رمضانيات

“الترمضينة” أو الغضب العدواني خلال رمضان .. إليك تفسير العلم وسبل العلاج

ثمة برمجة عصبية جماعية تعززت عبر أجيال في بعض الأوساط ربطت بين حلول شهر رمضان وكثير من المواقف والسلوكيات السلبية التي تناقض جوهر وروح الشهر الفضيل. وإذا كان شهر رمضان شهر عبادة وإحسان، وشهر تمثل قيم الرحمة والتعاون والتسامح، وشهر الكرم والعفو، والعشرات من القيم الدينية والإنسانية النبيلة، فإن واقع التدين في رمضان في بعض الأوساط تكون له عناوين أخرى لا علاقة لها بكل تلك المعاني الجميلة التي ينبغي أن تسود فيه.

وفي كل مجتمع إسلامي، نجد أوساطا تختلف من حيث الحجم والخلفية الاجتماعية والتعليمية، تنتعش فيها سلوكيات تطفوا إلى الواجهة مع كل رمضان، ولعل أخطرها ما يعبر عنه المغاربة بـ”الترمضين” أو الغضب العدواني، حيث تعلو يحل الجبين المقطب، والوجوه المكفهرة، والنفوس الغاضبة المتوترة والسريعة الانفعال، والتي تكون على أهبة رد الفعل العنيف تجاه أي تصرف، وغير ذلك مما يتواضع الناس على تصريفه كعملة للتعبير عن أنهم صائمون!

ويكون هذا السلوك العدواني خطيرا في بعض الأوضاع مثل السياقة، حيث تتحول الطرق في بعض الأوقات إلى حلبة صراع خطيرة، لا تفاهم فيها، ولا تسامح ولا حتى احترام للقاوانين. وكثيرا ما يعبر الناس على أن السياقة في بعض الأوقات في رمضان مغامرة غير محمدة العواقب. فما علاقة كل هذا بالصيام وبرمضان؟

لماذا يحصل هذا التناقض في سلوكيات الصائمين؟ وكيف يُهذّب الإيمان والأخلاقيات التي يُوصي بها من سلوك الناس خلال الصيام؟ وكيف يُمكِن للصيام أن يرفع من قدرة الإنسان على ضبط نفسه والسمو به وتحسين سلوكه؟ هذا ما سيستعرضه المقال عبر تناول دراسات حديثة من حقل علم النفس الدّيني والأخلاقي والتي تتبّع أثر الصيام على السلوك، وعلى تنمية عضلات الأخلاق الإيمانية للصائمين، حسب الجزيرة نت.

هل هناك علاقة بين سرعة الغضب والصيام؟

لفترة طويلة ظلّ نقاش السلوكيات الأخلاقية مقتصرًا على علوم الدّين والفلسفة، وكانت نقاشات التصرّفات الأخلاقية للبشر تغرق في فضاء نظري مع بعض الشواهد الواقعية هنا وهناك. لكنّ القرن الأخير شهد ثورة علمية في حقول معرفية جديدة متعدّدة التخصّصات، مثل: علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي وعلم النفس الديني وكذلك علم النفس الأخلاقي والعصبي، والتي صارت تدرس السلوك الأخلاقي بطرق تجريبية وعلمية ترصد وتتبّع التصرّفات البشرية الأخلاقية وتفسّر أسبابها ودوافعها وجذورها.

هناك عدّة عوامل تُساهم في تشكيل السلوك الأخلاقيّ للإنسان، منها العوامل المعرفية كالمعتقدات، والعوامل الاجتماعيّة كالعادات والتقاليد، والعوامل الثقافيّة كمنظومة القيم، والعوامل الاقتصاديّة كالفقر والغنى، والعوامل البيولوجية/الثقافية مثل درجة الشعور بالتقزّز والاشمئزاز، وكلّ هذه العوامل تجتمع معًا عند كلّ فرد فتُحفّز السلوك الأخلاقي أو تكبحه. ومن بين هذه العوامل المختلفة نلتمس الحديث هنا عن العامل البيولوجيّ والنفسي في حالة الصيام، وعلاقته بظهور السلوك الأخلاقيّ لدى الصائم.

تشير بعض النتائج والروابط العلميّة عن وجود علاقة وثيقة بين ضبط النفس ومستوى الجلوكوز في الدم، إذ بحسب عالم النفس والبروفيسور ماثيو جيليوت في بحثه الشهير (فسيولوجيا قوة الإرادة:علاقة الجلوكوز في الدم بضبط النفس) (1)  فإنّ الجلوكوز أو سُكّر الدم هو المصدر الأساسي للطاقة في عمليات البناء في الخلايا، وبانخفاض كميات الجلوكوز -نتيجة الصيام مثلًا- تقلّ قدرة المرء على ضبط نفسه والسيطرة على انفعالاته، والعكس صحيح.(2)

ولهذا تجد أنّ الإسلام على سبيل المثال شديد التركيز على ضرورة التحلّي بالحِلم والصبر والأخلاق الحسنة خلال فترة الصيام، وتشديده الدائم على أنّ اكتمال أجر الصائم لا يكون إلّا من خلال السلامة الأخلاقية للصائم امتثالًا لقول النبيّ الكريم: وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم.(3) وكأنّه يتفهّم أنّ الوضع الفسيولوجيّ للجسد تحت حالة الصيام يجعله أكثر عرضة للانفعال وأنّ الارتقاء الروحيّ للإنسان يكون أفضل ما يكون حين يُقاوم الإنسان هذه الجاهزية الجسدية للغضب ويتفوّق عليها ويسمو بنفسه عبر التحلّي بالأخلاق الحميدة وإلزام نفسه بعدم الإساءة لأي أحد خلال صيامه

لماذا يتشاجر النّاس في رمضان؟

يلاحظ كثير من المسلمين زيادة في معدلات الغضب، والتشاجر بين الناس في شهر رمضان، وهذا ما تثبته بعض الدراسات من ارتفاع معدلات الحوادث ومراجعة أقسام الطوارئ في البلاد الإسلامية أثناء شهر رمضان (4) (5) ،وقد يستنتج القارئ لأوّل وَهلة أنّ هذه الدراسات تُحاول تشويه الصيام وثني النّاس عن هذه الشعيرة العظيمة، أو قد يستشكل المسلم حين يرى نتائج هذه الداراسات تُظهِر تعارضًا ظاهريًا مع أحاديث صحيحة في السياق الإسلاميّ تُخبر بأنّ الشياطين تُصفّد في شهر رمضان الكريم وتعجز فيه عن إغواء المسلمين وفتنتهم! فما هو السبب خلف هذه الحوادث ونوبات الغضب؟ تحاول هذه المقالة الإجابة عن هذا التساؤل من خلال التفكير في علاقة غياب السكّر وأثره على ضبط النفس في رمضان!

بداية من المتفق عليه أنّ معظم الأديان تحثّ أتباعها من الناحية السلوكية على المُعاملة الحسنة وتشجّع على ضبط النفس،  وفي السياق الإسلامي نجد بأنّ الإسلام أولى أهمية فائقة لمفهوم الصبر، الذي يتحدد في تعريفات العلماء المسلمين بحسب الراغب الأصفهانيّ بأنّ الصبر هو “حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع”(6)، فقد وردت مشتقات الجذر “صَبَرَ” في القرآن الكريم أكثر من مئة مرة، وتكرر الأمر بالصبر والحث عليه عشرات المرّات، ويحكي القرآن الكريم عن محبة الله للصابرين، والصبور من صـفات الله وأسـمائه الحسـنى(6)، وللصبر علاقة وثيقة بالعبادات التي يدعو إليها الإسلام، خاصة الصيام، أحد أركان الإسلام الخمسة، وفي ذلك يقول محمد رشيد رضا في تفسيره لمّا جاء على ذكر آية الصوم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

(هذا تعليل لكتابة الصيام، ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعدُّ نفس الصائم لتقوى الله -تعالى- بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة؛ امتثالاً لأمره، واحتسابًا للأجر عنده، فتربَّى بذلك إرادته على مَلكة ترك الشهوات المحرَّمة، والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتَقوى على النهوض بالطاعات والمصالح، والاصطبار عليها، فيكون الثبات أهون عليه؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- : “الصيام نصف الصبر”، وقال سفيان بن عيينة: “الصوم هو الصبر، يصبر الإنسان على الطعام والشراب والنكاح، ثم قرأ: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”) (7)

عضلة أخلاقية: ما هو مفهوم الصبر في علم النفس؟

يدرس علم النفس الحديث ظاهرة الصبر تحت مسمى “ضبط النفس Self-Control”، والنموذج العلمي المتداول اليوم في حقل علم النفس يُشبّه الصبر بالعضلة(8) أو ما يسميه البعض بـ “العضلة الأخلاقيّة moral muscle” (9) ووفقا لهذا النموذج فلكل إنسان مقدرة معينة من الصبر تماما كما لعضلات جسمه قدرة تحمّل مُعيّنة، وكما تنضب قدرة العضلات خلال القيام بالمهمات الشاقّة، فإنّ مصادر الصبر عند الإنسان تنضب وتنفذ أيضًا، حين يستنزف نفسه بأداء مهمات شاقة متعددة.(9)

ولهذا النموذج وجه مشرق، فمن المعلوم لمن يمارس رياضة كمال الأجسام وبناء العضلات أن تعريض العضلة لمهام شاقة -حتى تكاد تبلغ درجة الإجهاد-  شرط أساسي في تحقيق نموها، ويلاحظ هنا أن الجهد الذي أفشل العضلة في التمرين الأول يصبح غير قادر على إفشالها لاحقا، ولا بد من بذل جهد أكبر حتى تبلغ العضلة مرحلة الفشل، وهذا الأمر يطبقه علم النفس الحديث على الصبر، فعضلة الصبر تنمو مع التمرين تماما كما تنمو عضلات الجسم.

الصيام إذًا يقلل كميات الجلوكوز في الدم فتنخفض المقدرة على ضبط النفس أو الصبر! ولكن يبرز هنا تساؤل مثير: هل شرع الصيام لتقليل الصبر أم لزيادته؟

للإجابة عن هذا التساؤل نعود مرة أخرى للنموذج العضلي ورياضة كمال الأجسام، إن إحدى الطرق المعروفة في تنمية قوة العضلات هي وضعها في تمرين تنفرد العضلة بأدائه، وهذا يعني أن تواجه العضلة وحدها المهمة الشاقة دون مساعدة من العضلات الأخرى، ولتحقيق هذا الأمر يتم تصميم معدات خاصة وأوضاع معينة، وهذا تماما ما يقوم به الصيام! فعندما يقل مستوى الجلوكوز في الدم وتتراجع القدرة على ضبط النفس، تواجه عضلة الإيمان الدينيّ وحدها المهمة الشاقة، ويبدأ تمرينها القاسي، ويستمر هذا التمرين طوال شهر رمضان الكريم، ومع نهاية الشهر الفضيل تكون عضلة الإيمان قد نمت لتواجه عامًا كاملًا من الابتلاءات حتى عودة رمضان مرة أخرى.

بحسب علماء النفس: المتدينون أكثر انضباطًا أخلاقيًا

توقّع بعض علماء الاجتماع وجود علاقة  إيجابية بين الدين وضبط النفس بسبب معتقدات ما بعد الحياة، حيث يبدو من المنطقي  لمن يؤمن بوجود حساب أخرويّ على أفعاله الدنيوية أن يظهر مقاومة أكبر أمام المغريات الدُنيوية. كما يعتقد بعض الباحثين أن الإيمان بالعقاب والثواب يعزز الإيمان بالإرادة الحرة، الذي بدوره يعزز من ضبط النفس. الدراسات التي استقصت العلاقة بين الدين وضبط النفس تقترح أن آلية تعزيز الدين لضبط النفس هي من خلال تعزيز المراقبة الذاتية الناتجة عن الإيمان بالثواب والعقاب.

في العقد الأخير وجدت هذه التوقّعات النظرية مصداقًا تجريبيا عبر دراسات عديدة في علم النفس تُؤكّد وجود علاقة إيجابية بين الدين و ضبط النفس. فقد أجرى فريق بحثي في علم النفس(10)  ثلاث دراسات تؤكد أن تذكير المشاركين (طلاب جامعيون) بالله يزيد من مقاومة المغريات الآنية، ففي واحدة من هذه الدراسات وُزع المشاركون عشوائيا على ثلاث مجموعات، مجموعة ذكرت بالله، ومجموعة ذكرت بأفكار إيجابية، ومجموعة حيادية ضابطة لَم تُذكّر بأي شيء، فكانت النتائج أنّ المجموعة التي ذكرت بالله قللت من كمية الطعام السريع أكثر من المجموعتين الأخريين، وفي الدراسة الثانية، قُسِّم المشاركون إلى مجموعتين، مجموعة ذكرت بالله ومجموعة حيادية ضابطة، المجموعة التي ذكرت بالله استهلكت كمية أقل من الطعام غير الصحي.

أمّا في الدراسة الثالثة لسلسلة الدراسات السابقة، فقد  أظهرت النتائج أنه في المجموعة التي ذكرت بالله يزداد تقريرهم لمقاومة المغريات مع زيادة اعتقادهم بأن الله يراقب وعالم بكل شيء. هذه الدراسة تدعم مقترح أن التفاوت بين الأفراد في مفهومهم الإدراكي الديني حول العقاب على المعصية وآلية حدوثه قد يؤدي إلى درجات متفاوتة من ضبط النفس، إذ أن التذكير بالإله العالم بكل شيء والقادر على إنزال عقاب شديد قد يكون له تأثير مختلف عن التذكير بالإله العالم بكل شيء والذي يُحجِم عن إنزال عقوبة شديدة فورية بأصحابه.(10)

في دراسة أخرى(11) أكدت النتائج وجود علاقة إيجابية بين الدين وضبط النفس، حيث وُجدِ أنّ المجموعة التي ذُكّرت بالدّين ووصاياه أظهرت مستوى أعلى من ضبط النفس (الامتناع عن شرب مشروب مكروه) مقارنة مع المجموعة الحيادية. وقد وجدت تجربة لاحقة لنفس الدراسة، أنّ المجموعة التي تعرّضت لتأثير الدين ضمنيًا والتذكير غير المباشر بتعاليمه، أظهرت مستوى أعلى من تأخير الإشباع  مقارنة بالمجموعة الحيادية الضابطة حيث فضّل معظمهم الحصول على أجر أكبر مؤجل عوضًا عن أجر أقل عاجل.

وحتّى يتمّ التحقّق من قابلية عضلة ضبط النفس للتقوية أو الاستنزاف فقد قام الفريق البحثي نفسه بإجراء تجربة، طلبوا منهم طباعة نص بشرط حذف حرفي E و S حيثما حلّت هذه الحروف (وهي طريقة لدراسة قدرة الإنسان على كبح اندفاعيته وضبط نفسه من الاندفاع ومدى قدرته على السيطرة على نفسه) ثم وزعت هذه المجموعة إلى مجموعتين إحداهما تعرضت لتذكير ضمني بالدين والأخرى تعرضت لتأثير محايد، ثم طلب من المجموعات حل ألغاز هندسية، النتائج أظهرت أن المجموعة التي تعرضت للتذكير الضمني بالدين أظهرت مستوى أعلى من ضبط النفس (عن طريق مقارنة مقدار الوقت المُستَغرَق في محاولة حل اللغز). كما لم يجد الباحثون فرقًا بين المجموعة التي لم تتعرض لمهمة الإنضاب والمجموعة تعرضت له ثم ذكرت بالدين. وهذا دليل على أن الدين يشحن مصادر ضبط النفس.(11)

التديّن يضبط النفس ويمنعها من السلوكيات الإجرامية

في دراسة طويلة المدى(12) تتبّعت أكثر من ألف مراهق لمدّة تزيد على سنتين، خلال فترة تتبع الباحث للمشاركين قام بقياس كل من: ارتكابهم للجرائم، وتدينهم، ومستوى ضبط النفس. نتائج الدراسة تشير إلى أن زيادة التدين لدى المشاركين أدت إلى زيادة ضبط النفس وتقليل السلوكيات الإجرامية، التحليل أثبت أيضا أن ضبط النفس لا يمكنه أن يتنبأ بالتدين ولكن العكس صحيح أيّ أنّ الديّن يُمكنه التنبّؤ بقدرة المرء على ضبط نفسه. لم توضّح هذه الدراسة آلية تأثير الدين في ضبط النفس، لكنّ الباحثين يقترحون أن الخوف من العقاب الإلهي قد يكون إحدى التفسيرات الممكنة.

يُضاف إلى هذا، دراسة أخرى طويلة المدى،(13) قامت بقياس أثر الدين في استخدام المواد المخدرة (الكحول، التبغ، ميرجوانا) بين المراهقين. شارك في الدراسة (106) مشارك تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، جميع المشاركين لم يكونوا من مستخدمي المواد المخدرة عند بداية الدراسة، بعد سنتين وأربعة أشهر، جمعت بياناتهم حول استخدام المواد المخدرة، فأثبت التحليل المساري أنّ التدين الشخصي (تذكّر الله واستحضاره) يرتبط عكسيًا باستعمال المواد المخدرة، وأنّ تأثير زيادة التدّين على انخفاض استعمال المخدّرات يتمّ من خلال عامل وسيط هو ضبط النفس. حيث يعتقد الباحثون أنّ تأثير الدين في ضبط النفس يتمّ من خلال آلية المراقبة والثواب والعقاب التي تجعل الأفراد واعين لتبعات سلوكهم.

أخيرا، فمن المدهش أنّ الدراسات(14) وجدت أنّ المجرمين الذين لا يمارسون الصبر أو ضبط النفس يقومون بتحريف المعتقدات الدينية كي يبرّروا أفعالهم!  فقد قام فريق بحثي(14) بدراسة المعتقدات الدينية لمجرمي الشوارع الخطرين، حيث اتّبعت الدراسة منهجية كيفية، أجرى فيها الباحثون مقابلات مع المجرمين، وتوصّلوا إلى نتائج مُثيرة للتعجّب، حيث تشير النتائج إلى أنّ المجرمين الذين يحملون معتقدات حول الثواب والعقاب الأخروي تدفعهم للإقدام على المزيد من المخاطر الإجرامية! حيث يقوم المجرمون بتحريف المعتقدات الدينية كي تساعدهم على مواجهة الخوف من الموت وتشجعهم على الإجرام، فعلى سبيل المثال، أخبر الباحثون مجرمًا متهمًا بالقتل (33 عاما) أن عقوبة القتل المتعمد هي الخلود في جهنم، فكان ردّه:

“لا، لا، لا، أنا لا أعتقد بأنّ عقوبة القتل المتعمّد هو الخلود في جهنّم. أعني، أي شيء يمكن أن يُغفَر. نحن نعيش في الجحيم الآن ويمكنك أن تفعل أي شيء [القتل] في الجحيم. وعندما ينتهي هذا كله.. سنذهب إلى هناك [إلى الجنة]. فقط الشيطان هو مَن سيعيش في الجحيم إلى الأبد. أمّا الله، فإنّه  يغفر للجميع، حتى لأولئك الذين لا يؤمنون به”.

رمضان.. أن تختبر إيمانك وتسمو بنفسك

لعلّ هذه المقاربة من علم النفس تُساعدنا على فهم الصبر وضبط النفس كمهارة يُمكِن تطويرها لدى الإنسان، والمُفارقة في هذه المقاربة هي أنّ تدريب نفسك بالامتناع عن إشباع رغباتها الفسيولوجية واليومية والروتينية، يُساعدها أن تكون أكثر انضباطًا تجاه أمور سلوكية واجتماعية في مجالات أخرى من حياة المرء. وقد تنبّه علماء المسلمين لهذه المفارقة اللطيفة منها على سبيل المثال ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدّين: لا يمكن إصلاح القلب لسلوك طريق الآخرة ما لم يمنع نفسه عن التنعّم بالمباح، فإنّ النفس إذا لم تُمنَع بعض المباحات طَمِعَت في المحظورات.(15)

وقد ورد في السيرة النبوية(16) أنّ الأنصار عقب معركة حنين وجدوا في أنفسهم شيئًا تجاه توزيع النبي صلى الله عليه وسلم- الغنائم، وحين بلغ ذلك النبي خاطبهم قائلًا: “أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم!” ما أراد قوله النبي لأنصاره من أهل المدينة، أنّكم أهل سابقة، وشهدتم معي المشاهد الكبرى، ومن كان هذا حالهم، لن يكون سبب إسلامهم السلب والغنيمة، خلاف القوم الذين تآلفهم النبي ببعض العطايا والهدايا.(16)

وليس بعيدًا عن الأنصار والمؤلفة قلوبهم، الصبر عضلة، والصيام هو التمرين الأفضل لتقويتها، لأجل ذلك يجيء رمضان كدورة تدريبيّةٍ قاسية لعضلة الإيمان والصبر، من غير مساندات السُكّر التي تقف وراء بعض الأخلاق، فيقف المسلم حينئذ أمام إيمانه وتقواه وصبره، لا يوكَلُ إلّا إليه.

مصادر الجزيرة نت:

Gailliot MT, Baumeister RF. The physiology of willpower: linking blood glucose to self-control. (2007)

Wang Xiao-Tian. Resource Signaling via Blood Glucose in Embodied Decision Making. (2018)

إسلام ويب: هل الغضب والشجار يُفسدان الصيام؟ فتوى 109481

Topacoglu H, et al. Impact of Ramadan on demographics and frequencies of disease-related visits in the emergency department

Topacoglu H et al. Evaluation of the impact of the month of Ramadan on traffic accidents

موسوعة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، مجموعة باحثين، مركز تفسير للدراسات القرآنية، الرياض، 2019، ج20. ص202 وما بعدها

تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار الكتب العلمية، لبنان، ،ج2، ص116

Muraven, M. Self-regulation and depletion of limited resources: Does self-control resemble a muscle?

DeWall. How leaders self-regulate their task performance: Evidence that power promotes diligence, depletion, and disdain

Laurin, K. (2012). Divergent effects of activating thoughts of God on self-regulation

Kevin Rounding. (2012) Religion replenishes self-control, Psychological science

Pirutinsky S. Does Religiousness Increase Self-Control and Reduce Criminal Behavior?: A Longitudinal Analysis of Adolescent Offenders

Kim-Spoon J. Longitudinal Associations Among Religiousness, Delay Discounting, and Substance Use Initiation in Early Adolescence

Volkan Topalli. (2012) With God on my side: The paradoxical relationship between religious belief and criminality among hardcore street offenders

إحياء علوم الدين أبو حامد الغزالي

السيرة النبوية: غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح، ابن هشام

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *