منوعات

حتى لدى البكتيريا.. نقص المعلومات وسرعة معالجتها تقيد من أداء الكائن الحي وسلوكه

 تُكيّف الكائنات الحية سلوكها وحركتها بناء على المعلومات التي تحصل عليها من بيئتها المحيطة. غير أن هذه المعلومات قد تكون ناقصة أو غير صحيحة في كثير من الأحيان. لكنه يتحتم على الكائنات الحية التصرف حتى في حالة كهذه من عدم اليقين الذي توفره المعلومات. فهل تحد وفرة المعلومات وسرعة معالجتها من أداء الكائن الحي؟

نظرية المعلومات تقدم الجواب

حديثا، قدمت دراسة بحثية نشرها باحثون من جامعة ييل في دورية “نيتشر فيزكس” (Nature Physics) في 25 نوتبر الماضي إجابة عن هذا السؤال.

إذ أظهرت النتائج التي توصل إليها العلماء أن المعلومات التي تجمعها بكتيريا “الإشريكية القولونية” (Escherichia coli)   من بيئتها تحد من أدائها في عملية تعرف باسم “الانجذاب الكيميائي ” (Chemotaxis)، وهي الآلية التي توجه بها البكتيريا تحركاتها إثر استجابتها للإشارات الكيميائية من حولها.

وطبقا للتقرير الذي نشره موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org) يقول باحثو الدراسة إنه “منذ أن صيغت نظرية المعلومات أول مرة حوالي عام 1950، أدرك العلماء أنها قد تكون أداة قوية تحكم كيفية تعامل الكائنات الحية مع صخب البيئة المحيطة”.

وقد ركزت غالبية الأبحاث السابقة على دراسة كم المعلومات التي يمكن للخلايا الحصول عليها من بيئتها. إذ تشير القياسات التي جمعت حتى الآن إلى أن الأنظمة البيولوجية تنقل المعلومات بشكل فعال وهي ملتزمة بالضوابط الأساسية التي تفرضها عليها قوانين الفيزياء.

غير أن “الحصول على المعلومات ليس نهاية المطاف. بل يجب التعامل معها بالشكل المناسب” كما يقول فريق الدراسة. ولذا، فقد سعى الباحثون إلى التحقق من أن الكائنات الحية تُحقّق أقصى استفادة من المعلومات التي تكتسبها وذلك بأداء سلوكياتها ووظائفها المتنوعة بشكل فعال أم لا.

معدل اكتساب المعلومات

اختار الباحثون سلوكا بسيطا -كسلوك الانجذاب الكيميائي- للتحقق من مقدار المعلومات التي تحتاجها البكتيريا لإنفاذ هذا السلوك. إذ تجمع بكتيريا الإشريكية القولونية -خلال هذا السلوك- المعلومات المتعلقة بالإشارات الكيميائية المحيطة بها. ومن ثم تستخدم هذه المعلومات لضبط سلوكها وتحديد الاتجاه التي ستسلكه، إما اقترابا نحو العناصر الغذائية أو ابتعادا عن المواد السامة.

ولتحديد المعدل الذي تجمع به البكتيريا المعلومات أثناء عملية الانجذاب الكيميائي، فقد تحتم على الفريق فهم الكيفية التي تترجم بها البكتيريا الإشارات من حولها إلى نشاط مقابل.

ولذلك، قام الفريق بتغيير تركيزات المغذيات الموجودة في بيئة البكتيريا ومن ثم قياس نشاطية البكتيريا في ذات الوقت. كما قام الفريق في بعض التجارب بمنع مثل هذه المعلومات (أي عدم توفير هذه المغذيات) وقياس مقدار تشوش استجابة البكتيريا. الأمر الذي مكنهم -لأول مرة- من تقدير كمية المعلومات التي يمكن للبكتيريا أن تستخلصها من بيئتها؛ وذلك أثناء تنقلها في هذه التدرجات من الإشارات الكيميائية. ولتحديد سرعة استجابة البكتيريا لهذه التدرجات الكيميائية، فقد تتبع الفريق مسارات سباحة البكتيريا أثناء تنقلها في هذه التدرجات.

كفاءة أكبر

وقد مكن الجمع بين قياسات كمية المعلومات المكتسبة من البيئة وبين سرعة تنقل البكتيريا في التدرجات الكيميائية من معرفة مدى كفاءة استخدام البكتيريا للمعلومات من حولها.

وقد وجد الفريق أن سباحة البكتيريا في البيئات الضحلة جعلها تكتسب القليل من المعلومات من بيئتها. وكان معدل انتقالها يقدر بـ0.01 بت/ثانية (bits/s). وللمقاربة، فلو أن انتقال المعلومات على الإنترنت كان بهذا المعدل، فإنك ستحتاج إلى آلاف السنين للحصول على نسخة من أي فيلم تقليدي.

وبالتالي، فإن استخدام القليل من المعلومات وبسرعة تقترب من الحد الممكن نظريا يشير إلى وجوب استخدام هذه المعلومات بكفاءة عالية لأداء مهام محددة.

ويختتم الباحثون أن “معدل انتقال المعلومات في البكتيريا يعد أقل بأضعاف عن المعدل الذي تستخدمه الخلية لتقرير اتجاهها، والمقدر بـ1 بت/ثانية. هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها تطبيقا لنظرية المعلومات لوضع قيود على أداء الكائن الحي وسلوكه. ومن ثم فإنها تربط بين دقة انتقال البيانات وبين القدرة على إنفاذ الوظائف المهمة لإبقاء الكائن الحي على قيد الحياة”.

المصدر: الجزيرة نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *