وجهة نظر

وكالات الأنباء الزائفة

من أكثر من عانت منه “حكومة دستور 2011” على مدار ولايتها الأولى هي نشر أخبار كاذبة عنها،  خاصة  حزب العدالة والتنمية وعدد من الشخصيات العمومية، واشتدت في الفترة الأخيرة قبيل انتخابات 7 أكتوبر واليوم مع تشكيل الحكومة الجديدة.

 لقد اعتمدت بعض وسائل الإعلام في بعض المرات على معطيات ووقائع أولية حقيقية  لكنها غير  دقيقة وفي غالب الأحيان على معطيات كاذبة لفتها بغطاء وقائع حقيقية، وفي بعض الاحيان على الاعتماد على “خبراء” و”مديري مراكز الدراسات” لإيهام عموم القراء وجعلهم يميلون أكثر إلى تصديقها، ويضطر الحزب معه  أو مؤسسات الدولة أو الحكومة إلى إصدار بلاغ تكذيبي في شأنها وفي بعض المرات لا يجدي ذلك نفعا لأن الإشاعة تصبح أقوى من الحقيقة، والأمثلة كثيرة في هذا الجانب.

 صحيح أن هذا النوع من “الصحافة الكاذبة” والتي تسمى “fake news” مازال جنينيا في المغرب مقارنة مع دول أخرى مثل ألمانيا وإندونيسيا والفلبين والسويد والصين وميانمار والولايات المتحدة  وروسيا ورومانيا لكنه خطره على الديمقراطية الناشئة في المغرب لم يعد خافيا على أحد.

هذه المواقع التي انتشرت في هذه الدول تخصصت في تلفيق الأخبار المزيفة بشكل احترافي خاصة في المجال السياسي مستعملة الدعاية والتضليل لدفع الجمهور للتموقف بشكل سلبي ضد شخص  أو مؤسسة أو ملف، ومستغلة ما يسمى “سذاجة الجمهور” و”نفسية التقليد” وإشعال وسائل التواصل الاجتماعية واستعمالها أداة  من أدوات الحرب النفسية، وأيضا موردا ماليا مهما جدا يقويها. 

وقد اعتبرت وكالة فرانس برس أن هذا النوع  الصحافة مضرة بالديمقراطية، داعية إلى محاربتها، كما أن  لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي في تقريرها لسنة 2016 نبهت الحكومة الروسية إلى الأمر، محذرة من كون “وكالات الأخبار الزائفة ” تضاعف مضمونها على شبكة الإنترنيت وتستعمل “دعاية التضليل” لإضعاف الثقة في القيم الديمقراطية.

في المغرب، وللأسف انخرطت بعض المواقع الالكترونية المغربية الواسعة الانتشار في حملة نشر الأخبار المزيفة ونقلت عنها بعض الصحف المفروض فيها “المهنية”  وساهمت في كثير من الأحيان في الإضرار بالحياة الديمقراطية في البلد، بل أسهمت في “تأخير” عدد من المشاريع التنموية، بل ضرب عدد من الأفكار المبدعة في الصميم، مستغلة إذكاء “الروح الفردية” بدل ” الروح الوطنية” كما حدث مع عدد من الإصلاحات الجريئة. كم تم اللجوء أيضا إلى “تقنية الإشهار” الممولة  لتفوية الإشاعات،  وشراء مساحات إعلامية في جرائد دولية.

وللأسف دائما عندما كتب يونس مجاهد نقيب الصحفيين المغاربة افتتاحيته ، تحت نفس عنوان “fake news” ، سقط أيضا في فخ “الأخبار الزائفة” من حيث أراد محاربتها، حيث ربط ما تقوم به قناة “الجزيرة” التي قد نختلف معه أو نتفق في تقييم مهنيتها مع ما تقوم به “وكالات الأخبار الزائفة”، مع الإيحاء بأن الإسلاميين هم الأكثر استعمالا لهذه الفضائية.

وإذا كان ذلك وارد في بعض الدول الأخرى، فإن “الإسلاميين” المغاربة خاصة الذين اختاروا المشاركة السياسية ونعني بذلك حزب العدالة والتنمية، هم الأكثر تضررا من هذه الحملة، وهم صابرون على تحمل مضارها.

لقد ادعى الكثيرون وجود “كتائب الكترونية” لدى حزب العدالة والتنمية يقوم أفراده من خلالها بالتعليق على الأخبار انطلاقا من خلفية سياسية، لخلق رأي عام. وأنا أرى أن من ما يلمسه البعض من تفاعل المناضلين مع الأخبار عائد بالأساس إلى الانتشار الواسع لهم على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو تفاعل يعتقد معه أنه “منظم بشكل مركزي ومسبق” في حين أن الخلفية السياسية الموحدة للمناضلين ورغبة المتعاطفين في إنجاح تجربة “حكومة دستور 2011” هي الدافع المشترك لكل ذلك التفاعل.

وفي المقابل فقد يظهر أيضا أي التيارات الحزبية الأخرى قد لجأت إلى “كتائبها الإلكترونية لتبخيس كل مبادرة حكومية”، لكن الأخطر كما قلنا إلى تحول بعض المواقع الألكترونية إلى “وكالة الأخبار الزائفة” التي حذرنا من مخاطرها الكبيرة.

نحن اليوم مطالبون بحملة مضادة يقودها المثقفون والإعلاميون من أجل حصر الظاهرة وبيان خطرها على الديمقراطية الناشئة في المغرب، دون حسابات سياسية، نحن معنيون برفع الوعي السياسي لدى مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي. صحيح أن الأمر ليس سهلا، لكن العزيمة وتضافر الجهود ستكون أقوى من أي محاولة لتقويض التجربة الديمقراطية المغربية.