتهت في بعض الأحيان بانتصار أحد الطرفين أو بتسوية توازن القوى.
أمثلة على الزوايا التقليدية ودورها:
• الزاوية الدلائية: تُعد من أقوى الزوايا التي كان لها تأثير سياسي وعلمي كبير في المغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. قادت حركة مقاومة ضد الاحتلال، وأسست دولة مستقلة لفترة من الزمن، وكانت مركزًا علميًا وثقافيًا بارزًا.
• الزاوية الوزانية: لعبت دورًا مهمًا في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، وكانت لها علاقات قوية مع السلاطين العلويين. اشتهرت بدورها في الوساطة وحل النزاعات، وامتلكت نفوذًا روحيًا واجتماعيًا واسعًا.
لقد كانت الزوايا التقليدية، بفضل أدوارها المتعددة، ركيزة أساسية في بناء المجتمع المغربي والحفاظ على هويته، وكانت تمثل صوت الشعب في مواجهة الظلم، وملاذًا للضعفاء، ومحركًا للتغيير في أحيان كثيرة.
2. الزاوية البودشيشية: النشأة والتطور
تُعد الزاوية القادرية البودشيشية إحدى أبرز الطرق الصوفية في المغرب المعاصر، وقد اكتسبت شهرة واسعة وتأثيرًا كبيرًا في العقود الأخيرة. تعود جذور هذه الزاوية إلى القرن التاسع عشر، وتحديدًا إلى قرية مداغ بإقليم بركان شرق المغرب، في منطقة قبائل بني يزناسن. تنتسب الزاوية إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، مؤسس الطريقة القادرية، وهي من أقدم الطرق الصوفية وأكثرها انتشارًا في العالم الإسلامي.
لمحة تاريخية عن الزاوية البودشيشية (القرن التاسع عشر):
بدأت الزاوية البودشيشية مسيرتها كطريقة صوفية بسيطة تركز على السلوك الروحي والذكر، بعيدًا عن الأضواء والشهرة. اكتسبت الزاوية اسمها
من لقب “البودشيشية” نسبة إلى أحد شيوخها الأوائل، سيدي علي بن محمد، الذي كان يُعرف بإطعامه الناس “الدشيشة” (أكلة شعبية بسيطة) خلال فترات المجاعة، مما يعكس روح التكافل والعطاء التي ميزت الزاوية في بداياتها.
شيوخ الزاوية وأثرهم في تطورها:
توالى على مشيخة الزاوية البودشيشية عدد من الشيوخ الذين أسهموا في تطورها وانتشارها. من أبرز هؤلاء الشيوخ:
• الشيخ المختار القادري البودشيشي: اشتهر بمقاومته للاحتلال الفرنسي في بداية القرن العشرين، مما أكسب الزاوية احترامًا ومكانة في أوساط القبائل المغربية. وقد تعرضت الزاوية للتخريب والشيخ للاعتقال بسبب دوره في المقاومة.
• الشيخ العباس القادري البودشيشي: تولى المشيخة بعد وفاة الشيخ أبو مدين القادري البودشيشي عام 1955. في عهده، شهدت الطريقة انتشارًا ملحوظًا، وبدأ نجمها في الصعود.
• الشيخ حمزة القادري البودشيشي: تزعم الطريقة عام 1972 بعد وفاة والده الشيخ العباس. يُعتبر الشيخ حمزة من أبرز الشخصيات التي أسهمت في تحديث الزاوية وتوسيع نفوذها. عمل على تجديد الخطاب الصوفي بما يتناسب مع متطلبات العصر، وركز على التربية الروحية للمريدين، مع التأكيد على قيم التيسير والتحبيب بدلاً من التشديد والتنفير. في عهده، تحولت الزاوية إلى مركز جذب للعديد من المريدين من مختلف الطبقات الاجتماعية، بمن فيهم النخب والمثقفون.
الأسس الفكرية والتربوية للزاوية البودشيشية:
تعتمد الزاوية البودشيشية في منهجها التربوي على عدة أسس فكرية وروحية، أهمها:
• محورية الشيخ: تؤمن الطريقة بأهمية وجود شيخ مربي كامل، يكون بمثابة مرآة للمريد يرى فيها عيوب نفسه، ويوجهه نحو تزكية النفس والتقرب إلى الله. يعتبر الشيخ هو حلقة الوصل بين المريد والحقيقة الإلهية.
• الذكر والأوراد: يُعد الذكر من أهم الممارسات الروحية في الزاوية، حيث يلتزم المريدون بأوراد وأذكار خاصة، يعتقدون أنها مأذونة من الله ورسوله عبر سلسلة الشيوخ. هذه الأذكار تهدف إلى تطهير القلب وتزكية النفس.
• التحلي قبل التخلي: يركز منهج الزاوية على مبدأ “التحلي قبل التخلي”، أي تذوق حلاوة الإيمان والعبادة أولاً، مما يدفع المريد تلقائيًا إلى التخلي عن المعاصي والقبائح. هذا المنهج يهدف إلى جعل السلوك الروحي تجربة ذوقية ومعيشة، وليس مجرد تقليد أو تخمين.
• إصلاح القلب: يُعتبر إصلاح القلب الركن الأساسي في المنهاج التربوي للزاوية. فالقلب هو مركز الإيمان، وبصلاحه تصلح الجوارح كلها. تركز الزاوية على معالجة أمراض القلب وتوجيهه نحو الله عز وجل.
تتميز الزاوية البودشيشية بتنظيمها المحكم وانضباطها، وبقدرتها على استقطاب أعداد كبيرة من المريدين، وتنظيم لقاءات سنوية كبرى تجمع الآلاف منهم، خاصة في ليلة القدر وذكرى المولد النبوي الشريف. ورغم تأكيدها على البعد الروحي وعدم التدخل في السياسة، إلا أن انتشارها الواسع وتأثيرها على شرائح مختلفة من المجتمع جعلها محط أنظار العديد من الباحثين والمراقبين، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالسلطة والمجتمع.
3. تحولات الزاوية البودشيشية: من الروحانية إلى السلطة الرمزية
شهدت الزاوية البودشيشية، على غرار العديد من الطرق الصوفية في المغرب، تحولات عميقة في العقود الأخيرة، نقلتها من مجرد فضاء للتربية الروحية والذكر إلى كيان ذي تأثير رمزي وسياسي واجتماعي واسع. هذه التحولات لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتاج تفاعل عوامل داخلية وخارجية، أسهمت في إعادة تشكيل دور الزاوية ومكانتها في المشهد المغربي المعاصر.
التحول البنيوي: من فضاء للذكر إلى ملتقى للنخب:
في بداياتها، كانت الزاوية البودشيشية تركز بشكل أساسي على الجانب الروحي، وتجذب المريدين الباحثين عن تزكية النفس والتقرب إلى الله. ومع مرور الوقت، خاصة في عهد الشيخ حمزة القادري البودشيشي، بدأت الزاوية تستقطب شرائح اجتماعية أوسع، بما في ذلك النخب السياسية، ورجال الأعمال، والمسؤولين الأمنيين، والإعلاميين، والشخصيات النافذة. تحولت الزاوية بذلك إلى ما يشبه ملتقى للنخب، حيث تتداخل الأبعاد الروحية مع المصالح الدنيوية.
هذا التحول البنيوي انعكس في طبيعة اللقاءات والأنشطة التي تنظمها الزاوية. فبينما كانت مجالس الذكر والتربية الروحية هي السمة الغالبة في الماضي، أصبحت هذه اللقاءات اليوم تشهد حضورًا مكثفًا لشخصيات عامة، مما يضفي عليها طابعًا رسميًا وغير روحي في بعض الأحيان. هذه التجمعات، التي تُقام في أجواء روحية، تتحول ضمنيًا إلى فضاءات لتبادل المصالح وتنسيق المواقف بين الدولة ورجالها وشبكة المريدين من النخب.
تداخل الروحانية بالسياسة والمصالح:
من أبرز ملامح هذا التحول هو تداخل الروحانية بالسياسة والمصالح. ففي حين تؤكد الزاوية رسميًا على حيادها السياسي وعدم تدخلها في الشأن العام، إلا أن علاقتها الوثيقة بالنظام الحاكم، وحضور النخب السياسية في فعالياتها، يشير إلى وجود علاقة عضوية بين الطرفين. يُنظر إلى الزاوية البودشيشية في هذا السياق كأداة للتوظيف السياسي، حيث تستفيد الدولة من نفوذها الروحي لتعزيز شرعيتها واستقرارها، بينما تستفيد الزاوية من هذا الارتباط لاكتساب مكانة خاصة وحماية من السلطة.
هذا التداخل يثير تساؤلات حول مدى استقلالية الزاوية في قراراتها، وحول ما إذا كانت الروحانية لا تزال هي المحرك الأساسي لأنشطتها، أم أنها أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية. فالعلاقة بين الزاوية والدولة ليست علاقة أحادية الجانب، بل هي علاقة تبادلية، حيث يقدم كل طرف للآخر ما يحتاجه.
من الزهد إلى الوجاهة: اكتساب النفوذ والامتيازات:
في الزوايا التقليدية، كان الزهد والتواضع والبعد عن الجاه والمال من السمات الأساسية للمريدين والشيوخ. أما في الزاوية البودشيشية الحديثة، فقد تحول الانتماء إليها إلى وسيلة لاكتساب الوجاهة الاجتماعية والنفوذ والامتيازات. فالمريد في الزاوية لم يعد مجرد باحث عن الصفاء الروحي، بل قد يجد نفسه أمام فرص عملية ومناصب لم يكن ليحلم بها خارج هذا الإطار. هذا التحول من الزهد إلى الوجاهة يعكس تغيرًا في القيم والمعايير التي تحكم العلاقة بين المريد والزاوية.
المفارقة التاريخية مقارنة بالزوايا التقليدية:
تُظهر الزاوية البودشيشية في تحولاتها مفارقة تاريخية واضحة مقارنة بالزوايا التقليدية في المغرب. فبينما كانت الزوايا القديمة ملاذًا للضعفاء، وحصنًا ضد تغول المخزن، ومحركًا للمقاومة ضد الاستعمار، فإن الزاوية البودشيشية تعيش اليوم وضعًا معكوسًا:
• من المواجهة إلى التحالف مع السلطة
- التحول التاريخي:
الزاوية البودشيشية لم تكن في بداياتها ذات طابع سياسي واضح، بل كانت أقرب إلى فضاء ديني وروحي، يركز على التربية الصوفية والزهد. لكن مع اتساع نفوذها الاجتماعي والروحي، أصبحت محط أنظار الدولة التي رأت فيها فاعلاً قادراً على امتصاص بعض التوترات الاجتماعية والدينية. - مرحلة الحذر والحياد:
خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان المشهد المغربي يعيش توترات سياسية (اليسار الراديكالي، السلفية الجهادية الناشئة، صراعات القصر مع المعارضة). في هذه المرحلة، كانت الزاوية البودشيشية تميل إلى الحياد السلبي، لا تصادم السلطة ولا تقترب منها كثيرًا. - مرحلة التقارب مع السلطة:
مع صعود الشيخ حمزة القادري البودشيشي (توفي 2017) توسعت الزاوية بشكل لافت، وأصبحت تستقطب آلاف المريدين من داخل المغرب وخارجه. هذا النمو الهائل جعلها رقماً صعباً في الحقل الديني. الدولة بدورها وجدت في هذا الصعود فرصة لبناء “إسلام بديل” قائم على التصوف المعتدل في مواجهة التيارات السلفية والإسلام السياسي. - التحالف الواضح:
خاصة بعد أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، تحوّل الموقف الرسمي نحو دعم متزايد للزوايا الصوفية، وعلى رأسها البودشيشية، باعتبارها خط الدفاع الروحي ضد التطرف. الزاوية البودشيشية أصبحت حاضرة بقوة في المناسبات الوطنية والدينية الرسمية، وأفرادها يشاركون في المجالس الملكية للذكر والمديح. كما أن إعلام الدولة (القنوات الرسمية) أعطاها مساحة واسعة للترويج لصورتها. - مظاهر التحالف:
- مشاركة رموز الزاوية في الأنشطة الرسمية تحت الرعاية الملكية.
- دعم غير مباشر في توسعة مقراتها، خصوصاً مقر مداغ (وجدة) الذي صار قبلة لآلاف الزوار.
- التقاء خطابها مع خطاب المؤسسة الملكية حول التسامح، الوسطية، والأمن الروحي.
- تحول بعض شيوخها إلى “سفراء دينيين” غير رسميين للمغرب في أوروبا وأفريقيا.
بذلك يمكن القول إن العلاقة بين البودشيشية والسلطة انتقلت من موقع المراقب أو الحياد إلى موقع الشريك الديني والسياسي في الحفاظ على الاستقرار، حيث توظّف الدولة “الزخم الروحي” للزاوية ضمن مشروعها لمواجهة التطرف، بينما تستفيد الزاوية من الحماية والدعم الرسمي الذي يعزز حضورها ونفوذها.
من حماية الفقراء إلى احتضان النخب
في بداياتها، كانت الزاوية البودشيشية مثل باقي الزوايا الصوفية في المغرب، ملاذًا للفقراء والمهمشين، تؤمّن لهم الغذاء والكساء والمأوى، وتوفر فضاءً روحياً للتخفيف من قسوة الحياة اليومية. كان حضورها مرتبطًا بالبعد الإحساني والتكافلي، حيث لعبت دور “المطعم الشعبي” و”دار الضيافة الروحية”.
لكن مع مرور الزمن، ولا سيما منذ سبعينيات القرن الماضي وما تلاها، بدأ التحول:
استقطاب النخب السياسية والإدارية: صار وزراء ومسؤولون كبار يترددون على الزاوية، خاصة في المناسبات الكبرى مثل “الموسم السنوي للمولد النبوي” بمداغ، حيث يُنظر إلى الحضور كإشارة ولاء للنظام وكسبٍ لرأسمال رمزي.
النخب الاقتصادية: رجال أعمال كبار وأصحاب شركات أصبحوا من بين المنتسبين للزاوية، لا طلبًا للخلوة الروحية بقدر ما هو بحث عن شبكة علاقات تفتح أمامهم قنوات مع السلطة والإدارة.
النخب الأكاديمية والثقافية: جامعيون وباحثون اختاروا التقرب من الزاوية لأهداف مختلفة، بعضها روحي وبعضها بحث عن موقع ضمن شبكة النفوذ الجديدة.
بهذا، تحولت الزاوية من فضاءٍ يُعنى بـ”الفقراء والمريدين البسطاء” إلى ما يشبه “صالوناً مغلقاً للنخب”، حيث تُبنى الجسور بين رجال الدولة، رجال المال، ورجال الدين.
من روحانية مطلقة إلى شبكة مصالح
كانت الروحانية البحتة هي جوهر الزاوية في بداياتها: ذكرٌ جماعي، خلوات روحية، تربية على الزهد والتجرد من الدنيا. غير أن التحولات السياسية والاجتماعية في المغرب جعلت الزاوية البودشيشية تتجاوز هذا الطابع الروحي لتصبح جزءًا من “شبكة مصالح مركبة”:
البعد السياسي: الدولة المغربية شجعت بروز الزاوية البودشيشية في وجه تيارات الإسلام السياسي، خصوصًا في فترة صعود السلفية الجهادية، باعتبارها خطابًا بديلًا يُركز على “التسامح والروحانية”. وبهذا، أصبحت الزاوية أداة لتثبيت الاستقرار السياسي.
البعد الاقتصادي: من خلال شبكة رجال الأعمال المنتمين إليها، تحولت الزاوية إلى فضاء يُتيح مشاريع اقتصادية وشراكات غير مباشرة، خاصة في المناسبات الكبرى التي تستقطب آلاف الزوار، بما تحمله من حركية اقتصادية (فنادق، مطاعم، مواسم تجارية)..
إذن، انتقلت الزاوية من كونها مدرسة روحانية إلى شبكة متعددة الأبعاد، حيث تتداخل المصالح السياسية مع الاقتصادية والاجتماعية، في مفارقة تعكس التحولات التي عرفها المغرب منذ نهاية القرن العشرين.
الفقراء لم يعودوا هم الفئة المركزية في الزاوية؛ تم استبدالهم بالنخب التي ترى في الزاوية قناة نحو السلطة.
الروحانية الخالصة تراجعت لصالح مصالح سياسية واقتصادية جعلت الزاوية جزءًا من أدوات الضبط الاجتماعي والسياسي.
4. العلاقة بين الزاوية البودشيشية والدولة المغربية
تُعد العلاقة بين الزاوية البودشيشية والدولة المغربية نموذجًا معقدًا ومتشابكًا لتداخل الديني بالسياسي، حيث تتجاوز هذه العلاقة مجرد الدعم الروحي لتشمل أبعادًا استراتيجية تخدم مصالح الطرفين. ففي حين تسعى الزاوية إلى الحفاظ على مكانتها ونفوذها، تعمل الدولة على توظيف هذا النفوذ لتعزيز شرعيتها واستقرارها، خاصة في سياق المشهد السياسي والاجتماعي المعاصر.
آليات التوظيف السياسي للزاوية:
تعتمد الدولة المغربية على عدة آليات لتوظيف الزاوية البودشيشية في سياستها الداخلية والخارجية، ومن أبرز هذه الآليات:
• تعزيز الشرعية الدينية: تُعد الزوايا، بما فيها البودشيشية، مصدرًا مهمًا للشرعية الدينية للنظام الحاكم في المغرب، الذي يستند إلى إمارة المؤمنين. فدعم الزاوية للنظام يضفي عليه طابعًا دينيًا ويحصنه ضد الانتقادات المعارضة، خاصة تلك التي تأتي من التيارات الإسلامية الأخرى.
• التحكم في المجال الديني: من خلال دعم الزاوية البودشيشية وغيرها من الطرق الصوفية المعتدلة، تسعى الدولة إلى احتواء وتوجيه المجال الديني، ومنع انتشار التيارات المتطرفة أو المعارضة. فالصوفية، بطبيعتها المسالمة والروحانية، تُعتبر حصنًا ضد التطرف الديني.
• الدبلوماسية الروحية: عبر استقطاب مريدين من أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء، أصبحت للزاوية وظيفة موازية للدبلوماسية الرسمية، حيث يقدَّم المغرب باعتباره بلد “الإسلام الصوفي المعتدل”. وهذا يخدم صورة الدولة في الخارج، خصوصًا مع الاتحاد الأوروبي وإفريقيا
• استقطاب النخب: يُعد حضور النخب السياسية والاقتصادية والأمنية في فعاليات الزاوية آلية لتوحيد هذه النخب حول رؤية معينة، ولتعزيز ولائها للنظام. فالزاوية توفر فضاءً غير رسمي للتواصل والتنسيق بين هذه الشرائح، مما يسهم في استقرار المشهد السياسي.
دور الزاوية في المشهد السياسي والاجتماعي المعاصر:
تلعب الزاوية البودشيشية دورًا متزايد الأهمية في المشهد السياسي والاجتماعي المعاصر في المغرب، يتجاوز مجرد البعد الروحي:
• التأثير على الرأي العام: بفضل قاعدتها الجماهيرية الواسعة، تتمتع الزاوية بقدرة على التأثير في الرأي العام، خاصة في القضايا التي تمس الجانب الديني أو الاجتماعي. وهذا التأثير يمكن أن يُوظف لدعم سياسات معينة أو لتخفيف حدة التوترات الاجتماعية.
• الوساطة الاجتماعية: لا تزال الزاوية تلعب دورًا في الوساطة الاجتماعية وحل النزاعات على المستوى المحلي، مما يسهم في استقرار المجتمع وتخفيف العبء عن المؤسسات الرسمية.
• العمل الخيري والاجتماعي: تستمر الزاوية في تقديم خدمات خيرية واجتماعية للمحتاجين، مما يعزز شعبيتها ويجعلها جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.
الانتقادات الموجهة للزاوية البودشيشية: تحليل معمق
تتعرض الزاوية البودشيشية، شأنها في ذلك شأن العديد من الطرق الصوفية الكبرى في المغرب، لانتقادات حادة تتعلق بطبيعة علاقتها بالسلطة السياسية. وتُعدّ تهمة التوظيف السياسي من أبرز هذه الانتقادات، حيث يرى العديد من المراقبين والباحثين، خاصة من التيارات الإسلامية المعارضة (كالسلفية والحركات الإسلامية السياسية)، أن الزاوية قد تحولت إلى أداة وظيفية في يد النظام المغربي لخدمة أجنداته السياسية والدينية [3].
3.1. تهمة التوظيف السياسي
تتجلى هذه التهمة في عدة مظاهر، أبرزها استقطاب الزاوية للنخب السياسية والمسؤولين السامين. فليس من الغريب أن نرى وزراء، وسياسيين، ومسؤولين حكوميين يحضرون مواسم الزاوية وحضراتها الصوفية، ويظهرون إلى جانب شيخها وأبنائه. هذا الحضور المكثف للنخب يُفسر على أنه محاولة من النظام لإضفاء الشرعية الدينية على حكمه، واستغلال الرمزية الروحية للزاوية في تعزيز الولاء السياسي. ففي سياق مغربي يتميز بتداخل الدين والسياسة، يصبح دعم الزوايا الصوفية وسيلة فعالة للمخزن لمواجهة خصومه، خاصة التيارات الإسلامية التي قد تشكل تحدياً لسلطته [4].
يرى المنتقدون أن هذا الارتباط الوثيق بين الزاوية والسلطة يُفقد الزاوية استقلاليتها المفترضة كإطار روحي محض. فبدلاً من أن تكون مؤسسة دينية مستقلة تركز على التربية الروحية وتزكية النفوس، تتحول إلى جزء من آلية الشرعنة الدينية التي يعتمدها النظام. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن الزاوية البودشيشية، وغيرها من الزوايا التي تحظى بدعم رسمي، تُستخدم كـ “حصن منيع” ضد الإسلام السياسي، وتساهم في ملء الساحة الدينية بما يتوافق مع رؤية الدولة للتدين السلمي والمعتدل [5].
أمثلة ودراسات حالة:
حضور الشخصيات الرسمية في المواسم: تُعد المواسم السنوية للزاوية البودشيشية، مثل موسم المولد النبوي، مناسبة بارزة يحضرها كبار المسؤولين في الدولة، مما يعكس العلاقة الوثيقة بين الزاوية والنظام. هذه التجمعات الكبيرة، التي تُبث أحياناً عبر وسائل الإعلام الرسمية، تُرسل رسالة واضحة حول دعم الدولة للزاوية، وفي المقابل، تُظهر الزاوية ولاءها للسلطة الحاكمة.
• التصريحات الداعمة للنظام: في العديد من المناسبات، يصدر عن شيوخ الزاوية أو مريديها البارزين تصريحات تدعم سياسات الدولة، أو تدعو إلى الوحدة الوطنية والولاء للملك. هذه التصريحات تُفسر على أنها جزء من دور الزاوية في تثبيت السلم الاجتماعي والولاء السياسي، وتُعزز من تهمة التوظيف السياسي.
• دور الزاوية في مواجهة الحركات الاحتجاجية: في بعض الأحيان، تُتهم الزاوية بلعب دور في تهدئة الحركات الاحتجاجية أو توجيه الرأي العام بما يخدم مصالح النظام، وذلك من خلال تأثيرها على مريديها المنتشرين في مختلف أنحاء البلاد. هذا الدور، وإن لم يكن مباشراً دائماً، إلا أنه يُنظر إليه كجزء من استراتيجية الدولة في إدارة الحقل الديني والسياسي.
يُجادل البعض بأن هذا التوظيف السياسي يُفرغ التجربة الصوفية من مضمونها الأخلاقي والروحي العميق، ويحولها إلى مجرد أداة لخدمة مصالح دنيوية. ومع ذلك، يرى آخرون أن العلاقة بين الزوايا والسلطة في المغرب هي علاقة تاريخية متجذرة، وأن الزوايا لطالما كانت جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي للمملكة، وأن دورها الحالي هو امتداد لدورها التاريخي في حفظ الاستقرار وتعزيز الشرعية الدينية [6].
البعد عن الزهد والتصوف الأصيل
يُعد الزهد والتواضع والانفصال عن زخارف الدنيا من المبادئ الجوهرية في التصوف الأصيل، حيث يسعى الصوفي إلى تطهير النفس من التعلق بالماديات والتركيز على العلاقة الروحية مع الله. ومع ذلك، يرى العديد من المنتقدين أن الزاوية البودشيشية قد ابتعدت عن هذا الخط الأصيل، وأن ممارساتها الحالية لا تتوافق مع روح الزهد والتواضع التي تميز التصوف الحقيقي [7].
تُتهم الزاوية بأن الانتماء إليها أصبح وسيلة للترقي الاجتماعي والولوج إلى شبكة واسعة من المصالح والعلاقات، بدلاً من أن يكون طريقاً للتجرد الروحي. وتُساق في هذا الصدد عدة أمثلة على ممارسات تُعتبر بعيدة عن الزهد، منها:
• الاستقبالات الضخمة والاحتفالات الباذخة: تُنظم الزاوية مواسم واحتفالات صوفية كبرى، يحضرها الآلاف من المريدين والشخصيات العامة، وتتميز هذه الاحتفالات بتنظيمها الضخم ومظاهر البذخ، مما يتناقض مع مبدأ الزهد والبساطة. هذه التجمعات، وإن كانت تهدف إلى تعزيز الروابط الروحية، إلا أنها تُفسر على أنها استعراض للقوة والنفوذ، وتُبعد الزاوية عن صورة المؤسسة الروحية المتواضعة.
• الاحتفاء بالمريدين الأجانب والنخب: تُولي الزاوية اهتماماً خاصاً بالمريدين الأجانب والنخب من مختلف المجالات، وتُقام لهم استقبالات خاصة. هذا الاحتفاء، وإن كان يساهم في نشر الطريقة عالمياً، إلا أنه يُنظر إليه على أنه يعزز من مكانة الزاوية الاجتماعية والسياسية، ويُفقدها التركيز على البعد الروحي الباطني. بعض الباحثين يصفون هذا التحول بـ “تصوف من غير زهد”، أي تصوف مُؤسس ومُتألق اجتماعياً وسياسياً، أكثر منه تجربة باطنية عميقة [8].
• الولوج إلى شبكات المصالح: يُعتقد أن الانتماء إلى الزاوية يفتح أبواباً للفرص الاجتماعية والاقتصادية، مما يجذب إليها أفراداً يسعون لتحقيق مكاسب دنيوية، وليس فقط للبحث عن التجربة الروحية. هذا الجانب يُثير تساؤلات حول مدى نقاء النوايا لدى بعض المريدين، ويُعزز من فكرة أن الزاوية أصبحت شبكة مصالح تتجاوز البعد الروحي.
يرى المدافعون عن الزاوية أن هذه المظاهر لا تتناقض بالضرورة مع التصوف، وأن الزهد لا يعني بالضرورة الانعزال التام عن المجتمع أو رفض مظاهر الحياة. بل يمكن أن يكون التصوف فاعلاً في المجتمع ويساهم في بناء العلاقات الاجتماعية، وأن الاحتفالات الكبرى هي وسيلة لجمع المريدين وتعزيز الروابط بينهم. ومع ذلك، فإن الفجوة بين الخطاب الصوفي الذي يركز على تزكية النفس والتجرد عن الدنيا، وبين الممارسات الواقعية التي تتسم بالحضور القوي في المشهد العام، تُثير تساؤلات حول مدى التزام الزاوية بمبادئ الزهد الأصيل [9].
الغموض والسرية (مسألة “السر”)
تُعد مسألة “السر” من أكثر النقاط إثارة للجدل والغموض في الزاوية البودشيشية، وتُشكل محوراً مهماً في الانتقادات الموجهة إليها. في أدبيات التصوف العام، يُفهم “السر” عادةً على أنه نفحة روحية، أو “بركة خاصة”، أو معرفة باطنية يمتلكها الشيخ وينقلها إلى خلفه أو إلى مريديه المقربين، وذلك في إطار ما يُعرف بـ “سلسلة الإجازة الصوفية” التي تضمن استمرارية النور الروحي من جيل إلى جيل. هذا المفهوم يربط الشيخ بأسلافه الصوفيين وصولاً إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويمنحه شرعية روحية [10].
إلا أن مفهوم “السر” في الحالة البودشيشية قد أخذ بعداً غامضاً ومختلفاً، مما أثار تساؤلات حول طبيعته ووظيفته. يُتداول أن الشيخ يحتكر هذا “السر” ويمنحه لمن يراه أهلاً للخلافة، مما يجعل عملية اختيار الخليفة محاطة بالسرية والغموض. هذا الغموض يُثير العديد من التساؤلات الأكاديمية والنقدية:•
هل “السر” مفهوم رمزي أم آلية سلطوية؟ يرى بعض الباحثين أن “السر” قد لا يكون مجرد مفهوم رمزي للتواصل الروحي مع الله عبر الشيخ، بل قد يكون آلية لضبط السلطة داخل الزاوية وضمان الولاء المطلق للشيخ وخلفه. فمع غياب الشفافية حول كيفية انتقال هذا “السر”، يصبح الأمر أقرب إلى رمزية سلطوية تُكرّس استمرارية العائلة البودشيشية في المشيخة، وتُعزز من هيمنتها على الزاوية [11].
• تأثير الغموض على الشرعية: يُمكن أن يؤدي الغموض المحيط بمسألة “السر” إلى إضعاف الشرعية الروحية للشيخ الجديد في نظر بعض المريدين أو المراقبين الخارجيين، خاصة إذا لم تكن عملية الانتقال واضحة أو شفافة. ففي غياب معايير واضحة ومعلنة لاختيار الخليفة، قد تُفسر عملية الانتقال على أنها مجرد وراثة عائلية، لا تستند إلى أسس روحية حقيقية.
دراسات تحليلية حول هذا المفهوم
• التحليل السوسيولوجي: من منظور سوسيولوجي، يمكن تحليل مفهوم “السر” كشكل من أشكال “الرأسمال الرمزي” الذي تمتلكه العائلة الحاكمة للزاوية. هذا الرأسمال الرمزي يُستخدم لإعادة إنتاج السلطة والنفوذ داخل الزاوية، ويُضفي هالة من القدسية على الشيخ وأسرته، مما يُعزز من مكانتهم ويُرسخ ولاء المريدين. فالغموض هنا ليس نقصاً، بل هو جزء من استراتيجية بناء الهيبة والسلطة [12].
إن مسألة “السر” في الزاوية البودشيشية تُبرز التوتر بين البعد الروحي الباطني للتصوف، وبين الأبعاد الاجتماعية والسياسية التي تُشكل جزءاً من واقع الزوايا الصوفية. فبينما يُنظر إليه من قبل المريدين كرمز للبركة والاتصال الإلهي، يُنظر إليه من قبل المنتقدين كأداة لتعزيز السلطة والتحكم في الخلافة.
صراعات الخلافة
على الرغم من أن مفهوم “السر” يُفترض أنه يحدد الخليفة بشكل واضح داخل الزاوية البودشيشية، إلا أن الواقع يشهد وجود صراعات خفية وعلنية أحياناً حول الزعامة والمشيخة، خاصة بعد وفاة الشيخ جمال القادري البودشيشي في عام 2025. هذه الصراعات تُبرز أن “السر” لا يحسم دائماً مسألة الخلافة بشكل قاطع، بل يُستعمل كأداة رمزية لإضفاء الشرعية على من يحظى بالدعم الأقوى داخل العائلة وخارجها [13].
تُعد مسألة الخلافة في الطرق الصوفية بشكل عام، وفي الزاوية البودشيشية بشكل خاص، قضية حساسة ومعقدة، تتداخل فيها الأبعاد الروحية مع الاعتبارات العائلية، والاجتماعية، وحتى الاقتصادية. فالمشيخة في الزاوية البودشيشية، كما هو الحال في العديد من الطرق الصوفية الكبرى، تنتقل عادةً بالوراثة داخل العائلة المؤسسة، مما يجعلها عرضة لصراعات النفوذ والمصالح. بعد وفاة الشيخ جمال، برزت بعض التوترات حول وراثة المشيخة بين أبنائه وأحفاده، مما أدى إلى ظهور انقسامات داخل صفوف المريدين [14].
أمثلة على صراعات الخلافة وتأثيرها:
• التنافس بين الأشقاء: بعد وفاة الشيخ جمال، تنافس أبناؤه على منصب المشيخة، مما أدى إلى ظهور بيانات متضاربة واتهامات متبادلة. هذه الصراعات، التي وصلت أحياناً إلى وسائل الإعلام، كشفت عن وجود خلافات عميقة داخل العائلة حول من هو الأحق بوراثة “السر” والمشيخة. هذا التنافس يُظهر أن الولاء المطلق للشيخ قد لا يمتد بالضرورة إلى خلفائه بنفس الدرجة، خاصة إذا كانت هناك شكوك حول شرعية الخلافة.
• تأثير العوامل الخارجية: لا تقتصر صراعات الخلافة على العوامل الداخلية للزاوية، بل تتأثر أيضاً بالعوامل الخارجية، مثل دعم السلطة السياسية أو النخب الاجتماعية. فالطرف الذي يحظى بدعم أكبر من هذه الجهات، يكون له حظ أوفر في حسم مسألة الخلافة لصالحه، مما يُعزز من فكرة تداخل الروحانية مع الاعتبارات السياسية والدنيوية خصوصا حين تتدخل السلطة في تنصيب الخليفة الجديد يفقد الشيخ الجديد كل شرعية محيطة بالسر والبركة ويصبح موظفا للسلطة..
• تأثير على وحدة الزاوية: يمكن أن تؤدي صراعات الخلافة إلى زعزعة استقرار الزاوية، وتقسيم صفوف المريدين، مما يُضعف من نفوذها وتأثيرها. ففي بعض الحالات، قد ينشق بعض المريدين عن الزاوية ويؤسسون طرقاً صوفية جديدة، أو ينضمون إلى طرق أخرى، مما يُهدد وحدة الزاوية واستمراريتها.
تُشير هذه الصراعات إلى أن الزاوية البودشيشية، على الرغم من مكانتها الروحية، ليست بمنأى عن التحديات التي تواجه المؤسسات البشرية، وأن مسألة الخلافة فيها تتجاوز البعد الروحي البحت لتشمل أبعاداً سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة. هذه الديناميكيات تُلقي بظلالها على صورة الزاوية، وتُثير تساؤلات حول مدى قدرتها على الحفاظ على نقائها الروحي في ظل هذه التحديات.
العلاقة مع المخزن
تُعد العلاقة بين الزاوية البودشيشية والمخزن (النظام الملكي المغربي) من أبرز الجوانب التي تُثير الجدل والانتقاد، وتكشف عن معادلة دقيقة ومعقدة في المشهد الديني والسياسي المغربي. ففي المغرب، يتمتع الملك بصفة “أمير المؤمنين”، مما يمنحه مرجعية دينية عليا، ويجعله فوق جميع الزوايا والطرق الصوفية. هذا الموقع الديني للملك يُبرر تدخله في شؤون الزوايا، حيث لا يُعتبر تدخلاً خارجياً، بل طبيعياً بحكم موقعه كرمز ديني جامع للأمة [15]
لقد كرّست الزاوية البودشيشية هذا المفهوم عبر خضوعها الرمزي والسياسي للملك، حيث أُدمجت في منظومة المخزن لتصبح بمثابة “زاوية سلطانية”. هذا الوضع يُثير تساؤلات حول استقلالية الزاوية الروحية، حيث يرى المنتقدون أن هذه العلاقة قد أضعفت من استقلاليتها، وحلت محلها علاقة ولاء عمودية تتماهى مع النموذج السياسي للمخزن. فالمريدون، في هذا السياق، يصبحون في موقع شبيه بـ “الرعايا”، فهم تابعون لشيخهم، والشيخ بدوره تابع للملك باعتباره “شيخ الشيوخ” [16].
تأثير هذه العلاقة على استقلالية الزاوية:
• فقدان الاستقلالية الروحية: يُجادل البعض بأن الاندماج العميق للزاوية في منظومة المخزن قد أدى إلى فقدانها لجزء كبير من استقلاليتها الروحية. فبدلاً من أن تكون مصدراً مستقلاً للسلطة الروحية، أصبحت جزءاً من جهاز الدولة، مما يُفقدها مصداقيتها في نظر بعض الشرائح، خاصة تلك التي تبحث عن تجربة صوفية خالصة بعيدة عن أي تأثيرات سياسية.
• توظيف الزاوية في الأجندة الرسمية: تُستخدم الزاوية، بحكم علاقتها بالمخزن، في دعم الأجندة الرسمية للدولة، سواء في مواجهة التيارات الإسلامية المتشددة، أو في تعزيز صورة المغرب كبلد للتسامح والاعتدال الديني على الساحة الدولية. هذا التوظيف، وإن كان يخدم مصالح الدولة، إلا أنه يُثير تساؤلات حول مدى حرية الزاوية في اتخاذ قراراتها ومواقفها دون تأثير من السلطة.•
التبعية المالية والإدارية: قد تمتد هذه العلاقة إلى التبعية المالية والإدارية، حيث تتلقى الزاوية دعماً من الدولة، وتخضع لإشرافها في بعض الجوانب. هذه التبعية تُعزز من فكرة أن الزاوية أصبحت مؤسسة شبه رسمية، تندرج ضمن استراتيجية الدولة لإدارة الحقل الديني.
إن العلاقة بين الزاوية البودشيشية والمخزن تُجسد تعقيدات المشهد الديني والسياسي في المغرب، حيث تتداخل الأبعاد الروحية مع المصالح السياسية، وتُشكل شبكة معقدة من العلاقات التي تُحدد دور الزاوية ومكانتها في المجتمع.
المناقشة والتحليل النقدي
تُقدم الانتقادات الموجهة للزاوية البودشيشية صورة معقدة ومتعددة الأبعاد لظاهرة صوفية بارزة في المغرب. إن تحليل هذه الانتقادات لا يقتصر على مجرد سردها، بل يتطلب مناقشة معمقة لأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكيف تتفاعل مع الممارسات الفعلية للزاوية، ودور الفاعلين المختلفين في تشكيل الرأي العام حولها.
• مقارنة الانتقادات مع الممارسات الفعلية للزاوية
تُظهر المقارنة بين الانتقادات الموجهة للزاوية البودشيشية وممارساتها الفعلية وجود فجوة بين الخطاب والممارسة في بعض الجوانب. فبينما تُقدم الزاوية نفسها كمؤسسة روحية تركز على تزكية النفس والبعد عن الدنيا، تُظهر الممارسات العلنية، مثل الاستقبالات الضخمة وحضور النخب، اهتماماً بالجانب الاجتماعي والسياسي. هذا التناقض الظاهري يُمكن تفسيره بعدة طرق:
• التكيف مع الواقع: قد تكون الزاوية قد تكيفت مع الواقع السياسي والاجتماعي في المغرب، حيث يُعدّ التفاعل مع السلطة والنخب جزءاً من المشهد العام. فالبقاء على الحياد التام قد يُعرض الزاوية للعزلة أو التهميش، بينما يُمكن للعلاقة الوثيقة مع السلطة أن تُوفر لها الحماية والدعم، وتُمكنها من نشر رسالتها بشكل أوسع.
• التصوف العملي: يرى بعض المدافعين عن الزاوية أن التصوف ليس بالضرورة انعزالاً عن المجتمع، بل هو تصوف عملي يسعى إلى التأثير الإيجابي في الواقع. وبالتالي، فإن حضور الزاوية في المشهد العام، وتفاعلها مع النخب، يُمكن أن يُنظر إليه كجزء من دورها في خدمة المجتمع ونشر القيم الروحية.
• تعدد الأدوار: تُمارس الزاوية أدواراً متعددة، فهي ليست مجرد مؤسسة روحية، بل هي أيضاً شبكة اجتماعية واقتصادية وسياسية. هذه الأدوار المتعددة قد تُؤدي إلى تضارب في بعض الأحيان، وتُثير تساؤلات حول أولويات الزاوية وأهدافها الحقيقية.
استنتاجات حول مستقبل الزاوية البودشيشية:
من المرجح أن تستمر الزاوية البودشيشية في لعب دور مهم في المشهد الديني والاجتماعي المغربي، بحكم قاعدتها الجماهيرية الواسعة وعلاقاتها المتشابكة مع السلطة. ومع ذلك، فإن استمرار هذه الانتقادات قد يُؤثر على مصداقيتها على المدى الطويل، خاصة في ظل تزايد الوعي والنقد في الأوساط الأكاديمية والإعلامية. قد تُضطر الزاوية إلى إعادة النظر في بعض ممارساتها، أو تقديم تفسيرات أكثر شفافية حول طبيعة علاقاتها ومفاهيمها، للحفاظ على مكانتها وتجاوز هذه التحديات.
5. الخاتمة
تُظهر هذه الدراسة أن الزوايا في المغرب، وعلى رأسها الزاوية البودشيشية، قد شهدت تحولات عميقة في أدوارها ووظائفها عبر التاريخ. فمن كونها فضاءات للذكر والتربية الروحية، وملاذًا للفقراء، ومحركًا للمقاومة ضد الاستعمار، تحولت بعض هذه الزوايا، وخاصة البودشيشية، إلى كيانات ذات سلطة رمزية ونفوذ يتجاوز البعد الروحي ليشمل الحقل السياسي والاجتماعي.
6. المراجع
• ويكيبيديا. بودشيشية. متاح على: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9
• المعاشي، ربيعة. (2024). الزوايا في المغرب: بين التأثير الديني والهيمنة السياسية عبر التاريخ. مجلة العلوم الاجتماعية والإعلامية. متاح على: https://journals.sms-institute.com/archives/4364
• الجزيرة نت. (2017). البودشيشية بالمغرب.. عشق “الفقير” ومباركة النظام. متاح على: https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2017/1/19/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D8%B4%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%8A%D8%B1
• الجزيرة نت. (2012). الزاوية البودشيشية والعمل السياسي بالمغرب. متاح على: https://www.aljazeera.net/news/2012/2/2/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A
• رصد المغرب. (2025). الزاوية البودشيشية والدولة المغربية: بين التصوف الجنيدي والتوظيف السياسي. متاح على: https://rassdalmaghrebe.com/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/
• زنقة 20. (2025). زعزعة الإستقرار و رفض الإنقلاب.. اندلاع أزمة خلافة داخل الزاوية البودشيشية. متاح على: https://rue20.com/928643.html
• مرايانا. (2024). الزاوية والسياسة بالمغرب: السلطان وشيوخ الزوايا – حكاية “الحب المٌعلن”. متاح على: https://marayana.com/laune/2024/04/13/90386/
• الديبوش، كريم. (2023). السلطة الرمزية للزوايا وسؤال التنمية–دراسة سوسيولوجية لتأثير الزاوية الوزانية على التنمية بوزان. مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية. متاح على: https://www.hnjournal.net/ar/4-4-16/
• أفزاز. (2010). الطرقية بالمغرب: انحرافات فکرية سياسية واقتصادية. دورية كان التاريخية: المستقبل الرقمي للدراسات. متاح على: https://journals.ekb.eg/article_100629.html
• الهرماسي، عبد اللطيف. (2018). المجتمع والإسلام والنخب الإصلاحية في تونس والجزائر: دراسة مقارنة من منظور علم الاجتماع التاريخي. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=sepwDwAAQBAJ&oi=fnd&pg=IA1&dq=%D8%B9%D9%84%D9%82%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9+%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8&ots=4jjhdrA-5e&sig=audo3svxvmlDJtLMqvBWOHLTLOc
• درعي، فاطمة. (2023). علاقة القوة الدينية بالسلطة في المغرب الأقصى بين التقارب والصراع (الدولة السعدية أنموذجا). مجلة الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية. متاح على: https://asjp.cerist.dz/en/article/219771
• العماري، الطيب. (2022). التصوف في الجزائر المعاصرة من الانزواء إلى المشاركة الايجابية مقاربة انثروبولوجية للتحول في وظائف الزوايا الصوفية بالجزائر زوايا منطقة الزيبان ببسكرة–انموذجا. أنثروبولوجيا. متاح على: https://asjp.cerist.dz/en/article/211051
• اليملولي، رشيد. (2021). الحركة الصوفية والسياق السياسي في تاريخ الغرب الإسلامي. مجلة ليكسوس: في التاريخ والعلوم الإنسانية. متاح على: https://revues.imist.ma/index.php/Lixus/article/view/30182
• همام، محمد. (2013). الفن المغربي جاذبًا للاندماج الاجتماعي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=371mDwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PT1&dq=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A&ots=sbRFgtRsU2&sig=9Tn0IyzCMtg_RaJLW8ZGJN_AkFo
• بن عطية، عامر. (2013). الحياة الثقافية في الجزائر خلال العهد العثماني (الرحلات نموذجا). متاح على: http://dspace.univ-ghardaia.edu.dz/xmlui/handle/123456789/3682
• شكري، محمد فؤاد. (2025). السنوسية دين ودولة. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=26JtEQAAQBAJ&oi=fnd&pg=PA4&dq=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A7+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A&ots=jxyD0Dij5X&sig=m_IKDrDWQZOuQw5BZBu6jmGJpBg
• كوثراني، وجيه. (2017). السلطة والمجتمع والعمل السياسي العربي أواخر العهد العثماني: وسائط السلطة في بلاد الشام. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=PQdfDwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PA3&dq=%D8%B9%D9%84%D9%82%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A7+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9+%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8&ots=YT8pqkOJxn&sig=pZdxRnXmvyDljdQdYWL4sYvwGz0
• أيت إزي، إبراهيم. (2024). الحراك الاجتماعي في مغرب ما بعد الاستقلال (1956-1975). متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=1_rwEAAAQBAJ&oi=fnd&pg=PA6&dq=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9&ots=raVuaR8y1m&sig=DNlvSta5PKEzEXtju25otCGLpHE
• استاني، الحبيب زين الدين. (2019). الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=b32zDwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PT2&dq=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9&ots=ZdYK4hjveP&sig=W4KYG2RMQrG2Y92SYTS0_U4_aMk
• بوهند، خالد. (2020). النخب الجزائرية: 1892–1942. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=Ogj9DwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PT5&dq=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A&ots=5Fn1y-PvKD&sig=IvogSm3XmHQyfKAZxHQz7zuoIes
• بشارات، سعيد محمد. (2021). دور تيارات الصهيونية الدينية في الحياة السياسية في إسرائيل 2000-2019. متاح على: https://books.google.com/books?hl=en&lr=&id=FN4lEAAAQBAJ&oi=fnd&pg=PA3&dq=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A&ots=q4Tieuqkq1&sig=2xFT2Ta86uWjnNhc1LAnxymyziY
• حادك. (2014). الزوايا والطرق الصوفية في المغرب: العلاقة مع المخزن والمستعمر. دورية كان التاريخية: المستقبل الرقمي للدراسات. متاح على: https://journals.ekb.eg/article_110981.html
• عدّي، لهواري. (2001). عالِما أنثروبولوجيا في المغرب الكبير: إرنست غلنر-كليفورد غيرتز. متاح على: https://bookstore.dohainstitute.org/p-2428.aspx
• عبد العزيز، الهادي. (2018). الخطاب الصوفي للطرق الصوفية في الجزائر وبلاد المغرب خلال العهد العثماني الطريقة التيجانية نموذجا. متاح على: https://www.ccdz.cerist.dz/admin/notice.php?id=00000000000000861998000074
• الجزيرة نت. (2022). دبلوماسية “العارفين بالله”.. المغرب يُحلِّق دوليا بأجنحة صوفية. متاح على: https://www.aljazeera.net/politics/2022/1/13/%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8
• الجزيرة نت. (2020). الزوايا الصوفية في المغرب.. تأثير روحي ممتد إلى جنوب صحراء أفريقيا. متاح على: https://www.aljazeera.net/culture/2020/5/23/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88-%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%A7
• الشرق الأوسط. (2022). الزوايا ودورها في استمرارية التدين الشعبي بالمغرب الحديث. متاح على: https://aawsat.com/home/article/3686041/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB
• هسبريس. (2022). الأدوار السياسية للزوايا. متاح على: https://www.hespress.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A7-975739.html
•الجبابرة، عبد الله. (تاريخ غير معروف). الزاوية والمجتمع والمخزن جنوب شرق المغرب: قراءة في العلاقات السياسية. متاح على: https://www.aljabriabed.net/n94_06stitou.htm
• مؤمنون بلا حدود. (تاريخ غير معروف). البودشيشية. متاح على: https://www.mominoun.com/tags/82774
• ليكسوس. (2022). الزاوية بين الديني والاجتماعي والسياسي. متاح على: https://revues.imist.ma/index.php/Lixus/article/view/30295
• مرايانا. (2022). هذه حكاية التصوف في المغرب… بلاد الأولياء والصالحين!. متاح على: https://marayana.com/laune/2022/10/26/8939/
• أرشيف الإنترنت. (تاريخ غير معروف). من تاريخ التصوف المغربي : النشاط السياسي لزاوية عبدالرحمن المجذوب. متاح على: https://archive.org/download/20210612_20210612_1050/%D9%85%D9%86%20%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%81%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%8C%20%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%20%D9%84%D8%B2%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AF%D9%88%D8%A8.pdf
• أرشيف الإنترنت. (2021). التصوف والسلطة بالمغرب الموحدي مساهمة في دراسة ا. متاح على: https://archive.org/details/20210530_20210530_1001
• القدس العربي. (2006). التصوف والسلطة بالمغرب الموحدي: مساهمة في دراسة ثنائية الحكم والدين. متاح على: https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%81-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%8A-
https://www.aljazeera.net/news/2012/2/2/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A
] https://www.aljazeera.net/news/2007/4/22/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B7-%D8%AA%D9%88%D8%B8%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86%D8%A7%D8%AA
https://www.noonpost.com/21073/
https://www.mominoun.com/articles/%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%81-%D9%84%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-6108
اترك تعليقاً