منوعات

5 خطوات كي لا يستغل الآخرون لطفك وطيبتك الزائدين

يعرف أشخاص بأنهم لا يقولون “لا” أبدا أو إلا ناذرا، فيوصفون بأنهم لطفاء وطيبون. ويعاني هذا النوع من الناس في علاقاتهم الاجتماعية من أشكال من “الاستغلال” من غيرهم، فيعيشون في دوامة من العجز عن قول “لا” ومعاناة الانخراط في برامج الغير دون رغبة أو محرجين.

واللطف الزائد الذي يستغلّه الآخرون والذي يحرم صاحبه من التعبير عمّا يريد، مشكلة معروفة في علم النفس ولها خطوات علاجية وتمارين بإمكان المعني اتّباعها. وهذا المقال، لـ”الجزيرة نيت”، يقدم التمارين والحلول المباشرة لمشكلة استغلال الآخرين والأدوات التي ستساعد “الضحية” والحلول المقترحة، كما يجيب عن سؤال لماذا يحدث ذلك؟ وكيف نفهم بشكل تفصيلي ومُعمّق جذور المشكلة والنظريات التي تفسّرها.

ماذا أفعل كي لا يستغلّ الآخرون طيبتي ولُطفي معهم؟

في علم النفس، يُطلق على الشخص شديد اللطف مع الآخرين وكثير المراعاة لهم ولمشاعرهم “الشخص التوافقي”، بشكلٍ عام، تكمن الخطوات العلاجية للتخلّص من السلوك التوافقي المُفرِط في تمارين سلوكية ولُغوية وتواصلية، ويُمكِن إجمال هذه الخطوات في خمس نقاط رئيسية:

  • أولا: افهم سماتك التوافقية

كأيّ مشكلة أخرى، يبدأ الحلّ دائما من تحديد أسباب المشكلة والتعمق في فَهمها، فتحديد المشكلة هو نصف الحلّ. لكنّ هذه المهمة ستكون حرجة بعض الشيء، فالمُتّهم هُنا هو أنت، شخصيتك. يحتاج الحلّ بعض الجُرأة بالاعتراف بأنّ كثيرا ممّا يحدث لنا من مشكلات قد نكونُ نحن أنفسنا سببا رئيسيا في إحداثها، فصفات الطيبة واللطف تُعتبرُ بالنسبة إلى أصحابها فضائل حَسَنة، لكنّ المشكلة تكمن حين نستخدم هذه الفضائل وسيلةَ تبريرٍ ذاتي لأنفسنا حين نعجز عن أَخْذ حقوقنا أو المُطالبة بها، فنستعيض عن استردادها بإقناع أنفسنا بأنّنا تنازلنا عنها بمحض إرادتنا لأنّنا أناسٌ طيّبون.

تبدأ الخطوة العلاجية في تنبّهكَ ابتداء لخطواتك أنت، لطريقة إجابتك وطريقة تعاطيك مع الآخرين، حين تستطيع أن ترصد هذا الجانب من شخصيتك، وحين تلحظ كيف تورّط نفسك بنفسك عن طريق عدم الإفصاح عن رغباتك الحقيقية. فهذا الجانب الجيّد من شخصيتك (اللطف) جيّد في نطاقات معيشية محدّدة، لكنّه يعود هو بنفسه عليك بالأعباء والأضرار حين تطبّقه في نطاقاتٍ أخرى، مثل الوظيفة أو أمام الغرباء أو الأصدقاء غير المُقرّبين، فتعجز عن رفض طلباتهم أو عن مواجهتهم حين يُقدمون على تصرّفاتٍ تؤذيك أنتَ شخصيا.

  • ثانيا: تمرّن على التفاوض في منزلك

المشكلة الرئيسية لديكَ، بوصفك شخصا توافقيا، هو أنّك تخشى التورّط في الخلافات والنقاشات التي قد تتحوّل إلى نزاعات، لأنّك تعتقد أنّ تحوّل النقاش إلى مشكلة سيُظهرُكَ بمظهر مُحرِج أو قبيح. لذلك يجب أن تتعلّم مهارات التفاوض، وتحديدا أن تتعلّم الاستمرار بالنقاش لإيصال ما تُريد دون أن تنفعل أو تسارع إلى إنهاء النقاش والتخلّي عمّا تريد قوله. ولكي يحدث هذا، هناك ثلاث مهارات مفتاحية يمكنكَ أن تُدرِّب نفسكَ عليها في منزلك من أجل تطوير قدراتك النقاشية:

  • حدّد طلبك بدقة

يجب أن تعرف تماما ما تريد. حينما تكون واثقا من قناعتك أو رغبتك أو حاجتك ستقف مدافعا عنها، ولن تجد مهربا أو مخرجا تُبرّر به لنفسك التخلّي عن النقاش حولها. من هنا تعلّم أن تقول ما تريد النقاش حوله بثلاث أو خمس كلمات واضحة ومُحدّدة (أريد تبديل هذه القطعة من فضلك) دون أن تقول كلاما فضفاضا وعاما وعشوائيا وزائدا عن الحاجة، فإنّ من شأن التردّد وعدم الوضوح أن يُقلّل من فُرَص استجابة الآخرين لطلباتك أو رغباتك، كما أنّه يجعلكَ عرضة للاتّهام والاستغلال بحجّة أنّك لا تعرف ما تريد أساسا.

 

  • أنشئ موقفا افتراضيا وتمرّن مع شقيقك

تتمّ هذه الخطوة عن طريق طلبك من صديقك المُقرّب أو شقيقك بأن يناقشك نقاشا افتراضيّا حول مسألة ما تخصّ العمل. في هذه الحالة عليك أن تتحدّى نفسك، اطلب من صديقك أو شقيقك الذي تتدرّب معه أن يضع لكَ حججا مضادة، لكي تتعلّم سرعة البديهة في استحضار الردود الفورية حين تُقابَل نقاطك بالنقد والرفض. إذ لا يكفي أن تتدرّب على التفاوض في ذهنك، وإنّما يجب أن تتعلّمه بمواجهة شخصٍ آخر غير ذاتك (مثل أن تقول لشقيقك أريد أن أطلب منك إعادةَ قَلَمٍ أخذته منّي لتوّك، وأن تقاوم الحجج التي أضعها لك بطريقةٍ فظّة، حتّى أتعلّم النقاش لفترة طويلة).

 

  • تجهّز بحجج مُتعدّدة واحتمالاتٍ مختلفة (ماذا أفعل حين تفشل حجّتي الأولى؟)

تعتمد هذه الخطوة على أن تتعلّم تجاوز التفكير ذي الخطوة الواحدة، إذ غالبا ما تفشل الحجّة الأولى للشخص التوافقيّ، إنّه يُفكِّر بخطوة واحدة فقط، مثل: يجب أن أطلب منه إغلاق النافذة لأنّني أشعر بالبرد. وحين يفعل ذلك ويفشل في تحقيق طلبه، فإنّه لا يجد أمامه خيارات أخرى للمواجهة لأنّه شخص توافقي ويخشى كثرة الإلحاح ويخشى التورّط في خلاف. لذلك يجب أن يكون لدى المرء أكثر من مُبرِّر وطريقة لإنفاذ طلبه (مثل: سأطلب منه إغلاق النافذة، أو سأطلب من مسؤول المكتب أن يُغلق النافذة بدلا من أن أطلب من الشخص الذي يجلس بجانبها).

 

  • ثالثا: تعلّم أن تقول “لا” حين تشعر بأنّه يتوجّب عليكَ ذلك

يتحمّل التوافقيون فوق طاقاتهم لأنّهم يخشون أن يُجيبوا بـ”لا”  كي لا يجرحوا مشاعر الآخرين ولا يتورّطوا معهم في خلاف أو جدال أمام باقي النّاس من حولهم.4 يجب أن يفهم التوافقيون أنّهم لا يستطيعون إرضاء جميع النّاس طوال الوقت، وأنّهم ليكونوا محبوبين فهذا لا يعني أن يدمّروا صحّتهم الذاتية ومصالحهم الشخصية للحصول على إعجاب الآخرين. فالمهم هُنا هو الموازنة بين الطلبات المرجوّة منهم وبين إمكاناتهم الحالية من وقت ومهارة وأموال وجاهزية نفسية وجسدية ونحو ذلك.

  • رابعا: تعلّم أساليب التواصل الحازم  (Assertive communication)

قد تبدو فكرة بسيطة، لكنّها فعّالة، صدّق أو لا تصدّق أن جزءا كبيرا من مشكلات التوافقيين قد تكون لغوية أو تواصلية. وبشكلٍ أدقّ، قد يتجاوز التوافقيون مشكلات طيبتهم من خلال استبدال إجاباتهم اليومية بإجاباتٍ أخرى.5 فهي عبارة عن تدريبات تواصلية ولغوية تُعلِّمك كيفية استبدال الإجابات التي تعرّضك للإخضاع بإجابات حازمة، على طريقة (قُل ولا تَقُل). وستجد في نهاية هذا المقال في فقرة (أدوات ستساعدك) جدوَلين اثنين يوضّحان لكَ بعض هذه التمارين.

  • خامسا: ارسم حدودا صحّية

في كتابه “المياه كلّها بلون الغرق”، يقول “إميل سيوران”: لا أحد يستطيع أن يحمي عزلته إذا لم يعرف كيف يكون بغيضا مع النّاس6. قد تكون هذه عبارة قاسية بعض الشيء، لكنّها بداية لقاعدة مهمة حول وضع الحدود الصحّية. والحدود الصحّية هي تلك التي تحافظ فيها على مسافة بينك وبين الآخرين بطريقة تضمن لكَ الأمان في أن تقول ما ترغب به حقّا دون التعرض لعواقب وخيمة. وتكمن المشكلة حين تُخلَط علاقات المهنة أو الوظيفة بعلاقات العائلة، وعلاقات العائلة بعلاقات الوظيفة، وكذلك حين نجعل من الرئيس في العمل أبا. نعم، قد يكون هذا مفيدا بعض الوقت، لكنّه سيعود باختراق خصوصيتك واستباحة أوقاتك ورغباتك في أوقاتٍ كثيرة، لذلك فإنّ رسم الحدود دائما ما يحافظ على العلاقات أكثر ممّا يُفسدها على عكس ممّا هو متوقّع.

أدوات ستساعدك

  • جدول (1): تمرّن على أساليب الردود الحازمة

جدول يُبيِّن نماذج كيفية الردّ على الأسئلة التي تحاول أن تستغلّ تأدّبك وطيبتك. تمرّن على الجدول جيدا، وأوكل إلى نفسكَ في كلّ أسبوع إحدى النقاط (مثل التطفّل)، وحاول أن تلحظ كلّ سؤال يحاول استغلالك، وأن تستخدم الإجابة المُثلى كما هو مقترح بحسب الأخصّائي النفسيّ6، ومن ثمّ راقب مدى تحسّنك في التواصل، ومدى تخلّصك من أعباء الأسئلة التي تحاول إحراجك أو استغلالك.

 

  • جدول (2): تمرّن على أساليب التواصل الحازم

كما سبق الذكر، يعتمد استغلال الآخرين لطيبتك على طريقة التواصل التي تقوم بها بالأساس، إذ يحدث عن طريق إجاباتنا الفضفاضة أن نخلق نوافذ مفتوحة للآخرين كي يقتحمونا، لأنّ الآخرين في نهاية المطاف يتفاعلون مع الإجابات التي تُقدّمها لهم. فيما يلي جدول يُوضِّح لكَ أهمّ الأخطاء التواصلية اللطيفة، والتي عبر تغييرها إلى الأساليب التواصلية الحازمة، سترسم حدودا صحّية مع الآخرين بطريقة تحقّق لكَ ما تُريد وتُحقّق للآخرين ما يُريدون بشكل مُرضٍ للطرفين. احفظ الجدول أدناه7، وحاول أن تتمرّن في كل أسبوع على استبدال خانة من خانات أساليب التواصل الخطأ بأساليب التواصل الحازمة، وهكذا حتّى تُنجِز بقيّة الجدول.

 

  • كتاب: قوّة الرفض الإيجابيّ – وليام أورى

يحدث كثيرا أن تكون إجابتنا “لا” على كثيرٍ من المهام التي تُطلَب منّا، لكننا نخشى أن نُجيب بـ “لا” خوفا على مشاعر الآخرين، أو خوفا من سُلطتهم وبطشهم، أو خوفا من خسارة رضاهم عنّا أو فقدان المكاسب التي تمنحها إيّانا علاقتنا الطيّبة معهم. لكن كيف بإمكانك أن تقول “لا” بطريقة حيوية وإيجابية، دون أن يشعر الآخر بالهجوم أو الرفض، ودون أن يتحوّل الموقف أو الطلب إلى نقطة للصراع والخلاف؟ يُقدِّم عالم الإنسانيات والباحث في حقل التفاوض والتفاهم كتابه “قوّة الرفض الإيجابي”، حيث يشرح بالتفصيل كيف تؤدي الإجابة بالرفض “لا” إلى أن تكون طريقة لتطوير علاقاتنا بالآخرين، وطريقة للحفاظ على صحّتنا الذاتية وإرادتنا الشخصية.

_____________________________________________

المصادر

  1. قوّة الرفض الإيجابي. وليام أوري. مكتبة جرير (2009)
  2. Develop Your Assertiveness. Sue Bishop.
  3. Asserting yourself: A practical guide for positive change. Bower, S. A., & Bower, G. H

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *