خارج الحدود

أبدعها فقهاء سوس بالمغرب .. شيخ الأزهر يدعو إلى إحياء فتوى “الكد والسعاية”

أثارت دعوة شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، إلى ضرورة إحياء فتوى “حق الكد والسعاية” لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، ردود فعل واسعة في مصر وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

وتمنح فتوى “الكد والسعاية” الإسلامية الزوجة نصيبًا يصل إلى النصف من ميراث زوجها، في حال كانت مشاركة بالكسب خلال حياتهما الزوجية، وتحكم لها بنصيب الإرث الإسلامي العادي في النصف الباقي.

أصل الفتوى وشمولها

يقول الأستاذ كمال بلحركة، أستاذ باحث بمختبر القانون والمجتمع، إنه في مجال الأسرة وحقوقها فقد أسس الفقهاء المغاربة لحقوق لم يسبقوا لها ولا توجد عند غيرهم من فقهاء المذاهب، نذكر منها هنا حقا خاصا وخالصا للأبناء وللمرأة العاملين مع الأب أو الزوج. أسموه “حق الكد والسعاية”؛

ويضيف الباحث في ورقة بحثية بعنوان ” إحالة مدونة الأسرة المغربية على الفقه المالكي في مسائل ما جرى به العمل”، هو اجتهاد متميز أعطوا بموجبه حقا للنساء والأطفال وغيرهم من الأقارب في ثروة الزوج والأب والأخ باعتبارهم شركاء في تحقيق تلك الثروة، ويتم توزيع حقوقهم باحتساب كدهم وسنوات عملهم في تنمية المال فضلا عن حقهم الشرعي في الإرث.

وأصل هذا الحق، يضيف الباحث، اجتهاد فقهاء النوازل بقبائل مناطق سوس ودرعة بجنوب المغرب وبعض قبائل غمارة في شماله، حيث حاول الاجتهاد الفقهي إنصاف وحماية حقوق المرأة العاملة مع زوجها في ماله أو مع أخيها أو أبيها أو عمها، كما قضوا بهذا الحق للأبناء العاملين في مال أبيهم أو أخيهم أو أمهم أو جدهم سواء أكان العمل في الفلاحة والرعي أو الحياكة والتجارة وغيرها من المهن والحرف التي يشتغل فيها عادة جميع أفراد الأسرة أو العائلة الواحدة. وكذا الحالات التي تشتغل المرأة وحدها في مال الغير وهو حال بعض نساء والكبير بسوس.

وتنص المادة 49 من مدونة الأسرة المغربية على أن: “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها” وتضيف أنه “يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج” وأنه “يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر”، وتؤكد نفس المادة أنه “إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”.

دواعي الدعوة المصرية

وحسب “سكاي نيوز عربية”، طالب الإمام الأكبر أحمد الطيب، بضرورة إحياء تلك الفتوى، في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، مشدّدًا على حرص الشريعة الإسلامية على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه حفظ كرامتها.

وحسب نفس المصدر، أحدثت الدعوة الأزهرية ترحيبًا واسعًا من جهات رسمية ومنظمات مجتمع مدني في مصر، مؤكّدين سعي الأزهر لحفظ حقوق المرأة العاملة من التغول عليها.

بدوره، قال عضو هيئة كبار العلماء، محمود مهنا، في تصريحات خاصة لـ”سكاي نيوز عربية”، إن الشريعة الإسلامية تكفّلت بحفظ حقوق المرأة من كل النواحي حيث جعلت لها ذمة خاصة، بينما ألزمت الرجل بكل الحقوق المالية؛ بدايةً من تأسيس منزل الزوجية حتى النفقات اليومية.

وأضاف أن المرأة العاملة إن أرادت أن تعين زوجها على نفقة الحياة فهذا من باب حسن المعاملة، إلا أنها غير مجبورة على هذا الموضوع شرعًا، وبالتالي فإن إحياء فتوى “حق الكد والسعاية” تضمن للمرأة حقوقها المالية كاملة حال حدوث ضرر.

حفظ حقّها المالي

وهذا ما أشارت إليه أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فتحية الحفني، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، بأن المرأة في هذا الزمن خرجت إلى مجال العمل وتسهم بجزء أو بالكثير من إنفاق الأسرة ومساعدة الزوج في ذلك، وبالتالي فهذه الفتوى تحفظ حقها المالي بعدما كانت عاملًا مساعدًا في تكوين الثروة.

وقالت الحفني إن هذه الحقوق قد تكون مكتوبة أو محل اتفاق بين الزوجين، بما يضمن للمرأة حقها الذي أنفقته حال حدوث انفصال أو وفاة الزوج.

وأوضحت أستاذة الفقه المقارن أن المال الذي يجمع بين الزوجين وجب أن يكون مناصفةً بينهما إن كان بالتساوي، أما إن كان إنفاق المرأة أكبر ففي هذه الحالة قد يكون التقسيم “الثلث إلى الثلثين” حسب مشاركة كليهما في تلك الثروة.

وحسب الحفني، فإنه حال وفاة الزوج فإن لزوجته أن تحصل على نصف الثروة التي حققها أثناء ارتباطه بها، أولًا، ثم توزع التركة وفق الشريعة الإسلامية وتحصل على نصيبها وهو الثّمن.

وشدّدت على أن تطبيق هذه الفتوى بات من الأهمية بمكان لحفظ حقوق المرأة، لأنها قد تتعرّض في يومنا هذا لظلم أو تعسف.

وسبق أن قال الدكتور علي جمعة، مفتي مصر الأسبق عضو هيئة كبار العلماء، إن كثيرًا من فقهاء المالكية أفتوا بحق الزوجة في اقتسام ثروة زوجها التي اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها؛ ومنهم شيخ المالكية في عصره العلامة أبو العباس أحمد بن عرضون.

إشادة حقوقية

وحظيت دعوة شيخ الأزهر لتطبيق الفتوى بإشادة واسعة من المجلس القومي للمرأة في مصر، كما قدمت ناشطات وحقوقيات مهتمات بحقوق المرأة الشكر إلى شيخ الأزهر لدعوته لإحياء هذه الفتوى، ودعت عدد منهنّ إلى تأصيلها قانونيًّا.

وقالت عضو المجلس القومي للمرأة، رانيا يحيى، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، إن تلك الفتوى أحدثت صدى إيجابيّا في مصر “لأنها جاءت من شيخ الأزهر، لِمَا له من قيمة دينية كبيرة ويؤخذ برأيه في العالم العربي والإسلامي أجمع، وله دور مؤثّر على الرأي العام”.

وأضافت أن “تلك الفتوى تضمن حق الزوجة بعد سعيها للمشاركة مع الزوج، وهذا أمر مهم لأنه يؤكّد على الدور الإيجابي الذي تلعبه الزوجة مع زوجها داخل الأسرة ويضمن لها حياة كريمة بدون تعسف أو قهر”.

وأكدت يحيى أن “الزوجة هي الشريك الحقيقي للزوج في كل أمور حياته لأنّ هذا أمر فعلي وواقعي، وبالتالي فالتطبيق الرسمي لتلك الفتوى يؤكّد أحقية الزوجة لكل الحقوق المادية والمعنوية للأسرة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *