اقتصاد

هل أصبح المغرب مزبلة بروكسيل؟ حقائق صادمة لحافلات بركان باعترافات المسؤولين وشهادات المهنيين

فجرت الصحافة البلجيكية قبل أيام قليلة فضيحة من العيار الثقيل، حول اعتماد شركة التنمية المحلية ببركان على حافلات بلجيكية تخلت عنها سلطات العاصمة بروكسيل بسبب عدم استجابتها للمعايير البيئية والصحية، مما أثار ضجة واسعة سواء في المغرب عنوانها العريض “هل تحولت بركان إلى مزبلة لبروكسيل؟”، و”هل ما يلوث البيئة في عاصمة الاتحاد الأوروبي لن يفسدها في شمال إفريقيا؟”.

جريدة “العمق” حاول إعادة تجميع الملف وتفكيك بعض خيوطه، اعتمادا على تصريحات مسؤولين ومهنيين مغاربة وبلجيكيين تفاعلوا مع الضجة، في ظل ما كتبته الصحافة البلجيكية وشروط الاتحاد الأوروبي على المركبات المشتغلة بالمحروقات وخصوصا “الديزل”.

ووقفت جريدة “العمق” خلال تتبعها للملف على نصريحات صادمة لمهنيين بلجيكيين، منهم سائقون سبق لهم قيادة الحافلات المذكورة قبل “نفيها” من بروكسيل إلى بركان، حول وجود مخاطر على السائقين والركاب أسوأ من مخاطر الانبعاثات الغازية.

وفي الوقت ذاتها أكد مسؤولون محليون ببركان انتماء الحافلات المذكورة إلى تصنيف “يورو4” للانبعاثات والذي أصبح متجاوزا بعد فرض الاتحاد الأوروبي لمعايير “يورو 5” وبعده “يورو6″، في الوقت الذي تحدثت الصحافة البلجيكية أنها تنتمي لتصينف “يورو3”.

أصل القصة

تفجرت الفضيحة المدوية بعد نشر صحيفة “العاصمة” البلجيكية خبرا عنوانه العريض “حافلات قديمة لشركة النقل بين بلديات بروكسيل (Stib) تعود للتجول في المغرب”.

وتقول الجريدة البلجيكية في التقرير الذي كانت جريدة “العمق” أول من أثاره في المغرب، إن “179 حافلة لم يعد لها الحق أن تتجول في منطقة الانبعاثات المنخفضة في بروكسيل تم تسجيلها عبر فيديو في وجدة ثم التقطت لها صور فوتوغرافية في مدينة بركان التي يقطنها 120 ألف نسمة”.

وتسبب الخبر المذكور في موجة من التقارير الخبرية الأخرى بالجرائد المغربية وكذا البلجيكية، مصحوبة بحملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي رفضا لأن تتحول مدينة بركان إلى “مطرح للخردة” عبر جلب حافلات مرفوض استعمالها بدول أخرى لتلويثها البيئة.

واستفسر رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن الكيفية والمعايير التي تم تدبير الصفقة بها، واستنكروا أن يتحول موعد بركان مع التخلص من حافلات عمرت 26 سنة في المدينة إلى ضجة أخرى عنوانها الأبرز “تغيير الخردة المحلية بالخردة الأجنبية”.

تأكيد بلجيكي

الناطقة الرسمية باسم “ستيب” (الاسم المختصر لشركة النقل بين بلديات بروكسيل)، سيندي أرينتس، أكدت تخلصها من الحافلات المذكورة سنة 2016 بسبب الانبعاثات الغازية التي لا تتوافق مع شروط الاتحاد الأوروبي، حيث لم يعد ممكنا العمل بها في العاصمة البلجيكية.

وأفادت أرينتس لصحيفة “العاصمة” أنه “بعد إخراج الحافلات من الخدمة تم إطلاق طلبات عروض لبيعها، وتقدم موزعان للتنافس على الصفقة”، دون أن تذكر اسم الجهة التي فازت بصفقة اقتناء الحافلات التي يبلغ عددها 179 حافلة من نوع Van Hool.

غير أن المتحدثة باسم “ستيب” علقت بقولها “بمجرد اقتناء الحافلات يمكن إعادة بيعها، شريطة إعادة استخدامها في غايات مفيدة ومشرفة، وليس لوضعها في حظيرة المركبات ولكن لنقل الأشخاص بطبيعة الحال”.

عمرها 15 سنة

المصدر ذاته، أكد أن الحافلات المذكورة تم تسجيلها لأول مرة بين سنتي 2006 و2007، واشتغلت إلى غاية منعها من مواصلة التجول في العاصمة البلجيكية سنة 2016، قبل أن تظهر في بركان المغربية أواخر سنة 2021 أي بعد حوالي 15 سنة من أول اشتغال.

غير أن أرينتس حاولت في تصريحها أن تخفف من هول “الفضيحة” بتأكيدها على أن الحافلات المذكورة “مازالت في حالة جيدة”، وأنها “رغم الانبعاثات المرفوضة في بلجيكا في إنها أقل انبعاثا من حافلات تتجول في مناطق أخرى”، على حد قولها.

وسيط هولندي

من جهتها، كشفت جريدة “L’Post” البلجيكية أن عملية بيع الحافلات التي تخلصت منها شركة النقل بين بلديات بروكسيل (Stib) تم عن طريق وسيط هولندي يقع مقره في ضواحي مدينة زيفينبيرجين الهولندية، بعد فوزه بصفقة شراء الحافلات التي أطلقتها “ستيب”.

وأفادت أن الوسيط هو شركة Womy Equipment الهولندية، المتخصصة في بيع في المركبات والآليات المستعملة، مضيفة أنها اقتنت 100 من حافلات “ستيب” ومازال يحتفظ لديه إلى حدود يوم أمس 60 حافلة معروضة للبيع.

وأبرزت الجريدة البلجيكية أن المغرب توصل بـ 21 حافلة نقلت بحرا إلى ميناء طنجة قبل أن تواصل طريقها برا إلى بركان “حيث تم استقبالها بفرحة عظيمة” على حد تعبير كاتب المقال.

الحالة التقنية

وأما فيما يخص الحالة التقنية للحافلات المذكورة، فقد أكدت “L’Post” أن الأمر يتعلق بحافلات من نوع Van Hool طراز A.330، دخلت حيز الخدمة سنة 2007 وبقيت في ملكية شركة “STIB” طوال هذه الفترة إلى أن تم التخلص منها بسبب قرار سلطات بروكسيل منع الحافلات ذات المحرك بمعايير “يورو4” من التجول في العاصمة ابتداء من فاتح أبريل المقبل.

وتابعت الصحيفة البلجيكية أن الحافلات التي اقتناها المغرب تتوفر على محركات Man، ويسجل عدادها أنها تجولت لمسافة تتراوح بين 600 ألف و700 ألف كيلو متر، كما أنه سبق أن تم إخضاعها لإعادة صيانة شاملة وتزويدها بتهيئة داخلية جديدة بعد بلوغها مرحلة “منتصف الصلاحية”.

تهكم على الخردة

صحيفة “L’Post” التي دافعت في تقريرها عن شركة STIB بإبراز أن الحافلات البلجيكية تتجول في أماكن أخرى من العالم غير المغرب، وأن الشركة البلجيكية ليست من تقوم بالبيع، ختمت مقالها بالتهكم من عمليات البيع للدول الأخرى بقولها “وككل مرة تتكرر الحكاية المضحكة، وهي أن الحافلات الخردة تصل إلى وجهتها بخزان وقود ممتلئ عن آخره”.

الركاب في خطر

نقلت صحيفة “العاصمة” البلجيكية تصريحات صادمة عن مهنيين وسائقين لدى STIB تشكك في السلامة التقنية للحافلات التي اقتناها المغرب، حيث أورد أحد التصريحات أن “الحافلات تشكل خطورة على الركاب والسائقين”، وقال سائق “أنا قلق للغاية بشأن ظهور السائقين والمسافرين المغاربة”، مضيفا أن “تعليق خدمات الحافلة جاء بعد أن تثبت أنها كارثية”، وتابع “عند أدنى فجوة أو انقطاع للسرعة على الطريق، يشعر الجميع بقوة الصدمة والاهتزاز”.

وعلق مهني آخر ينتمي للشركة البلجيكية بقوله “المغرب ليس مزبلة بروكسل، فإذا كانت هذه الحافلات القديمة ملوثة للغاية بحيث لا يمكن تشغيلها في عاصمة أوروبا، فلماذا تستمر في التلوث في أماكن أخرى على هذا الكوكب، وخاصة في شمال إفريقيا؟”، مضيفا “هذا لا معنى له من وجهة نظر بيئية”.

وأوضح المتحدث الأخير ذاته أن مسؤولي الشركة سبق لهم أن أكدوا أن “الحافلات القديمة لن تستخدم في الخارج مستقبلا”.

جواب “مرافق بركان”

المدير العام لشركة التنمية المحلية مرافق بركان، رشيد امرابط، والذي حل هذا الأسبوع ضيفا على نشرة إخبارية بالقناة الثانية، أجاب عما نشرته الصحافة البلجيكية بقوله حرفيا “هي أخبار زائفة، زائفة مائة بالمائة، لأن هذه الحافلات مثيلاتها مازالت موجودة الآن بأوروبا”.

وأضاف امرابط “هي حافلات من نوعه أورو 4، ونظيراتها مازالت تجوب شوارع أوروبا وليس فقط في بلجيكا، بل في هولندا وباريس إلى غير ذلك”.

ورفض المدير العام لشركة “مرافق بركان” المسؤولة عن تدبير ملف النقل الحضري إلى جانب ملفات أخرى بجماعة بركان، فكرة أن الحافلات المستوردة “تلوث البيئية”، بقوله “ليست ملوثة للبيئية وإنما تستجيب لمعايير أورو4 المعمول به في أوروبا والمغرب”.

معايير “يورو” للانبعاثات الغازية

وضع الاتحاد الأوروبي مجموعة من المعايير التي يجب على المركبات التي تشتغل بمحركات الوقود احترامها من أجل السماح لها بالتجول في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وهي المعايير التي تتعلق بنسبة الغازات المنبعثة من المحرك خصوصا غازات: أكسيد النيتروجين، وأحادي الكربون، والغازات الهيدروكربونية.

وتم إطلاق أول المعايير المعروف بـ”يورو1″ سنة 1989 وهم حينها محركات السيارات الخفيفة، قبل أن يتم إطلاق أولى المعايير بالنسبة لحافلات الركاب والشاحنات سنة 1992، وصولا إلى “يورو4″ الذي دخل حيز التنفيذ بالنسبة لصنف الحافلات سنة 2005، متبوعا بـ”يورو5″ في أكتوبر 2008، و”يورو6” في 31 دجنبر 2012، وهو المعيار الذي أصبح إجباريا في مجموعة من الدول الأوروبية ويمنع على المحركات التي لا تلتزم به التجول ابتداء من فاتح يناير 2022 كما هو الحال بالعاصمة بروكسيل.

وبالعودة إلى جدول المعايير الأوروبية للانبعاثات الغازية، فإن معيار “يورو4” الذي تنتمي له الحافلات المثيرة للجدل يسمح بانبعاثات تصل  بالنسبة لأحادي الكربون إلى 1.5 غرام للكيلوواط الواحد في الساعة من قدرة المركبة (g/Kwh)، و 0.46 غراما للغازات الهيدروكربونية و3,5 غراما لأكسيد النيتروجين.

في حين أن معيار “يورو6” الذي تسعى العاصمة البلجيكية لاحترامه بتخلصها من الحافلات المذكورة، يقلص انبعاث أكسيد النيتروجين المسموح به إلى 0.4 غراما لكل 1 كليوواط في الساعة من قدرة المحرك، وانبعاث الغازات الهيدوكربونية إلى 0.13، ويحافظ على نفس القيمة من انبعاث غاز أحادي الكربون بالمقارنة مع المعيار “يورو4”.

ويذكر أن الحافلات التي تم اقتناؤها من طرف شركة التنمية المحلية “مرافق بركان”، تصل قدرة محركها إلى 238 كليو واط في الساعة وقف ما يشير إلى الوسيط الهولندي الذي مازال يعرض 60 منها للبيع في موقعه الرسمي، وهو ما يعني أن كل حافلة ستتسبب في انبعاث 8,33 كيلوغراما من أكسيد النيتروجين كل ساعة عمل، و3,5 كليو غراما من أحادي الكربون، هذا إذا كان محركاتها في حالة جيدة دون احتساب 10 سنوات من الاستعمال وخسائر البقاء مركونة منذ 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *