سياسة

الدبلوماسية المغربية في 2016 .. تغير في الوجه والوجهة

يبدو أن المغرب بدأ ينهج أسلوب الهجوم في توسيع رقعة الدعم لقضيته الترابية بدل البقاء خلف المواقف الدفاعية، كما أصبح يعتمد نهج تنويع الشركاء الدوليين لضبط توازنات سياسته الخارجية.

فقد كان عام 2016 بالنسبة للمغرب مناسبة لترميم بيت دبلوماسيته الخارجية في التأثير على قرارات الدول، بعدما عرفت خلال السنوات الأخيرة العديد من التصدعات، التي ارتدت سلبًا على المصالح الاستراتيجية للمملكة، مما دفع الدبلوماسية المغربية إلى نهج سياسات جديدة فاجأت محيطه الإقليمي والدولي.

المملكة تغير وجهها الدبلوماسي

في تغيير هو الأوسع منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، عين الملك ما يقرب من 70 سفيرا جديدا على رأس البعثات الدبلوماسية للمملكة المغربية.

وكانت أسماء أغلب المعينين معروفة منذ بداية العام، وشملت قائمة المعينين دبلوماسيين سابقين وحاليين إضافة إلى بعض السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان خصوصا لدى الدول الاسكندينافية.

وتم تعيين 18 سفيرا جديدا لدى الدول الأفريقية في وقت تخوض فيه المملكة حربا دبلوماسية لاستعادة مقعدها داخل الاتحاد الأفريقي بعد ثلاثة عقود من الغياب بسبب الاعتراف بـ “الجمهورية الصحراوية”، وتشهد انفتاحا اقتصاديا مهما على القارة السمراء.

وبذلك تكون هذه التعيينات قد شملت نصف شبكة الدبلوماسيين المغاربة عبر العالم، بينها عواصم كبرى كواشنطن ولندن.

تكثيف الحضور بالقارة السمراء

شهدت العلاقات المغربية الإفريقية محطة تاريخية مهمة في سنة 2016، حيث أظهر فيها المغرب اهتماما ببلدان جنوب القارة، إذ عزم المغرب على العودة إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، التي انسحب من عضويتها قبل 32 عامًا، بسبب اعتراف هذه المنظمة الأفريقية بـ “الصحراء الغربية” كدولةً مستقلة، مما أثار حفيظة المغرب.

وجاء بعد هذا الاهتمام سلسلة من الزيارات الملكية لمجموعة من البلدان الأفريقية، شملت رواندا وتنزانيا وإثيوبيا والسنغال ونيجيريا.

وعادة ما تنتهي تلك الجولات بعقد شراكات اقتصادية وسياسية مع البلدان المضيفة، بالإضافة إلى تخصيص عقود استثمار ومنح سخية لهذه الدول الأفريقية.

كما تستفيد المملكة من امتدادها التاريخي والروحي مع دول الساحل والصحراء للنفاذ في العمق الأفريقي، من خلال إحياء الروابط الدينية والثقافية الممتدة بين شمال القارة وجنوبها.

وكان الملك محمد السادس قد بعث رسالة مطولة إلى القمة 27 للاتحاد الإفريقي، المنعقدة خلال شهر يوليو الماضي بالعاصمة الرواندية “كيغالي”، يقول فيها إن “أصدقاءنا يطلبون منا، منذ أمد بعيد، العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية ضمن أسرته المؤسسية. وقد حان الوقت لذلك”.

ودعت الرسالة الملكية الموجهة لقادة الاتحاد الإفريقي لنحث طريق جديد من أجل تعزيز حضور المملكة المغربية في المشهد الإفريقي، بغية عدم إفساح المجال لجبهة “البوليساريو” لترويج أطروحتها الانفصالية، حيث ورد في الرسالة أن “علاج الجسم المريض من الداخل سيكون أكثر نجاعة من علاجه من الخارج”.

ويرى مراقبون أن هذه الحملات السياسية المكثفة والزيارات الملكية المتتالية والتغطية الإعلامية، أتت من أجل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية تصب في خانة حشد الدعم الدولي من أجل قضية الصحراء.

توطيد التعاون المغربي / الخليجي

بعدما قام الملك محمد السادس بزيارات رسمية خلال هذه السنة لعدد من البلدان الخليجية؛ منها السعودية والإمارات والبحرين، نجمت عنها شركات عسكرية واقتصادية جعلت هذه البلدان تتقاسم نفس القيم والتوجهات المؤسسة للسلم والاستقرار في العالم، والتي تواجه نفس التهديدات خاصة في المجال الأمني.

فلطالما كان المغرب حليفًا لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الاتفاقات الأمنية والسياسية التي عقدت هذا العام بين المملكة المغربية ومماليك الخليج، جعلت هذا التحالف مصيريًّا، بحيث غدا تكتلًا إستراتيجيًّا يمتد فترةً طويلة الأمد حيث باعتبار هذا التحالف بين الخليج والمغرب نتاجًا للمصالح المتبادلة في الموارد العسكرية والاستخباراتية، ونفوذ سياسي اقتصادي في إفريقيا وأوربا مقابل المساندة الخليجية لمغربية الصحراء.

وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي دعمها الكامل لمقترح الحكم الذاتي الذي ينادي به المغرب، ومعارضتها للطرح الانفصالي، وبدا ذلك واضحًا عندما انسحبت البلدان الخليجية من القمة العربية الأفريقية نوفمبر الماضي، على خلفية إصرار الاتحاد الأفريقي على مشاركة وفد “البوليساريو”في أعمال القمة.

تنويع دبلوماسي نحو الصين وروسيا

حزمة من الاتفاقات الثنائية بين الصين والمغرب وروسيا تخص المجال القضائي والاقتصادي والثقافي بعدما قام الملك محمد السادس بزيارة لجمهورية الصين الشعبية، في 11 ماي من هذا العام.

وجاء هذا التنويع الدبلوماسي بعدما أقرت المحكمة الأوروبية إلغاء التبادل الحر في المجال الفلاحي والصيد البحري على خلفية نزاع الصحراء، ناهيك عن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على توسيع مهام لجنة “المينورسو” لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في منطقة الصحراء، وهو ما اعتبره البعض كرد فعل تجاه “النكسات” التي تلقاها المغرب من أوروبا وأمريكا بخصوص موضوع الصحراء.

وبالرغم من أن روسيا والصين لا يعلنان دعمهما الكامل للطرح المغربي إزاء قضية الصحراء، إلا أنهما لا يتورطان في قرارات متعلقة بهذا النزاع، مثلما يشهران معاداتهم “للسيطرة الغربية” على السياسة الدولية، وهو ما أقنع المغرب بتوجيه بوصلة الخارجية نحو هذين البلدين.