وجهة نظر

من أجل يوم عالمي لخير نبي

قبل أن يكون محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم – صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، كان إنسانا كامل الأوصافالخُلقية، فقد اجتمعت فيه كل الصفات الحميدة والخصال الفاضلة، واشتهر قبل البعثة، بأمانته وصدقه، حتى سُمي بالصادق الأمين، وكانت هذه الأخلاق الرفيعة، سببا في كسبه لثقة قومه وإيداعه لأماناتهم عنده، وفي ارتباطه بأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

أما في زماننا، فقد شهد له بالعظمة عدد من المفكرين والمستشرقين الغربيين من بينهم الفليسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي قال عنه: ” لم ير العالم حتى اليوم رجلا استطاع أن يحول العقول، والقلوب من عبادة الأصنام إلى عبادة الإله الواحد إلا محمداً، ولو لم يكن قد بدأ حياته صادقاً أميناً ما صدقه أقرب الناس إليه، خاصة بعد أن جاءته السماء بالرسالة لنشرها على بني قومه الصلاب العقول والأفئدة”.

ولما نزل الوحي على محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم- كانت رسالته الأولى هي توحيد الخالق بالعبودية، وحض الناس على فضائل الأخلاق، وتصحيح الانحرافات السلوكية، وقد أكد ذلك بقوله: [جئت لأتمم مكارم الأخلاق]، وشهد له رب العزة بحسن الخلق بقوله: (وإنّك لعلى خُلُق عظيم).

ولذلك، فإن منهج دين الإسلام قام على أساس أخلاقي، وكانت حياة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم-وسيرته حافلة بمواقف دالة على أن جوهر رسالة الإسلام هي الأخلاق، دل على ذلكتعامله على قدم المساواةمع القريب والبعيد، والضعيف والقوي، والفقير والغني، والطفل والمرأة..

لقد استطاع محمد- صلى الله عليه وسلم- بخلقه العظيم، أن يكسب قلوب وجهاء قومه في الجزيرة العربية، وأسلم على يديه ألد أعدائه، من الذين كانوا يحاربونه في بداية دعوته، وقصة الحبر اليهودي زيد بن سعنة الذي أسلم بسبب حِلم الرسول عليه، حيث قال: والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه النبي، حين نظرت إليه إلا اثنتين، لم أعرفهما فيه الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وقد تأكد له ذلك فأسلم.

وفي بيته، كان النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-مثالا للزوج الكريم العادل، في تعامله مع زوجاته، والأب الحنون العطوف على أبنائه، وفي علاقته بالجوار كان طيب المعشر، ونموذجا نادرا في الإحسان إلى الجار، وفي علاقته بعامة المؤمنين، كان رؤوفا رحيما، وفي تعامله مع الأعداء، كان يدفع أذاهم بالتي هي أحسن، ولا يقابل الإساءة بمثلها، بل كان دائم العفو والحلم، وهذا الأخلاق العالية هي السر في بلوغ دعوته الآفاق.. وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن خلقه، فقالت: “كان خُلقه القرآن”، وهي شهادة حق وصدق، من إحدى زوجاته التي عاشت في كنفه، وخبرت تفاصيل حياته، ودقائق سيرته، وشهادتها أجملت في وصف أخلاق النبي/الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت شخصيته المتفردة وأخلاقه النادرة، سببا في كسبه للحب الصادق للمؤمنين برسالته، ومن شدة حب أصحابه له، كان بعضهم يتتبع موطئ قدمه ليضعقدمه في أثره، ومنهم من افتداه بنفسه وولده وماله.

هذه فقط بعض الصفات الخُلقية، التي امتاز بها نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي حفلت بها كتب السيرة النبوية، أردت من خلالها إلقاء نظرة عامة على جانب من حياة هذا النبي العظيم، والتعريف ببعض جوانب شخصيته المتفردة، التي تركت آثارها الطيبة في تاريخ البشرية، وقد شهد له بالعظمة مفكرون وفلاسفة ومؤرخون من حضارات وثقافات مختلفة.

ولأنه خاتم الأنبياء والرسل، فقد اختص الله النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعالمية رسالته، وشموليتها، فهو لم يبعث للعرب وحدهم، وإنما جاء للناس كافة، عربها وعجمها، على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وعاداتهم، كما أن شريعته جاءت ناسخة للشرائع السماوية الأخرى، وأكثر استيعابا في أحكامها لحياة المجتمعات، بحيث نظمت علاقة الإنسان بخالقه (العبادات)، وعلاقة الناس بعضهم ببعض(المعاملات)، وعلاقة الحاكم بالمحكوم،والعلاقات الدولية، ونظمت المعاملات التجارية والمالية والاقتصادية، والشؤون الأسرية.

ولا يجادل أحد أن رسالة نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- كان لها الفضل الكبير في نشر التنوير وتطوير العلوم والفنون والآداب وإغناء الفكر الإنساني وتحرير العقول، وتهذيب النفوس وإصلاحها، وقد أخذت عنها مختلف الحضارات اللاحقة للحضارة الإسلامية، ولا زالت الكتب والمراجع الغربية،شاهدة على الدور الكبير الذي قام به نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- في نشر وترسيخ القيم والأخلاق الفاضلة في المجتمعات الإنسانية الحديثة.

بناء على ما ذكرنا، من حق هذا النبي العظيم على المجتمعات المعاصرة، أن تخصص له يوما عالميا، في تخليد ذكراه، والتعريفبسيرته وإسهاماته في إخراج الناس من ظلمات الجهل والضلال، إلى نور العلم والهداية، حتى تستفيد الأمم والشعوب المختلفة من ميراثه القيمي الإنساني الكوني.