وجهة نظر

لا أمازيغية بدون ديمقراطية

سمعت من داخل الحركة الأمازيغية من قال ” أن ما يهم هو أن تستعمل الدولة اللغة الأمازيغية كيفما كانت طبيعة النظام السياسي، وأنه إذا طلب منه الاختيار بين دولة ديمقراطية ودولة أمازيغية ولو كانت دولة الطالبان فسيختار الدولة الأمازيغية”.

هذا الكلام مرفوض لأنه يتعارض كليا مع أسس وتوجهات الخطاب الأمازيغي ومع روح الحركة الأمازيغية التي هي حركة ديمقراطية مبنية على قيم العقلانية والنسبية والحرية والتعددية واحترام الاختلاف.

ومن صرح بالكلام الغريب المذكور أعلاه وقع في خطأ مزدوج عندما اعتبر أن الدولة الديمقراطية لا تقبل الأمازيغية أو لا تستعملها، بينما كل دولة ديمقراطية لا تستحق هذه الصفة إلا إذا قبلت بكل مكوناتها.

والخطأ الثاني هو اعتباره أن دولة أمازيغية مقبولة لديه حتى ولو كانت دولة مثل دولة طالبان. وهذا معناه أن ما يهمه هو اللغة فقط مفصولة عن قيمها الثقافية، وبهذا المعنى يمكننا أن نقبل دون تردد دولة تحكمها جماعة العدل والإحسان إذا قرر استعمال الأمازيغية حتى ولو كان ذلك في إطار استبدادي تسلطي.

لا بد من التذكير أن الحركة الأمازيغية جزء لا يتجزأ من القضية الديمقراطية في بلادنا وفي كل بلدان شمال افريقيا، حيث لا تفصل بين الحقوق اللغوية والثقافية وبين جميع الحقوق السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، كما نعتبر أن اللغة الأمازيغية مرتبطة ارتباطا عميقا بالقيم الثقافية الأمازيغية. وبهذا المعنى لا توجد دولة ديمقراطية تتنكر للغة الشعب الأصلي وثقافته، كما لا توجد أمازيغية بدون جميع الثوابت الديمقراطية التي تضمن الكرامة لجميع المواطنين على قدمي المساوات.

قراءتنا للوضع الراهن للحركة الأمازيغية بالمغرب تدعونا للتحذير من اختلاط المفاهيم على الشباب، حيث يجب أن نؤمن بمبدأ أساسي أنه “لا أمازيغية بدون ديمقراطية”، كما أنه شعار ينبغي أن يكون للمرحلة الراهنة، وليس فقط شعار للاستهلاك في اللقاءات التي تجمع مكونات الحركة الأمازيغية.

ليس منطقيا أن نعزل الأمازيغية بأي شكل من الأشكال عن قضية الديمقراطية، كما أن مفهوم الديمقراطية قد وصلنا جاهزا، حيث لم نعش التحولات والتطورات الفكرية لهذا المفهوم، بمعنى أن “إيمازيغن” لم تتح لهم الفرصة بسبب الاستعمار لتطوير فهمهم الخاص لديمقراطية حقيقية، ونتيجة لذلك هناك سوء فهم كبير وخلل في فهم واستيعاب أهمية الديمقراطية كأساس ومدخل لتوفير الشروط المناسبة لأمازيغية تستمد روحها من قيم “تيموزغا”، ونتيجة لهذا الخلل في الفهم، نجد مجموعة من الفاعلين في الحركة الأمازيغية جعلوا من قضية الديمقراطية قضية ثانوية في معالجتهم وطرحهم الخاص للقضية.

من المفروض التأكيد على أن تكون الديمقراطية أولا وأخيرا، آنذاك يمكن أن نضمن أن تكون الأمازيغية في مكانتها التي تستحق، ولن يتجلى ذلك إلا باستكمال المشروع الديمقراطي، وضرورة الانفتاح على الشعوب الأخرى، بالإضافة إلى صياغة خطاب أمازيغي موحد ينسجم وخطاب الحركة الديمقراطية في طرحها لقضية الحريات، وقولبتها في قالب يجعل جوهرها الحقيقي بناء نظام ديمقراطي يتسع للجميع.

كما نؤكد على ضرورة وأهمية أن يكون “ايمازيغن” ديمقراطيين فيما بينهم، فالأمازيغية أصبحت في حاجة ماسة لديمقراطيين حقيقيين، فلا يمكن بناء ديمقراطية بدون ديمقراطيين، حيث أن واقع الحركة الأمازيغية وما تعانيه من تعثرات ومشاكل راجع في جانب منه إلى الإقصاء المتبادل بين مجموع الفاعلين لمجرد الاختلاف حول الرأي، وفي تجاهل تام لقيمة الايمان بالتعدد والاختلاف.

هذا بالإضافة الى تشخيص التصورات والافكار، وبشكل أساسي إلى الخلط بين الرأي السياسي والفكر السياسي واختزال الثاني في الأول، حيث أصبحت السياسة طاغية على الكل، وهذا من شأنه أن يجر الكل إلى الحضيض.