منوعات

يهم الثقوب السوداء .. علماء يقدمون إجابة عن سؤال طرحه ستيفن هوكينغ قبل 50 عاما  

يحتوي الكون المرئي على 40000000000000000000 ثقب أسود ذي كتلة نجمية، أي 40 كوينتيليون، أو 40 مليار مليار، حسب تقديرات دراسة جديدة. وهي تتشكل في نهاية حياة النجوم العملاقة ولها كتل تتراوح بين بضع ومئات من أضعاف كتلة الشمس.

سجلت الثقوب السوداء حضورها المثير في عالم الرياضيات والفيزياء والفلك، مند أن اقترح الفلكي ورجل الدين الإنجليزي جون ميشيل تصوره لوجود جسم ضخم جدا لدرجة أنه لا يسمح للضوء بأن يفلت منه، وذلك في بحث نشره في نوفمبر 1784. مرورا بأعمال عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين في عام 1915، نظريته النسبية العامة، حيث كان قد أثبت في وقت سابق أن الجاذبية تؤثر على حركة الضوء.

وكاحتمال نظري، تنبأ كارل شوارزشيلد بوجود الثقوب السوداء عام 1916، بوصفها نتيجة حتمية لنظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين. وإذا كانت نظرية أينشتاين صحيحة، وكل الأدلة تشير إلى أنها صحيحة بالفعل، فلا بد من وجود الثقوب السوداء.

وبعدها انطلقت النظريات المختلفة حول وجود الثقوب السوداء وخصائصها إلى أن طور العلم تكنولوجيا حديثة تسمح بالتأكد من وجودها، و”مشاهدتها”.

غير أن الذي اهتم به ستيفن هوكينغ، أحد أبرز الفيزيائيين في القرن الـ20، أمر آخر حير العلماء طيلة 50 سنة، لما طرح سؤالا عن مصير المعلومات الساقطة في الثقوب السوداء، بما أنها تنقطع تماما عن الكون، مما يتسبب في مشكلة بنظرية الكوانتم. حيث تنص النظرية على أن المعلومات لا يمكن أن تفنى أو تستحدث، ولو قررنا مثلا إلقاء فنجان من القهوة في ثقب أسود، فإن المعلومات الخاصة بكل جسيم دون ذري داخل ذرات هذا الفنجان (مثل الشحنة أو اللف أو الكتلة.. الخ)، تختفي من الكون.

وخلال نصف قرن، حاول الفيزيائيون من كل دول العالم تقريبا أن يتوصلوا إلى حلول لفقد المعلومات داخل الثقوب السوداء، لكن الغالبية العظمى منهم اقترحوا أنه لفعل ذلك يجب أن تحدث تحولات جذرية في نظرية الكوانتم والنظرية النسبية.

“شَعْر كمّي”

غير أن فريقا بحثيا بقيادة علماء من جامعة ساسكس البريطانية University of Sussex  يرى أنه يمكن ضمن نطاق النظريات الفيزيائية الحالية، حل تلك المعضلة.

وقد نشر الفريق هذا الحل في ورقتين بحثيتين منفصلتين بدوريتي “فيزياكال ريفيو ليترز” Physical Review Letters و”فيزيكس ليترز بي” Physics Letters B، في 17 مارس/آذار الحالي. ويستند ذلك الحل الرياضياتي إلى افتراض وجود “شَعْر كمّي” للثقوب السوداء.

ولفهم الفكرة يمكن أن نرجع إلى الستينيات من القرن الماضي، حينما أوضح الفيزيائي البارز جون أرشيبالد ويلر حقيقة أن الثقوب السوداء تفتقر إلى أي سمات يمكن ملاحظتها تتجاوز كتلتها الكلية ودورانها حول نفسها وشحنها وقال عن ذلك متهكما “الثقوب السوداء ليس لها شعر”، أي ليس لها سمات دون ذلك. وأصبحت تلك الفكرة تحمل اسم “مبرهنة اللا شعر” no-hair theorem بين الفيزيائيين.

لكن بحسب بيان رسمي أصدرته جامعة ساسكس، استخدم هذا الفريق أساليب رياضية محددة تم تطويرها إلى حد كبير في جامعة ساسكس على مدى السنوات العشر الماضية، وأظهر العلماء صراحة أن مادة النجوم التي تنهار على ذاتها لتصبح ثقب أسود تترك بصمة في مجال الجاذبية المحيط بالثقب الأسود، على المستوى الكمّي، سميت تلك البصمة “الشعر الكمي”.

مشكلة جديدة

تختلف هذه البصمة من ثقب أسود لآخر، بحسب تكوينه، ويعني ذلك أن أي معلومة تسقط إلى الثقب الأسود (وتصبح جزءا من تكوينه) سيظهر أثرها في مجال الجاذبية المحيط به، وبالتالي تُحفظ المعلومات من الضياع داخل الثقوب السوداء.

لكن تبقى المشكلة، بحسب الدراستين الجديدتين، أن اختبار هذه الفرضية تجريبيا غير ممكن بالقدرات التي تمتلكها الفيزياء الآن، لكن رغم ذلك فإنها ستخضع للتمحيص النظري خلال السنوات القليلة القادمة.

وإذا تأكد العلماء من صلابة هذه الفرضية الجديدة، فإنها قد تفتح بابا أوسع لحل مشكلات فيزياء الثقوب السوداء، وبالتبعية يمكن أن يساعد ذلك في فهم أفضل لمتفردة الانفجار الكبير وأصل الكون.

كوهين والثقوب السوداء

تتعلق أبرز إنجازات هوكينغ، الذي رحل عن عالمنا في 14 مارس/ آذار من عام 2018 عن عمر يناهز 76 عاما، بنظرية الثقوب السوداء التي اشتهر بها. كما أن “نظرية كل شيء”، التي ترجح أن الكون يتطور وفقا لقوانين محددة، هي أكثر ما جذب أنظار العالم إليه.

وقال هوكينغ: “إن هذه القوانين يمكن أن تقدم أجوبة للأسئلة المتعلقة بنشوء الكون وإلى أين يتجه وهل له نهاية. وكيف سينتهي؟ وإذا وجدنا الإجابات لهذه الأسئلة سيصبح لدينا تصور عن عقل الإله”.

فعندما بدأ يفقد استخدام أطرافه في عام 1966، طور طريقة لتصور المشاكل في ذهنه للوصول إلى حل بدلا من كتابة المعادلات. وشرع في الاشتغال على واحدة من أكثر الأفكار العلمية غرابة، وهي فيزياء الثقوب السوداء.

فقد اقترح وجود العديد من الأجسام التي تحتوي على ما يصل إلى مليار طن من الكتلة، ولكنها تشغل مساحة البروتون فقط.

وهذه الأجسام، التي تسمى الثقوب السوداء الصغيرة، فريدة من نوعها من حيث أن كتلتها الهائلة وجاذبيتها تتطلب أن تحكمها قوانين النسبية، بينما يتطلب حجمها الصغير أن تنطبق عليها قوانين ميكانيكا الكم أيضا.

كما وضع هوكينغ تصورا متطرفا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين، تتمثل عندما تنهار النجوم الضخمة إلى حجم صفري وكثافة لانهائية، وهي النظرية المعروفة باسم “التفرد”

وفي عام 1970، ساعد عمل هوكينغ على الثقوب السوداء في إثبات فكرة “الانفجار العظيم” عند ولادة الكون.

وقد تم تطوير نظرية الانفجار العظيم في أربعينيات القرن الماضي، ولم يتم قبولها من قبل جميع علماء الكونيات.

ومن خلال العمل مع عالم الرياضيات روجر بنروز، أدرك هوكينغ أن الثقوب السوداء تشبه الانفجار العظيم في الاتجاه المعاكس، وهذا يعني أن الرياضيات التي استخدمها لوصف الثقوب السوداء وصفت أيضا الانفجار العظيم.

وفي عام 1974، أدرك هوكينغ أن الثقوب السوداء يمكن أن تكون وسيلة لاستكشاف الكأس المقدسة للفيزياء، وهي نظرية موحدة تجمع بين النسبية العامة وميكانيك الكم.

وتصف هاتان النظريتان القويتان، ولكن غير المتوافقتين، الكون بالمقياس الكوني والمقياس دون الذري على التوالي.

وقد اقترح هوكينغ أنه وفقا لتوقعات نظرية الكم فإن الثقوب السوداء تنبعث منها جسيمات دون ذرية حتى تستنفذ طاقتها وتنفجر أخيرا.

وحفز عمل هوكينغ الجهود المبذولة لتحديد خصائص الثقوب السوداء نظريا، وهي أجسام كان يُعتقد سابقا أنه لا يمكن معرفة أي شيء عنها.

وكان عمله مهما أيضا لأنه أظهر علاقة هذه الخصائص بقوانين الديناميكا الحرارية الكلاسيكية وميكانيك الكم.

وقد أسفرت محاولات هوكينغ لدمج نظريتي النسبية العامة وميكانيك الكم عن نتيجة مفاجئة، وهي أن الثقوب السوداء يجب أن تتألق.

ويُعرف هذا التأثير الآن باسم “إشعاع هوكينغ”. وهكذا، اكتشف هوكينغ الظاهرة التي أصبحت تعرف باسمه، حيث تصدر الثقوب السوداء أشعة ثم تتلاشى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *