خارج الحدود

يبلغ مجموعها 150 يوما في السنة.. من يمنع وضع قانون لتقليص العطل في العراق؟

العراق

تعدّ ظاهرة كثرة العطل الرسمية في العراق واحدة من أكبر المخاطر التي تشلّ الحياة العامة لا سيما ما يخصّ تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين، وما يتعلق بالتربية والتعليم، وما يلحق ذلك من أضرار اقتصادية وعامّة، لتأتي المجاملات السياسية وتدخّل الأحزاب في مقدمة الأسباب التي تمنع تشريع قانون يُقلّص أيام العطل، رغم المحاولات المتعددة للبرلمان لكن دون جدوى.

وفضلا عن عطلة ‏نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت،‏ توجد في العراق نحو 15 عطلة رسمية معتمدة في التقويم الرسمي للحكومة، تبدأ من عيد رأس السنة الميلادية من كل عام في الأول من يناير/كانون الثاني، وتنتهي بعطلة مولد السيد المسيح في 25 ديسمبر/كانون الأول في نهاية العام، وتمتد بعض العطل أياما عدة.لكن تقارير وإحصائيات رسمية وغير رسمية تُشير إلى أن العراقيين يتمتعون بنحو 150 يومًا من ‏العطل الرسمية سنويًّا، حيث يكون أكثر من 30% من هذه العطل لمناسبات دينية مختلفة ومتعدّدة لكل الطوائف التي تضاعفت عطلها كثيرًا بعد الغزو الأميركي للبلاد والإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003.‏

وكان العراقيون قبل عام 2003 يحصلون على يوم واحد أسبوعيا عطلة رسمية، بالإضافة إلى العطل الرسمية الأخرى الخاصة بالأعياد الوطنية والدينية.

ومنح القانون العراقي حكومات المحافظات المحلية الحق في إعلان يوم عطلة لسكان المحافظة دون غيرها حسب ما تقتضي الحاجة، وبات ذلك يتكرر بين شهر وآخر في محافظات عدة ولأسباب مختلفة، لا سيما في المناسبات الدينية.

وأقرّت الحكومة العراقية سابقا قانونا يتضمن العطل والأعياد الرسمية العراقية، ألغيت بموجبه كل ‏العطلات الأخرى في عهد الرئيس الراحل صدام حسين باستثناء 14 يوليوز يوم تأسيس النظام الجمهوري ‏العراقي عام 1958، ويوم 15 شعبان وهو ذكرى ما تعرف بالانتفاضة الشعبانية ضد النظام السابق، ويوم السادس ‏من يناير/كانون الثاني ذكرى تأسيس الجيش العراقي. ‏

مجاملات سياسية

وسعى مجلس النواب العراقي مرّات عدة لإقرار مشروع قانون العطلات الرسمية وتقليصها بسبب تعطيلها لمصالح المواطنين أكثر من الحدّ اللازم، وتعطيل الحياة اليومية في بعض المحافظات، وما تُكبّد البلاد من خسائر مالية واقتصادية كبيرة، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل، لأنّ أغلب العطل تكون إما وطنية أو دينية.

وترى عضوة الدورة السابقة لمجلس النواب العراقي ريزان شيخ دلير أن أغلب العطل حسب المكونات والأحداث اليومية هي لمُجاملات سياسية، وفي كل بلدان العالم تكون العطل محددة لكن العكس يحدث في العراق، والمواطنون لديهم مشاكل ومعاملات في دوائر الدولة وتحديدًا المحاكم، فكثرة العطل تؤخر كثيرا منها أسابيع أو أشهرا أحيانًا، فيكون المواطن هو المتضرر منها.

وتقرّ شيخ دلير أن العدد الهائل في العطل الرسمية يُصيب المؤسسات الحكومية والتعليمية بالشلل، حيث تُعاني المدارس من عدم قدرتها على إكمال المناهج الدراسية، كما أن ما يتلقاه الطلاب خلال العام الدراسي ضئيل وغير كافٍ لتطوير مهاراتهم.

وتعلّق شيخ دلير على كثرة المناسبات الدينية لأيّ مكون متسائلة عن عدم اقتصارها عليه، ومستنكرة تعميمها بشكل عام، فذلك يسبب تعطيل أعمال المواطنين ومعاملاتهم في دوائر الدولة.

وتعقيبًا منها على محاولات الدورات السابقة للبرلمان لإقرار مشروع قانون تعديل العطل الرسمية، تُضيف شيخ دلير في حديثها للجزيرة نت أن مشروع قانون تحديد أيام العطل الرسمية طرح أكثر من مرة ولكن لم يشرّع وتم ترحيله إلى الدورة اللاحقة، وتتساءل في انتقاد منها لأداء البرلمان: “هل أقرّ مجلس النواب أو عالج مشكلة من مشاكل المواطنين؟”، مؤكدة أن كثرة العطل تقف وراءها الأحزاب السياسية.

التربية أكبر المتضرّرين

وكانت السلطات العراقية قد عطّلت الدراسة في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية باستثناء الصحية منها وبعض الدوائر الخدمية بعد توسع جائحة كورونا عام 2020، وإعلان حظر تجول عام أولًا وجزئي لاحقًا، ليكون قطاع التربية والتعليم أكثر القطاعات تضررًا من ذلك.

وحينذاك، حصرت وزارة التربية العراقية الدوام بيوم واحد لكل مرحلة دراسية في المدارس، وهذا ما انعكس سلبًا على عدم استكمال كثير من المناهج المُعدّ لها سابقًا الخطط لإكمالها وفق مدة زمنية معيّنة، إلا أن الوزارة عادت وزادت أيام الدوام الحضوري وجعلته 4 أيام في الأسبوع الواحد مع يوم خامس تكون الدراسة فيه عن بعد.

ولا يخفي المتحدث الرسمي باسم الوزارة حيدر فاروق أن العطل الرسمية قد تربك العملية التربوية نوعًا ما، ويؤكد للجزيرة نت أنه يمكن استيعاب ذلك من خلال الدروس الإلكترونية التي تعطى للطلبة والتلاميذ، ويشير إلى أنّ العملية التربوية تواجه كثيرا من المصاعب والتحديات وليست في عالم وردي، لكن الوزارة تعمل باستمرار من أجل اجتيازها بسلامة.

وعلى المستوى الاقتصادي، ففي بلد مثل العراق اقتصاده الحقيقي معطّل ولا يملك إلا مصدرًا واحدًا لتمويل موازناته التشغيلية هو النفط، فإن العطل الرسمية وغير الرسمية لا توثّر فيه، كما يقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن الشيخلي مستشهدًا بذلك بموظفي وعُمال القطاع الخاص وبأخذ نموذج منهم لمعامل ومنشآت كانت صناعيه منتجة في هذا القطاع قبل عام 2003 ويتقاضون رواتب شهرية منذ 18 سنة من دون عمل، ويبلغ عدد هولاء العاملين (غير العاملين) أكثر من 400 ألف عامل وموظف.

أمّا في القطاعات الأخرى فتبلع نسبة العمل من أصل (7-8 ساعات) يوميا بين (13-17 دقيقة) فقط يوميا، وذلك حسب إحصائيات صندوق النقد والبنك الدوليين، وهذا ما يدفع الشيخلي في حديثه للجزيرة نت إلى التساؤل: أين المشكلة إذا صادفت في الأسبوع 3 أو 4 أيام عطلة؟ ويقول إنهم أشبه بالعاطلين، لكنّه يستثني من ذلك العاملين في قطاعات الصحة والأمن والخدمات.

كثرة العطل والكسل

في المقابل، تُخالف الباحثة النفسية والاجتماعية شهرزاد العبدلي رأي الشيخلي في زاوية واحدة، وتقرّ بسلبية كثرة العطل على إنتاجية ما هو موجود بالبلد رغم وجود عدد قليل من المصانع والشركات لا سيما المواطنين المراجعين الذين يحاولون إنجاز معاملاتهم في الدوائر الحكومية.

فكثرة أيّام العطلة في أي بلد تُعطي لمجتمعه صفة “الكسل”، كما تقول العبدلي في حديثها للجزيرة نت، وهذا ما تُلاحظه من ميل العامل أو الموظف العراقي إلى الكسل نوعًا ما لأنه ليس لديه قيمة للوقت بسبب سلبية كثرة العطل التي تجعله متكاسلًا.

ورغم انتقادها اللاذع لكثرة العطل، فإن الباحثة الاجتماعية لا تنفي وجود إيجابيات فيها لفئة محدّدة من خلال تمتعها بالعطل بزياراتها وأسفارها لا سيما العطل المتمة ليومي الجمعة والسبت، “لكن لو قورنت الإيجابيات بالسلبيات، فإن الأولى لا توازي الخسائر التي تُسببها الثانية للدولة”.

وتشير إلى أن كل يوم عطلة يُكلف الدولة مبالغ طائلة، إلا أنه قد يزيد من حركة السوق لأصحاب المحال والأسواق التجارية لأن الطلب على الاحتياجات اليومية يزداد في أيام العُطل.

المصدر الجزيرة نت

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *