منوعات

كيف تجعل الندم على الفرص الضائعة فرصة جديدة للإقلاع؟

الندم سلوك لا شعوري طبيعي لدى الناس جميعا. لكن عدم إدراك طبيعته ووظيفته التعليمية والحمائية تجعل الناس يغرقون في أسر آلامه، وقد يخرج ذلك عن السيطرة ليتحول ذلك الشعور إلى مصدر قلق وخوف واضطرابات نفسية.

ورغم أن الندم يتعلق بأمور مضت، مثل ضياع فرصة أو عدم اتخاد قرار معين واتخاد قرار آخر مكانه، فوظيفته الطبيعية تتوجه في كنهها إلى الحاضر والمستقبل، وليس إلى إنكاره أو تحويله إلى وسيلة لجلد الذات.

وبالنظر إلى أن الندم سلوك لاشعوري يرتبط بطبائع البشر فقد يتحول سوء تدبيره إلى مصدر تشويش وآلم، فهذا يتطلب فهمه، وحسن استثماره فيما خلق له. فكيف نحول الندم على ضياع فرص فرصة جديدة للانطلاق من جديد، بذل الوقوع في أسر ماض وآلامه؟

وحسب “الجزيرة نت”، فالندم جزء من الحياة؛ الماضي الذي لم نعشه، والمستقبل الذي لن يأتي. لدى الجميع قرار يتمنى لو كان اتخذه أو لم يتخذه، تؤرقه كثرة التفكير فيه، ويحول بينه وبين السعادة والرضا.

ورغم ذلك يعدّ الندم شعورا صحيا، وقيمة ترشدنا للصحيح، لذا، من فضلك، فكر في حياتك الماضية لحظة، وتذكر أكثر أمرين شعرت حيالهما بندم شديد، وإن كنت ما زلت تشعر بآلام الندم حتى الآن، حسب نفس المصدر، فهذا التقرير من أجلك.

مفارقة الفرص الضائعة

يميل البشر إلى تجميل الخيارات التي لم يتخذوها في حياتهم، وجعلها خيارات مثالية، وفقا لدراسة جديدة منشورة في مجلة “علم التحليل النفسي”، في يناير/كانون الثاني 2022، لكن ما أثبتته الدراسة هو أن المسار الذي لم تسلكه كان أكثر خطورة مما تتخيل.

طلب الباحثون في كلية دارتموث وجامعة نافارا من 800 مشارك في الدراسة اختيار الزوج الأكثر جاذبية من مجموعة من 9 صور لوجوه واضحة، ووجه واحد غير واضح. بعد الاختيار، سأل الباحثون المشاركين عن مدى ندمهم على اختيارهم، ولكن مع بعض الحيل، في بعض الأحيان تم الكشف عن صورة المرشح النهائي المرفوض، وظلت الصورة غير واضحة في أحيان أخرى.

وجد الباحثون أن المشاركين كانوا أشد ندما على اختيارهم عندما ظل الوجه المرفوض غير واضح، حتى إنهم توقعوا أن يكون الوجه أكثر جاذبية مقارنة بالصور الواضحة التي رأوها بالفعل، أما المشاركون الذين لم يروا الوجه المرفوض فقد ظلوا يبالغون في تقديره ويعبرون عن ندمهم كلما مر الوقت.

وهكذا كانت وستظل نتائج الفرص الضائعة محركا مهما للندم، وهو ما انطلقت منه الدراسة، فكان المشاركون فيها أكثر عرضة للتعبير عن الندم عندما لم يلاحظوا حقيقة نتائج الفرص الضائعة مقارنة بالوقت الذي يرون فيه تلك الحقيقة.

“استبيان الندم العالمي”!

بالبحث على موقع “استبيان الندم العالمي”، يمكنك اختيار أي بلد لقراءة مجموعة من إجابات النادمين في تلك المنطقة عن الاستبيان الذي انطلق في عام 2020، والاطلاع على أكبر مجموعة من البيانات جُمعت على الإطلاق حول ما يندم عليه البشر.

أجاب عن الاستبيان 15 ألف شخص من 105 دول، وكانوا جزءا من خطة الكاتب دانيال بينك، لجمع قصص الندم من جميع أنحاء العالم، قبل كتابة مؤلفه الأخير “قوة الندم: كيف يدفعنا النظر إلى الخلف إلى الأمام”، الذي صدر في فبراير/شباط 2022، وصار الكتاب الأكثر مبيعا على قائمة صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times)..

علقت امرأة مصرية بأنها نادمة على مقابلة بعض الأشخاص والتواصل معهم، حتى بعدما علمت بخطأ قرارها، فقد جعلوا حياتها أسوأ، ولم تعد كما كانت قبل رؤيتهم.

وندم شاب مصري، يبلغ من العمر 17 عاما، على أنه لم يخطط لدراسته الجامعية من قبل، ولم يخطط لحياته المهنية في سنوات الدراسة الثانوية، ويرى أنه ضيع حلم الالتحاق بجامعة أميركية.

وندمت امرأة سعودية، تبلغ من العمر 34 عاما، على عملها بالتدريس، وندم رجل في الـ40 من عمره على أنه لم يكن لطيفا مع عائلته في شبابه، وعلى أنه لم يعلم أطفاله لغته الأم.

كانت أكثر الردود حكمة لشابة سعودية، تبلغ 23 عاما، وتعتقد أن كل شيء يحدث لسبب ما، فماذا لو أتيحت لها الفرصة لإعادة التجارب الفاشلة، هل ستنجح فيها؟ أم سيزداد الأمر سوءا؟ بالطبع هي تندم على إساءتها إلى بعض الأشخاص وتتمنى تغيير الماضي، فمن دون الندم لن تكون هناك عبرة.

وندمت فتاة أردنية (28 عاما) على عدم فعلها ما تريد، خشية تعليقات الناس، وشاركتها 3 فتيات في الشريحة العمرية نفسها ذلك الندم. ورغم مرور عقود، فما زال شيخ جزائري (90 عاما) نادما على سوء سلوكه ضد الآخرين عندما كان مراهقا.

كيف تتعافى من الندم؟

صنف دانيال بينك الندم الذي شعر به المستجيبون للاستبيان في 4 أنواع أساسية: أولها الندم على الاستقرار، ويضم هذا النوع القرارات المتعلقة بالمال والصحة والدراسة والعائلة، أما النوع الثاني فهو الندم على الجرأة، ويتعلق بالفرص التي لم ننتهزها، والنوع الثالث هو الندم الأخلاقي، ويشمل التنمر والخيانة الزوجية، والنوع الأخير هو الندم على التواصل، ويتعلق بفقدان الاتصال بأشخاص في حياتك بسبب الخلافات، وأكثر ما يسبب لنا الندم في هذا النوع هو أن العلاقات غالبا ما تنتهي بطريقة مأساوية.

يشرح بينك في حوار بمجلة “تايم” الفرق بين استخدامنا الندم لجلد الذات والتعلم من أخطائنا، فالمشاعر السلبية التي تؤلمنا نتيجة لاقتراف الأخطاء تبقينا متيقظين ومستعدين للتعلم من ذلك الخطأ إذا تعاملنا مع مشاعرنا بشكل صحيح، ولم ننكر الندم، ولم ننغمس فيه.

ويحذر بينك من إنكار مشاعر الندم باعتباره علامة على الشجاعة، لأن الشجاعة الحقيقية تأتي من مواجهة الندم، ومعالجته، وإجراء محادثة صادقة من القلب مع الأقران أو العائلة عن مشاعر الندم.

يمكن اتخاذ أي قرار لتصحيح أخطاء الماضي، فإن ما يحبط محاولات إصلاح ما نندم عليه غالبا هو التفكير الخاطئ، فنحن نبالغ في تقدير مدى الإحراج أو الإزعاج الذي سيشعر به المتلقي وهو يعتذر، ونقلل أيضا من أهمية رد الفعل الإيجابي.

يمكنك سؤال نفسك: هل تفعل ما يجب عليك وما تستطيع فعله؟ وبمجرد أن تعرف إجابتك، وما تريد أن تكون، يمكنك اتخاذ خطوات صغيرة نحو مواءمة حياتك الفعلية مع ما تتمناه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *