وجهة نظر

وداعا 2021 مرحبا 2022

عند نهاية كل سنة ميلادية يكثر الحديث عن أهم الأحداث التي طبعت السنة المنقضية ويسود خطاب الأمل بالنسبة للسنة المقبلة. وإذا كنا لا نملك سوى أن نتحلى بالنفس الإيجابي ونتشبث بروح الأمل، وهي أسمى طريق للحفاظ على جودة الحياة، فهذا لا يمنعنا من وصف واقعنا العربي خلال سنة 2021 بالواقع المحزن والعلاقات المتردية. سنة 2021 لم تشهد حلولا للمشاكل الكبيرة والكثيرة التي يعيش تحت وطأتها العالم العربي، بل استمرت تلك المشاكل وزادت تعقيداتها لتجعل سنة 2022 تستلم الواقع العربي وهو في وضعية أقل ما يمكن أن نقول عنها إنها أكثر تعقيدا وأبعد مسافة عن الحلول. وإلى جانب الأزمات القائمة، انضافت أزمات جديدة مرتبطة بالوضع الداخلي لتونس وتصعيد التوتر بين الجارين المغرب والجزائر وصل إلى قطع الغاز والعلاقات الدبلوماسية من قبل الجزائر. وتبقى نقطة الضوء في العلاقات العربية هي قمة العُلا في المملكة العربية السعودية التي أرست معالم المصالحة بين دول الخليج بعد أن تبين للجميع أن الصراع الخليجي هو خسارة لكل دول الخليج ولا دولة واحدة يمكنها أن تجني ثمار النصر من خلال العلاقات المتوترة.

وإذا كان قدرنا التشبث بالأمل، رغم أن الواقع العربي يقول عكس ذلك، فإن المصالحة الخليجية تبقى الأمل الذي يمكنه أن يبرز لكل الدول العربية أن المصالحة وحل المشاكل عن طريق الحوار هو الخيار الأنسب للرقي بمجتمعاتنا وفتح طريق التقدم والنماء خلال السنة القادمة. أما الصراع والإمعان فيه كما تفعل الجزائر من جارها المغرب، فالكل يكون خاسرا، ولا شيء يمكنه تفسير هذا الإمعان في تعقيد الخلاف سوى الغباء السياسي السائد، مع كامل الأسف، في أكثر من موقع في عالمنا العربي. إن قمة العُلا أرست منطقا جديدا في كيفية تجاوز الخلافات مفاده التوجه نحو المستقبل بروح التعاون والوئام، وتجاوز النبش في الماضي لتفادي إذكاء الخلاف بالبحث عمن أخطأ. فدول الخليج في قمة العُلا، لم تفتح صفحة خلافات الماضي ولم تناقش من المسؤول عنها، لأن أي صراع بين الكيان الواحد يكون فيه الجميع مخطئا وخاسرا.

روح المصالحة الخليجية نجدها في خطاب ملك المغرب حين توجه بالكلام إلى الرئيس الجزائري وأقر له أن القيادات الحالية للبلدين لا تتحمل أي مسؤولية في الخلافات القائمة منذ عقود، ودعا الرئيس الجزائري إلى طي صفحة الماضي والتوجه قدما نحو المستقبل. لو ساد منطق العقل، لاستجاب النظام الجزائري لدعوة ملك المغرب، ولاستقبلنا سنة 2022 بعلاقات جديدة بين المغرب والجزائر كان سيستفيد منها جميع دول المغرب العربي وعلى رأسهم ليبيا وتونس. فعوض الاستجابة لدعوة المملكة المغربية، ومصافحة اليد المغربية الممدودة، اختار النظام الجزائري التصعيد وقطع العلاقات ليس الديبلوماسية فحسب، بل حتى البرية والجوية. فماذا استفاد النظام الجزائري من هذا التصعيد؟ هل وجد حلولا لمشاكله الاقتصادية؟ هل تراجع شبابه عن حلم الهجرة وركوب قوارب الموت؟ هل أصبحت البلاد في أحسن الأحوال؟ ليست الجزائر هي الخاسرة، بل المغرب هو كذلك خاسر ومعهم المغرب العربي ككل.

لو استفاد العالم العربي من المصالحة الخليجية وتبنى روح هذه المصالحة القائمة على أساسين اثنين: تجاوز خلافات الماضي والنظر إلى المستقبل، لشهدنا بداية تعميم المصالحة في سوريا واليمن وليبيا وكذلك الخلاف بين الجزائر والمغرب.

على الصعيد الدولي حدثت الكثير من الأحداث، وركز الكثير من المراقبين اهتمامهم على صراع النفوذ بين أمريكا والصين، وصراع روسيا مع العالم الغربي حول أوكرانيا، ومنهم من تحدث عن حرب عالمية ثالثة. كل تلك التحاليل التي تتحدث عن تأزم صراع القوى العظمى لا تخرج عن دائرة إثارة الاهتمام وجلب الأنظار. فالكل يعلم أن القوى العظمى تملك اقتصادا قويا وتسيطر على التجارة الدولية ولها مصالح عليا، وتملك من الحكمة والتعقل ما يجعلها لا تغامر قيد أنملة بمصالحها. فهي تعرف جيدا أن أي حرب فيما بينها ستكون مدمرة على الجميع والكل سينال حظه من التدمير. لذلك نجد الخلافات بين الدول العظمى يحكمها سقف من التوتر حددته قوتها العسكرية ومصالحها الاقتصادية. وهو سقف لا يمكن أن يتجاوز العقوبات الاقتصادية والحروب الكلامية. لذلك نجد الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يتردد في اللقاءات الثنائية سواء مع بوتين أو الرئيس الصيني مهما بلغت حدة الخلاف. إنها لغة الدول التي تحمي مصالح شعوبها عكس ما يحدث في عالمنا العربي حيث التصعيد هو سيد الموقف مهما كانت الخسارة. ولعل التصعيد الجزائري الأخير ضد المغرب خير مثال على ذلك.

لو أردنا الحديث عن أهم الأحداث التي طبعت سنة 2021، فسنقول حدثين فقط لما لهما من دلالة في المستقبل. والحدثان ليسا مرتبطين لا بأزمة أوكرانيا ولا بالصراع الأمريكي الصيني. الحدث الأول هو ما وقع في 4 أكتوبر من السنة الماضية حين تسبب عطل تقني في إيقاف جميع منصات التواصل الاجتماعي وتأثرت شعوب العالم بهذا العطب، حتى ساد الاعتقاد بأن العالم على وشك أن يتوقف هو الآخر. الحدث الثاني هو الرحلات السياحية نحو الفضاء التي تمت في صيف 2021 والتي لم تقم بها الدول العظمى وإنما تندرج في مشاريع طموحة لثلاثة مليارديرات: البريطاني “ريتشارد برانسون” في سفينته الفضائية “فيرجين غالاكتيت”، والأمريكي “جيف بيزوس” في مركبته الفضائية “بلو أوريجين”، وأخيرا الأمريكي “إيلون ماسك” في مركبته “سبيس إيكس”. نعتقد أن هذين الحدثين يلخصان عالم الغد الذي سيتحكم فيه أشخاص مغمورون بعدما راكموا ثروات بمليارات الدولارات وليس الدول مهما بلغت عظمتها. لكن هذا الأمر لا يمنع من حدوث بعض الإخفاقات التي يمكنها إيقاف هذا الطموح المغمور وهو ما تعكسه كارثة التوقف الكامل للشبكات الاجتماعية وكأن العالم توقف عن الحركة هو كذلك.

الأكيد أن سنة 2022 ستشهد سياحة جديدة اسمها السياحة الفضائية، والأكيد كذلك أن الصراعات العربية ستستمر خلال هذه السنة بما فيها التصعيد الجزائري ضد المغرب ما دامت هذه الصراعات يحكمها الغباء السياسي بدل منطق المصالحة الخليجية.

سنة سعيدة للجميع وكل عام والصراعات العربية بألف خير!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *