أدب وفنون، مجتمع، وجهة نظر

بوفوس: غامرنا بحياتنا كثيرا لتصوير حلقات برنامج أمودو

محسن برهمي∗

أمودو، وثائقي يبث على القناة الأولى المغربية قرابة عشرين سنة، يجمع بين الصورة والجمال والاحترافية في التصوير والإخراج، لكن بفضل تعليق بصوت عذب أخاذ تقف مندهشا أمام روعة هذا الوثائقي الذي يعرض بشكل أسبوعي، يسافر بك إلى أماكن في المغرب تكاد لا تعرفها، ماجعله يحصد العديد من الجوائز داخل المغرب وخارجه.

مخرج هذا البرنامج، حسن بوفوس، الذي أبهر الجميع بصوته وجعل الجميع يتساءل من هو؟. في هذا الحوار سنكتشف مع المخرج، حسن بوفوس عن بدايته في مجال السمعي البصري وعن سر استمرارية برنامجه والمخاطر التي يواجهونها أثناء التصوير.

أولا؛ مرحبا بك، هلا حدثنا عن أولى خطواتك في مجال السمعي البصري والإخراج الوثائقي؟

-شكرا، أنا خريج جامعة ابن زهر شعبة التاريخ سنة 2000، صراحة حلمي منذ الصغر كان هو الإخراج؛ مخرج أفلام، مخرج في السمعي البصري عامة. وفي حدود وصولي إلى الجامعة لم أتخيل يوما ما أن حلمي سيتحقق، لكن تابعت ذلك الشغف من خلال المشاركة في النادي السينمائي للكلية بقيادة السيد محمد بنيحيى لمدة أربع سنوات، وبعد هذه المدة مباشرة وبعد حصولي على الإجازة اشتغلت مع شركة “فوزي ڤيزيون” مباشرة، وكان أول عمل لي هو الحلقة الأولى من برنامج أمودو.

راكمت تجربة لا بأس بها من خلال هذه الشركة إذ انني لم أكن قد اشتغلت من قبل مع شركات أخرى. عملت بشكل رسمي طبعا كمتدرب في البداية، وبعد شهور من الكفاح والعمل الجاد حتى بدأت الممارسة على أرض الواقع، حيث أنني وجدت علاقة وطيدة بين شعبة التاريخ التي كنت أظنها بعيدة عن مجال اشتغالي. هكذا كانت بدايتي هذا المجال بكل اختصار.

أما بالنسبة للإخراج الوثائقي؟

في البداية كانت مهمتي هي التوضيب، ولكن بعد خمسة أشرطة، ارتأت الشركة أن تنيط إلي مهمة الإخراج لما رأته في من كفاءة ومن رؤية إبداعية إخراجية في ذلك الوقت أنا أتحدث عن سنوات 2000-2001-2002, وكان أول شريط وثائقي أنجزته في إطار سلسلة أمودو هي حلقة “إبل بلال” التي تتحدث عن الحياة اليومية لراعي إبل في الصحراء المغربية.

أمودو، هي كلمة أمازيغية وإسم سلسلتك الوثائقية التي تداع أسبوعيا على قناة الاولى المغربية، هلا شرحت لنا معنى ودلالة هذا الاسم؟

كلمة أمودو، هي كلمة امازيغية من فعل ” إدا” التي تعني ذهب، سافر، أو غادر، إذن؛ وبكل بساطة فهي تعني السفر. أما سبب الاختيار، فإننا لم نكن نريد أن يحمل برنامج للاستكشاف والتجوال عنوانا كلاسيكيا معروف أو مجتر، فاخترنا هذه الكلمة الرنانة الأمازيغية بحكم هويتنا الأمازيغية، زد على ذلك أنه عنوان يجذب ويشد الانتباه.

أنت مخرج ومعلق برنامج أمودو ، والكثيرون معجبون بصوتك، هل تظن أن صوتك قوة إضافية؟

الفيلم الوثائقي عبارة عن سيمفونية لحن يشارك فيها مجموعة من العازفين، فمثلا؛ إذا آلة اصابها خلل أو الفنانين المكونين لهذه السيمفونية أخطأ في نوطة واحدة سيحس المشاهد أو المتابع بخلل ما، نفس الشيء؛ الصوت له نسبة معينة في نجاح البرنامج، الأمر ذاته ينطبق على الموسيقى، التصوير، اختيار كلمات التعليق، الإضاءة، حضور المقدم في البرنامج… فمنذ بداية البرنامج إلى حدود اللحظة من خلال الرسائل التي تصلنا والتعاليق على مواقع التواصل الاجتماعي ،فإن الصوت شغل كثيرا اهتمام المتابعين فعندما تسافر قافلة أمودو عبر ربوع المملكة ونلتقي مع شخصيات، أناس ، أهل المنطقة، فأول سؤال يطرح هو أين صاحب الصوت؟ فالحمد لله والشكر والمنة على النعمة التي يجب أن نشكر الله سبحانه تعالى عليها.

ما سر استمرارية البرنامج الوثائقي أمودو لعشرين سنة؟

هذه السنة نحتفل بالذكرى الواحدة والعشرين، والسبب كما أقول دائما هو حب الفريق لعمله، فريق البرنامج في عمومه هم أناس يضحون بالغالي والنفيس من أجل استمرارية البرنامج طوال هذه المدة، صحيح ان التحديات كبيرة ويستحيل في بعض الأحيان اتمام بعض المهام وتلبية بعض الرغبات لكن الحمدلله في النهاية يكون رضى على المحتوى وعلى ما حققناه ، فالسر إذن كما ذكرت سلفا هو حب الفريق للعمل، فمثلا منتج البرنامج لا يسعى من وراء عمله الى الربح المادي في الدرجة الاولى ،فهو يسعى الى الجودة واظهار المغرب بشكل جميل ، وبشكل يبدو فيه الغنى الثقافي والحضاري والمؤهلات التي تزخر بها البلاد هذا كل شيء باقتضاب.

ما هي المخاطر التي تواجهونها أثناء التصوير؟

-غالبا هي مخاطر في مواجهة الطبيعة، فالبرنامج كما معروف عليه منذ بداياته يهتم بالمغارات ،الوديان، الجبال، الوديان والمضايق… صراحة غامرنا بحياتنا مرات كثيرة فعلى سبيل المثال، في الصحراء هناك منطقة اضطررنا للذهاب إليها لتصوير بعض مقابر ما قبل الاسلام ، تعود الى حوالي 2300 سنة قبل الميلاد ، وهذه المقابر عبارة عن صخور منتصبة الى السماء في شكل هندسي رائع ولم يتمكن أحد من تصويرها لسبب واحد وهو وجود الألغام بجوار المنطقة، فالوصول إلى هناك مغامرة في حد ذاتها ، وتمكنا من الوصول والتصوير. لكن بعد لحظات عصيبة ، فانا شخصيا كنت بين خطوة وأخرى اتلو الشهادتين وانتظر ان ينفجر لغم تحت قدمي . أما بالنسبة لمقدم البرنامج الذي يظهر على شاشة التلفاز وهو منتج البرنامج في نفس الوقت، دخل لإحدى المغارات و أثناء سباحته في بحيرة موجودة داخل جبل لم يجد طريقة للعودة وكانت قارورة الاكسجين التي يحملها على ظهره لا تتجاوز مدة عشرين دقيقة . وتمكنا من إنقاذه في آخر لحظة. كل هذه المخاطر من الضروري أن يصادفها المستكشف لأننا نبحث في البرنامج عن كل ماهو جديد ومثير. إذ توجد مناطق عذراء لم تصلها الكاميرا ابدا لان الوصول اليها يستدعي تقنيات و مجهودا بدنيا كبيرا جدا لوعورة المسالك .

أمودو برنامج مغربي ويبث على قناة مغربية، هل نرى يوما ما” أمودو” على قناة أجنبية؟

في الحقيقة كانت هناك مبادرة من قناة الجزيرة فيما سبق منذ أكثر من 15 سنة قبل أن تكون الجزيرة الوثائقية وقدم تم الاتفاق على بث بعض الحلقات من البرنامج ،لكن بعض المشاكل السياسية حتمت عن أن تقطع ربما العلاقات لفترة معينة فلم يقدر للبرنامج ان يمر، وقد أتت كذلك قناة كويتية عبرت عن اهتمامها. أظن أن أمودو من الجيد ان يبث على القناة الاولى لان العالم اصبح قرية صغيرة . ما الفرق ان يبث هنا أو هناك؟ بل العكس فنحن نريد ان نجعل التلفزة المغربية تنافس القنوات الاجنبية المعروفة والرقي بها.

إذن في نظرك ماهو سبب ضعف الإنتاج الوثائقي في المغرب؟

في الحقيقة الإنتاج الوثائقي كان في ما مضى ضعيفا يعني قبل سنوات 2000، إذ كانت الأفلام الوثائقية تعد على رؤوس الأصابع ، اذكر السلسلة الوثائقية “على ضفاف الانهار” و”كنوز” لسيد عمر أمرير،و بعض الاشرطة الوثائقية المستقلة.لكن مع مجيء أمودو رسخ لسلسلة أخذت بعدا آخر فقد كان البرنامج يساير التطور التكنولوجي ،فكل ماهو جديد في السوق نقوم بجلبه، بالنسبة للكاميرات كنا أول من استعمل HD في 2006 وأول من استخدم كاميرة HDCAM SR, وكذلك أول من جلب كاميرا fantome التي تصور بتقنية العرض البطيء-2700 صورة في الثانية أو أكثر-. وكذلك تقنية 4k والدرون . كل هذا جعل البرنامج يرسخ مكانته وأصبح مثلا أعلى للذين يريدون دخول غمار الإنتاج الوثائقي. فمع نهاية القرن 20 ومطلع القرن 21 بدأت الانتاجات الوثائقية تكثر، ومؤخرا قررت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية ان تزيد من ميزانية الإنتاج الوثائقي ما شكل طفرة كبيرة ونقلة نوعية في الإنتاج مقارنة بالسنتين او الثلاث السنوات الماضية.

ثلاثة عشر موسم مدة طويلة لابد أنكم عشتم مواقف لاتنسى.ماهو اكثر حدث بقي راسخا في ذاكرة حسن بوفوس؟

-كل السنوات التي مرت هي سنوات زاخرة ومغامرات كثيرة لاتعد ولاتحصى، هناك موقف الألغام كما حكيت لك ،حادثة الغرق، هناك مواقف اخرى في منطقة شفشاون مثلا عندما كنا نبحث عن احدى المغارات ظللنا الطريق وفي ظلام دامس وامطار دون سابق إنذار ولم نستطع تغطية الآلات ( الكاميرات وآلات الإضاءة).لكن ما يمكن ان اقوله هو رغم هذه الخطورة. الأحداث الجميلة هي التي بقيت راسخة في ذاكرتي و تلك الأوقات التي نقضيها معا،مع فريق احببناه بعضهم انتقل الى الرفيق الاعلى رحمهم الله وما زلنا نتذكرهم ونتأسف لرحيلهم ، ومن بقي منهم على قيد الحياة نتمنى ان يمد الله في عمرهم وأن يمتعه بالصحة والعافية.

شكرا على وقتك، وعلى قبول الدعوة للتحاور معنا. اتركك مع كلمة أخيرة .

-تحياتي لك ، واشكرك على هذا الاهتمام وهذا الاختيار . اتمنى صراحة ان يكون برنامج أمودو قد حقق مراده ، أن يكون قد ساهم في الرفع من مستوى الإعلام الوطني ، ساهم في نفض الغبار على الكثير من المناطق المغربية العميقة والمنسية، وادعو الله ان يمدنا بالقوة لكي نستمر ان شاء الله ونحقق المزيد ، و للإشارة فقط فالبرنامج مؤخرا غير وجهته بعدما تم اكتشاف أن هناك نمر او عائلة نمور ربما بالمغرب ما شكل صدمة بالنسبة لعلماء البيئة الذين حسموا في قضية انقراض الحيوانات المفترسة بالمغرب منذ زمن، الان البرنامج في السنوات الأخيرة يحاول قدر المستطاع تصوير هذا الحيوان بشتى الطرق بالرغم من صعوبة الأمر، ولكننا متأكدون من وجوده بسبب دلائل في الطبيعة و شكرا .

محسن برهمي، طالب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *