خارج الحدود

جرى سنة 1848 .. معطيات مثيرة سجلها أقدم إحصاء عام للسكان في مصر

يفتقد البشر اليوم إلى سجلات دقيقة حول المجتمعات القديمة، وخاصة فيما يتعلق بالعوامل الاجتماعية، مثل المعطيات الديموغرافية، والثقافية والدينية، وغيرها التي توفرها الإحصاءات العامة للسكان. والتي قد تعطيه فرصة اتباع منحنيات تطور المجتمعات في أحد أهم أبعاد وجود البشر.

وحسب موقع المعرفة، يعتبر الإحصاء السكاني الذي أُجري في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1790م أول إحصاء حديث يمكن وصفه بأنه شامل، ومباشر ومنتظم. وتُجري بريطانيا إحصاءات حديثة منتظمة كل 10 سنوات منذ 1801م، فيما عدا عام 1941م أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م).

وكانت فرنسا قد أجرت أول إحصاء في عام 1836م، وبلجيكا عام 1846م وإيطاليا عام 1861م، وألمانيا عام 1871م، وروسيا عام 1897، واليابان عام 1920. أما أول إحصاء منتظم أُجري في الهند فيعود إلى عام 1881م تلته إحصاءات منتظمة كل 10 سنوات.

وتعتبر رقمنة أقدم إحصاء عام للسكان في مصر، بصفته أقدم إحصاء في دولة إسلامية،  نموذجا حافلا بمعطيات مثيرة، تسمح مقارنتها بواقع المجتمع المصري اليوم باستنتاجات لم يكن من الممكن التوصل إليها دون ذلك.

أول حصر سكاني يجري في دولة خارج أوروبا

ونتيجة لسنوات من المجهود الضخم حسب وصف مختصين، نجح فريق من دار الوثائق المصرية في رقمنة أول تعداد سكاني لمصر جرى سنة 1848، وكان أول حصر سكاني يجري في دولة خارج أوروبا.

واعتمد الفريق البحثي، الذي ترأسه محمد صالح أستاذ الاقتصاد بجامعة “تولوز كابيتول” الفرنسية، في عملية الرقمنة الخاصة بتعداد سكان مصر، على سجلات التعداد الأصلية المكتوبة بخط اليد باللغة العربية المحفوظة في 7 آلاف سجل داخل الأرشيف الوطني المصري

شمل الإحصاء السكاني، الذي جرى قبل نحو 170 عاما واستغرق إعداده 3 سنوات، جميع الأفراد -رجالا ونساء وأطفالا- داخل الحدود السياسية لمصر في ذلك الوقت، بما في ذلك سيناء وصحاري مصر الغربية والشرقية

أرقام مدهشة

في الوقت الراهن، يبلغ عدد سكان مصر نحو 103 ملايين مواطن، بخلاف المقيمين على أراضيها من جنسيات أخرى، في حين لم يزد الأشخاص على 4.3 ملايين نسمة في ربوع البلاد سنة 1848.

وغطى تعداد عام 1848 ما يقرب من 92% من السكان المقيمين في 18 محافظة باستثناء المساجين والمهاجرين خارج البلاد، والعساكر المقيمين في الثكنات العسكرية، الذين تم تعدادهم من قبل وزارة الحربية وقتها، والرعايا الأجانب غير العثمانيين الذين تم تعدادهم من قبل قنصلياتهم.

وتم الاعتماد على تقسيم المناطق الحضرية إلى قسم وشياخة أو ربع، بينما قسمت المناطق الريفية إلى مراكز وقرى. وتضمن الإحصاء اسم الفرد وعمره وديانته ومهنته ووضعه القانوني (حر، عبد)، ومكان ميلاده، وإقامته الحالية، ونوع المسكن (ملكية خاصة، وقف، مؤجر، هبة، وصاية)، والحالة الصحية (بدون إعاقة، عاجز).

الديانة والجنسية

على مدى عقود، داومت الحكومة المصرية على عدم الكشف عن نسب المسلمين إلى المسيحيين في البلاد، وكثرت التكهنات حول السر وراء ذلك غير أن السبب الحقيقي ظل غامضا كما التعداد.

لكن يبدو أن القائمين على الحصر السكاني قبل ما يزيد عن 170 سنة لم يكن لديهم حساسية التعداد العقائدي، فكشف الحصر الرقمي عن أن نسبة المسلمين في محافظتي القاهرة والإسكندرية عام 1848 بلغت 89% من إجمالي عدد السكان، في  مقابل 6% من المسيحيين و1% يهود، و4% غير محددي الديانة.

أما في باقي المحافظات، فبلغت نسبة المسلمين 92%، في مقابل 6% مسيحيين، و2% غير محددي الديانة، مع عدم وجود يهود بتلك المناطق.

وبالنسبة لجنسية سكان مصر، وصلت نسبة المصريين في محافظتي القاهرة والإسكندرية 87%، والأتراك 3%، والأوروبيين 1%، والنوبيين 1%، والأفارقة 1%، والشوام 1%

بينما بلغت نسبة المصريين في باقي المحافظات نحو 97%، والأتراك 1%. كذلك تم حصر عدد العبيد في ربوع البلاد، إذ وصل عددهم في ذلك الوقت إلى 2% من إجمالي عدد السكان

مجهود ضخم

لقي خبر رقمنة أول تعداد سكاني لمصر احتفاء من جانب المختصين في مجالات الاقتصاد والتاريخ، وكذلك رواد مواقع منصات التواصل الاجتماعي.

من جهته، رأى أستاذ الاقتصاد المساعد أحمد شكري رشاد رقمنة أن أول تعداد سكاني للبلاد اختراق علمي لدارسي التاريخ الاقتصادي والتاريخ المصري بشكل عام، مضيفا أن القائمين على عملية الرقمنة قاموا بمجهود رهيب.

وقال رشاد -عبر تغريدة على موقع تويتر- إن التعداد يحتوي على أسماء جميع السكان من رجال ونساء وأطفال وعبيد، بل تضمن حصرا للأفراد داخل المسكن الواحد.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الحصر الذي جرى أواسط القرن الـ19 لم يكن بغرض تحصيل الضرائب كما يروج البعض، إذ إنه اشتمل على تعداد النساء والأطفال، وهما فئتان لم تكونا ضمن دافعي الضرائب.

وعن أهمية هذا التعداد، أكد أنه يفتح أسئلة تاريخية في غاية الأهمية، مثل تلك الخاصة بتقييم التجربة الصناعية لحاكم مصر الأسبق محمد علي، وكيف تأثرت البلاد بالاستعمار الأجنبي.

وأكد أن فريق العمل الذي تولى عملية الرقمنة أتاح بيانات التعداد السكاني بمصر على موقع “آي بي يو إم إس” (ipums) وهو أكبر قاعدة بيانات سكانية على مستوى العالم.

تعداد فرعوني

يبدو أن المصريين القدماء كانت لديهم اهتمامات بخصوص حصر السكان قبل آلاف السنين، فأوضح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خيري بركات، أن الحضارة الفرعونية كانت من أسبق الحضارات في الحرص على معرفة التعداد السكاني.

وليس لدى المسؤول الحكومي تاريخ محدد للحصر السكاني زمن الفراعنة، موضحا -في تصريحات صحفية- أن أول تعداد سكاني أجري كان في عام 3440 أو عام 2500 قبل الميلاد.

وأضاف أن المصريين القدماء كانوا يلجؤون للتعداد السكاني لأغراض متعددة، من أهمها الاستعداد للعمليات الحربية، وخوض المعارك.

وتتحدث تقارير وأبحاث تاريخية عن كون أول تعداد سكاني لمصر جرى أوائل القرن الـ19، في عهد الوالي محمد علي الذي حكم مصر بداية من عام 1805، بغرض جمع الضرائب، وهو ما أطلق عليه وقتئذ “تعداد النفوس”، حيث حصر التعداد نحو 2.5 مليون نسمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *