منوعات

حالاته نادرة .. مرض وراثي يجعل الجسم يفرز رائحة كريهة تشبه رائحة السمك الفاسد

يعاني بعض الأشخاص من مرض يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة من أماكن متنوعة في الجسم دون سبب واضح وغير مبرر. وهذه الروائح تلازمهم فترات طويلة من الوقت، وتسبب لهم المشاكل الشخصية وحالة من الحرج المستمر، وتطالهم اتهامات بعدم اتباع طرق العناية بالنظافة الشخصية.

وهذه الحالة، حسب موقع “الطبي” التي يطلق عليها “متلازمة رائحة السمك”، تعبر عن اضطراب وراثي في أحد الجينات يسبب عدم قدرة الجسم على تحليل وتفكيك مركب ثلاثي “ميثيلامين”. وهذا المركب ذو رائحة كريهة تشبه رائحة البيض الفاسد أو السمك المتعفن أو رائحة القدم المنتنة، وعندما يفشل الجسم في تفكيك هذا المركب يخرج من الجسم عن طريق التعرق والنفس والبول، وتنتشر رائحته في المكان بصورة واسعة، وتؤثر في حياة الشخص والعلاقات الاجتماعية والأنشطة اليومية بالكامل. وينعزل بعض هؤلاء الأشخاص المصابين بهذه المشكلة، وبعضهم يقبل على الانتحار بسبب سوء الحالة النفسية جراء هذا المرض الشديد.

معاناة امرأة

حسب الجزيرة نت، تعاني امرأة تبلغ من العمر 45 عامًا من رائحة العرق التي تسبب الغثيان لأنها تشبه رائحة السمك الفاسد، وهو الاضطراب الذي يسمم حياتها الاجتماعية منذ أكثر من 20 عامًا، حيث تتفاقم هذه الظاهرة عندما تستهلك هذه المرأة بعض الأطعمة، بما فيها الأسماك، وقد انتهى بها الأمر إلى إلغائها من نظامها الغذائي.

وحسب نفس المصدر، قال تقرير نشرته صحيفة  “لوموند  ” (le monde)  الفرنسية، إن المرأة تم إرسالها للاستشارة في مستشفى جامعة تورز، ولكن الفحص السريري لهذه المرأة لم يظهر أي مشاكل، ما دفع الأطباء إلى اقتراح -في هذه الحالة- تشخيصًا مختلفًا، وهو متلازمة رائحة السمك (Fish Odor Syndrome)، وهو اضطراب أيضي نادر نسبيا يتجلى في رائحة الجسم الكريهة.

ولفت التقرير إلى أن متلازمة رائحة السمك تُعرف أيضًا باسم “تريميثيل أمين يوريا” (trimethylaminuria)، وهي عبارة عن اضطراب استقلابي متعلق بإفراز “تريميثيل أمين” (trimethylamine) وهو المادة المسؤولة عن الرائحة الكريهة، وهو مرض وراثي متنحٍ (أي يجب أن يكون لدى الشخص جين من الأب وجين من الأم حتى يظهر).0

دور الوراثة في التشخيص

وتطرق المقال إلى طريقة التشخيص الذي يعتمد على قياس كمية “تريميثيل أمين البول” و”أكسيد تريميثيل أمين البول” في البول، وتتمثل الطريقة الأكثر عملية في جعل المريض يتناول كمية كافية من التريميثيل مسبقًا من خلال تناول 300 غرام من الأسماك البحرية، ونظرًا لأن الاضطراب قد يكون خفيفًا أو متقطعًا، فقد يكون من الضروري تكرار الفحص أكثر من مرة من أجل التشخيص.

الإبلاغ عن المتلازمة لأول مرة في عام 1970

وأشار التقرير إلى أن أول وصف سريري لهذا الاضطراب الأيضي، يعود إلى عام 1970، من قبل جيمس هوبرت، بجامعة كولورادو، في مقال نُشر في مجلة “لانسيت”، حيث تعلقت هذه الحالة السريرية بطفل يبلغ من العمر 6 سنوات، كانت والدته تشم رائحة غريبة، تصدر منه في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن هذا المرض الأيضي يعتبر نادرًا، فإنه تم التبليغ عن أكثر من 200 حالة في عام 2011.

ويعود التقرير إلى حالة المرأة البالغة من العمر 45 عامًا مبينًا أنه تم الإبلاغ عن حالتها من قبل فرانسوا مايو وزملائه الأطباء الباطنيين من المركز الاستشفائي الجامعي الإقليمي لمدينة تورز، فرنسا، وعلماء الأحياء الجزيئية في مركز الاستشفاء الجامعي الإقليمي لمدينة ليل، في مقال نُشر في عدد مارس/آذار 2022 من مجلة الطب الباطني.

تداعيات نفسية واجتماعية كبيرة

ويبين التقرير أن هذا المرض يظهر عادةً في مرحلة الطفولة أو بداية مرحلة البلوغ ولكنه يبقى غير مشخص، خاصة أن هذا المرض النادر غير معروف جيدًا لدى الأطباء لتأخر التشخيص لعدة سنوات، كما يؤكد الأطباء في المركز الاستشفائي لمدينة تورز. ونظرًا لتراكم تريميثيل أمين البول بسبب النظام الغذائي وفترة ما قبل الحيض، يمكن أن تكون الأعراض متقطعة، ما قد يسهم مرة أخرى في تأخير التشخيص، مما قد يخلق حالات من المعاناة النفسية على المدى الطويل.

تجنب بعض الأطعمة

وأوضح التقرير أن علاج هذا المرض يعتمد على إلغاء بعض المنتجات من النظام الغذائي، وخاصة الأطعمة الغنية بمكون غذائي اسمه الكولين (Choline)، حيث تمتصه الأمعاء الدقيقة، ويتم استقلاب الكولين الزائد إلى ميثيل أمين بواسطة البكتيريا المعوية في القولون، كما يمكن أن تولد بكتيريا القولون أيضًا ميثيل أمين من الليسيثين (lecithin)، وهي مادة توجد في بعض الأغذية.

ويتابع التقرير أنه من بين الأطعمة الغنية بالكولين، الحليب منزوع الدسم وفول الصويا والأسماك والبيض والروبيان والدجاج والمكسرات والفول السوداني والفاصوليا المجففة والبازلاء والعدس والشوكولاتة التي تحتوي على الكولين أو الليسيثين وكذلك الأطعمة التي تحتوي على ليسيثين الصويا.

ويبين التقرير أنه تم إخضاع المريضة البالغة من العمر 45 عامًا لنظام غذائي للتخلص من الكولين، إلى جانب علاجات أخرى، والتي ساعدت في السيطرة على ظاهرة الرائحة الكريهة لديها.

واختتم التقرير بالإشارة إلى تسجيل حالة ثانية لامرأة تبلغ من العمر 70 عامًا، حيث لاحظ الأطباء انخفاضًا في الروائح الكريهة بعد اتباع نظام غذائي منخفض في مادة الكولين، وعلاج آخر، وكل هذه الإجراءات جعلت من الممكن تحسين نوعية حياة المريضة بشكل ملحوظ، والتي أصبحت قادرة على الخروج من عزلتها واستئناف حياتها الاجتماعية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *