سياسة

كيف يواجه المغرب تحدي ضمان أمنه المائي بعد الاعتراف بفشل استراتيجية الماء؟

تسابق الحكومة الحالية الزمن لإيجاد تدابير كفيلة بضمان الأمن المائي في مناطق المغرب المختلفة، وذلك بعدما كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول أزمة الماء التي يمكن أن يشهدها المغرب بسبب تداعيات تأخر التساقطات، وبفعل استنزاف الفرشة المائية بسبب بعض الزراعات، خاصة في المناطق الجنوبية.

وفي هذا السياق، أعلن وزير التجهيز والماء نزار بركة حظر بعض الزراعات التي تستهلك الفرشة المائية، كزراعة البطيخ الأحمر في طاطا، معترفا في الآن ذاته بفشل استراتيجية الماء 2009-2030، وهو ما طرح تساؤلات حول الإجراءات المقبلة التي ستتخذها الحكومة لتدبير أمثل لهذه المادة الحيوية.

ما بعد “فشل” استراتيجية الماء

حول إعلان الوزير نزار بركة فشل استراتيجية الماء والإجراءات الواجب اتخاذها، اعتبر الإطار السابق في المختبر العمومي للتجارب والدارسات الجيوفيزيائية التطبيقية المتخصص في الموارد المائية، مومن عبد العزيز جوابا على أسئلة “العمق”، أنه “مع توالي سنوات الجفاف وتنبؤات خبراء المناخ GIEC منذ 2016 بشأن تسجيل أرقام قياسية لارتفاع الحرارة كل سنة، هو أمر كاف لإعادة النظر في الإستراتيجية الوطنية للماء”.

وأوضح المتخصص في الجيوفيزاء التطبيقية في الموارد المائية، أنه “حسب خبراء، فالعالم سيعرف تحولات عميقة في أفق 2050، منها أن نسبة ساكنة الوسط الحضري ستفوق 60% وستكون متمركزة على طول السواحل، في مقابل ذلك ستنخفض كميات الأمطار وسترتفع نسبة تبخرها كما ستتقلص الفصول من أربعة إلى فصلين، مما سينتج عن هذه التغيرات إشكالات اقتصادية واجتماعية”.

ولمواكبة هذا التطور، أكد المصدر ذاته، أنه “يجب من الآن فصاعدا إعادة النظر في طبيعة الأنشطة الفلاحية، من جهة، وجعل هدفها الأول هو تحقيق الأمن الغذائي الذي يلبي الإحتياجات الغذائية بكمية كافية ونوعية مقبولة، ومن جهة أخرى، غير متأثرة بالمناخ وغير بعيدة عن الحواضر أو تنشط داخله (كالفلاحة الحضرية)”، ولذلك “يجب العمل على إعادة النظر في التصاميم الجهوية لإعداد التراب (SRAT) والتصماميم المديرية للتهيئة الحضرية (SDAU)، ثم القيام بدراسات تتعلق بالمخططات المحلية لتدبير الماء وتدبير ندرة الماء (قانون الماء 36.15؛ الإستراتيجيات الجهوية لإقتصاد الطاقة والماء (القانون التنظيمي للجهات 111.14)؛ والتصاميم المديرية لصرف مياه الأمطار في الوسط الحضري (مع تحيين قانون التعمير) والأخذ بعين الإعتبار حصاد الأمطار في مكان سقوطها كما ينص عليه قانون الماء”.

وشدد مومن على أنه “بموازات هذه الدراسات يجب العمل على ترسيخ التربية البيئية لدى الناشئة، بتشجيع البحث العلمي والإبتكار في مجالات متعددة لتعبئة ومعالجة المياه العادمة أو المعالجة”، كما يجب الإشتغال، حسب الخبير، “على نوع النباتات التي تنمو رغم ملوحة الماء وغير متأثرة بأحوال الطقس، ثم على النباتات المقاومة للجفاف أو التي تستهلك كميات أقل من الماء وذات قيمة غدائية عالية”.

وفي هذا المجال أوضح مومن، أن هناك تقنيات جديدة تسمح “بنمو النباتات بدون تربة (Hydoponie ou Hors sol)”؛ وتقنيات تسمح “بإدماج أنشطة فلاحية مع تربية الأسماك Aquaponie”، وأخرى تعتمد على “تشجيع الزراعة مابين الأشجار أو الألواح الشمسية (Culture inter-calaire) وقابلة لمزاولة أنشطة الرعي، و”داخل البيوت يجب اعتماد الفلاحة المغطات أو الدفيئات الزراعية الحديثة فائقة التكييف مخصصة لنباتات عالية القيمة المضافة (النباتات العطرية، الطبية أو المعدة للتزيين)”.

وفي جهة الدارالبيضاء سطات على سبيل المثال، أكد مومن عبد العزيز، أنه “يمكن تطوير النشاط الفلاحي إلى جانب إنتاج الطاقة الكهروضوئية، بحيث سيصبح للفلاح مدخول ثاني زيادة على مدخول الأنشطة الفلاحية. كما تستعمل تلك الطاقة النظيفة في تحلية ماء البحر وفي الأنشطة الصناعية التي تصدر منتوجاتها إلى الدول التي بدأت تفرض على واردتها ضريبة الكاربون”.

زراعات استنزفت الفرشة المائية

وفيما يتعلق بزراعات استنزفت الفرشةالمائية كزراعة البطيخ بالجنوب، حيث أعلنت الوزارة المعنية إلغاء زراعة هذه الفاكهة بمنطقة طاطا، قال مومن عبد العزيز: “بما أن الفرشة المائية توجد في منطقة قاحلة وذات مناخ صحراوي جاف فلا يمكن الاستمرار في استغلالها في النشاط الفلاحي أو السياحي أو الصناعي”.

وتابع الخبير وهو وعضو الهيئة الإستشارية للشؤون الإقتصادية بمجموعة الخبراء المكلف بالموارد المائية والتطهير السائل والصلب لمجلس جهة الدار البيضاء سطات السابق، أن هذا المخزون استراتيجي لعدة أسباب، فهو لا يتجدد وبالتالي يجب المحافظة عليه وعلى جودة مياهه ومنع أي نشاط ينتج عنه تلوث كيميائي. لذلك يجب استغلاله فقط لتلبية الإحتياجات البشرية، في الشرب والإستعمالات المنزلية وأنشطة المطعمة والبستنة”.

وأضاف مومن في تصريحه: “صحيح أن استغلال الماء في النشاط الفلاحي يمكن من خلق فرص الشغل وجلب العملة الصعبة، لكن هذا النشاط غير مستدام وينتج عن أنشطته زيادة على  خفض مخزون الفرشة المائية، وانبعات الغازات الدفيئة، خاصة الناتج عن عمليات النقل والتخزين من منطقة نائية إلى أمكنة الإستهلاك”.

وشدد الخبير على أن “الاستمرار في استغلال المياه الجوفية في الأنشطة الفلاحية لا يتماشى مع التزامات المغرب بأجندة 2030 المتعلقة بالتنمية المستدامة بأهدافها الـ 17، حيث اعتبرها المتحدث “جريمة في حق الأجيال القادمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *