منوعات

علماء: دماغ الشخص الكاذب يختلف عن دماغ الصادق

لا يتوقف الموقف من الكذب على ما نقرأه في النصوص الدينية والتوجيهات التربوية والأخلاقية والقوانين، بل يتجاوز كل ذلك إلى سلوك أدمغتنا حيث تتم صناعته.

وكشف علم الأعصاب حديثا سلوكا مثيرا للدماغ البشري في تعامله مع الكذب خلاف تعامله مع الصدق. واكتشف العلماء أن سلوك دماغ الشخص الكاذب يختلف عن سلوك دماغ الشخص الصادق.

وحسب الجزيرة نت، عندما يتعود الشخص الكذب ويكرره، تتوقف الاستجابة العاطفية لأكاذيبه، مما يخلف فراغا في المشاعر تجاه الكذب، ما يجعل الكذب ممارسة سهلة وعادة دائمة.

ولهذا السبب، حسب نفس المصدر، خلص أطباء الأعصاب إلى أن دماغ الشخص الكاذب يعمل بشكل مختلف عن الآخرين: إنها عقول مدربة بذكاء لهذا الغرض.

وحسب المصدر ذاته، قالت الكاتبة فاليريا سابتير، في تقرير نشرته مجلة “لامنتي إس مارافيوسا” lamenteesmaravillosa الإسبانية، إن الدماغ البشري يتميز بمرونته لذلك من غير المفاجئ أن نعلم أن الكذب مهارة مثل أي مهارة أخرى يكفي أن نمارسها يوميا للحفاظ عليها.

وكثيرا ما كان علم النفس وعلم الاجتماع من المجالات التي تهتم بدراسة عالم الأكاذيب والخداع. وعلى مدى عقود قليلة، وبالنظر إلى تطور تقنيات التشخيص، سلط علم الأعصاب الضوء على معلومات مهمة ومثيرة للقلق في الآن ذاته حول الكذب.

وذكرت الكاتبة أنه مثلما الصدق نتيجة التدريب المستمر والتعود، فإن الكذب أيضا يبدأ بأكاذيب صغيرة ثم يصبح عادة. ولكن الكذب المستمر يدفع الدماغ إلى حالة تدريجية من عدم الإحساس لتصبح الأكاذيب أقل إيلامًا وتتحول إلى أسلوب حياة.

دماغ الكاذب واللوزة الدماغية

يصاب معظمنا بالذهول من سلوكيات الذين يكذبون، مثل السياسيين الذين يتشبثون بأكاذيبهم ويدافعون عن صدقهم المزعوم ويطبّعون أفعالهم التي هي في حد ذاتها مستهجنة للغاية بل وحتى إجرامية. لكن هل هذا السلوك جزء من دورهم كمسؤولين عموميين أم أن الكذب يرتبط بعامل بيولوجي؟

أشارت تالي شاروت، الخبيرة في علم الأعصاب الإدراكي في كلية لندن الجامعية، إلى أن هناك بالفعل مكونا بيولوجيا يتدخل في هذه العملية، ولكن هناك أيضًا عملية تدريب. إن بنية الدماغ المرتبطة مباشرة بهذه السلوكيات غير النزيهة هي بلا شك اللوزة الدماغية Amygdala. يخوض عقل الكاذب في الواقع عملية تدريب ذاتي معقدة، حيث ينتهي به الأمر إلى الاستغناء عن أي عاطفة أو شعور بالذنب.

جعل الأكاذيب عادة

عام 2017، نشرت مجلة “نيتشر نيوروساينس” Nature Neuroscience مقالا سلطت فيه الضوء على هذه العملية. لفهمها بشكل أفضل، سنقدم مثالا: تخيل شابًا تولى منصبًا مرموقا في الشركة التي يعمل فيها، وللتعبير عن القيادة والثقة في موظفيه يلجأ إلى القليل من الأكاذيب. هذا التنافر وهذه الأفعال الصغيرة المستهجنة تجعل اللوزة تتفاعل.

بهذه الطريقة، ينتهي المطاف بهذا الشاب إلى جعل الأكاذيب عادة لأن عمله يقوم بالفعل على الاستخدام الدائم والمتعمد للخداع. وعندما يكون هذا النهج معتادا، تتوقف اللوزة عن التفاعل وتخلف نوعا من التسامح مع الكذب وتتوقف عن إصدار أي نوع من ردود الفعل العاطفية، وبالتالي يختفي الشعور بالذنب ولا يشعر الشخص بالندم. وهذا يعني أن عقل الكاذب يتكيف مع الكذب.

الكذب يجعل الدماغ يعمل بطريقة مختلفة

من يكذب يحتاج إلى شيئين: الذاكرة والبرود العاطفي، وهو ما تطرق إليه أستاذ علم النفس دان آريلي في كتابه “لماذا نكذب … خاصة على أنفسنا: علم الخداع”.

وفي تجربة أجراها كشف أن بنية دماغ المصابين بالكذب المرضي تحتوي على مادة رمادية أقل بنسبة 14% بينما كان لديهم مادة بيضاء أكثر بنسبة ما بين 22 و26% في قشرة الفص الجبهي. يعني هذا أساسا أن دماغ الكاذب يقيم العديد من الروابط بين ذكرياته وأفكاره، ويسمح له هذا الاتصال بإضفاء الاتساق على أكاذيبه.

وتعطينا كل هذه البيانات فكرة عن كيفية نشأة الكذب من تلك العمليات المعرفية التي تصبح تدريجيًا أفضل بالممارسة، حيث يتوقف الدماغ أيضًا عن إضافة المكون العاطفي لهذه الأفعال.

دماغ الكاذب يتكون من مجموعة من الدوافع الغامضة

وحقيقة توقف اللوزة عن الاستجابة لأحداث معينة تعني أننا نفقد ما يجعلنا بطريقة ما بشرًا. وأولئك الذين لا يدركون عواقب أفعالهم على الآخرين يفقدون نبلهم والجانب الطبيعي والطيب الذي من المفترض أن يميزنا كبشر.

وأوردت الكاتبة أن دماغ الكاذب يتكون من مجموعة من الدوافع الغامضة. ويخفي الشخص، الذي اختار أن يجعل الأكاذيب أسلوب حياة، سلسلة من الأهداف المحددة للغاية التي تشمل بالأساس الرغبة في السلطة والمكانة والهيمنة والمصلحة الشخصية.

المخ يتطلب مجهودا أكبر في حالة الكذب عنه في حالة الصدق

كانت دراسة أميركية سابقة (2004) قد كشفت أن فحوصا بالأشعة للمخ تظهر أن مخ من يكذب يبدو مختلفا بشدة عمن يقول الحقيقة، ويتطلب مجهودا أكبر من الصادق.

وأضاف الباحثون أن الدراسة التي أجريت باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفية لا تلقي الضوء فحسب على ما يحدث عندما يكذب الناس لكنها أيضا تقدم تقنية جديدة لكشف هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة.

وأوضح الدكتور سكوت فارو مدير مركز التصوير الوظيفي للمخ بكلية طب جامعة تيمبل في فيلادلفيا إنه قد تكون هناك مناطق فريدة بالمخ تشارك في الخداع يمكن قياسها باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي، كما قد تكون هناك مناطق فريدة تشارك في قول الصدق.

وقام الباحث وزملاؤه بفحص عشرة متطوعين حيث طلب من ستة منهم استخدام مسدس صوت ثم الكذب بالقول إنهم لم يستخدموا المسدس، فيما اعترف ثلاثة آخرون ممن شاهدوا الواقعة بالحقيقة، وخرج المتطوع العاشر من الدراسة.

وأثناء إدلاء المتطوعين “بشهاداتهم” وضعوا على جهاز تقليدي لكشف الكذب، كما رصد نشاط المخ باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفية التي اعتمدت على قطب قوي لتقديم صورة حقيقية لنشاطه.

وأكد فريق فارو أمام مؤتمر بشيكاغو لجمعية الطب الإشعاعي شمال أميركا أن هناك اختلافات واضحة بين الكاذبين والصادقين حيث ثبت أن هناك حوالي سبع مناطق نشطة في مجموعة “الخداع” وأربع أخرى نشطة للصدق، وأن المخ يتطلب مجهودا أكبر في حالة الكذب عنه في حالة الصدق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *