خارج الحدود

 لماذا يشكل غلاء “البطاطا” أزمة في الجزائر؟

تشهد أسعار البطاطا في الجزائر ارتفاعا قياسيا جديدا بتجاوزها 160 دج في الأسواق (11 درهما مغربيا)، ويعيش المواطن الجزائري بين مطرقة ندرتها في الأسواق وتفاقم المضاربة، وسندان تهديد استيرادها برفع سعرها إلى 180 د.ج (12.4 درهم مغربي). فهل تنجح دعوات مقاطعة شراء البطاطا ووضع سعر مرجعي لها في تجاوز أزمتها؟

اختلاف حول أسباب ارتفاع أسعار البطاطا

في تصريح للشروق الجزائرية، قال الأمين العام للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين حسن قدماني، إن الأمطار الأخيرة منعت الفلاحين من جني محاصيلهم لأكثر من أسبوع، جراء تبلل التربة وتحولها إلى طين، ما ساهم حسبه في نقص تموين أسواق الجملة وتراجع العرض، مؤكدا أن تحسن أحوال الطقس، سيسهل من التسريع في جني المحاصيل وتعويض النقص الحاصل في الأسواق خلال الأيام القادمة.

وأضاف قدماني، حسب الشروق، أن ثلاث ولايات شمالية فقط تزود الأسواق حاليا بالبطاطا بعد توقف الإنتاج في الجنوب، وهي كل من مستغانم وسكيكدة وتيارت، وشهدت هذه المناطق حسبه تراجعا كبيرا في الإنتاج هذا العام بسبب الجفاف، ما أدى إلى نقص هذه المادة مقارنة بالسنوات الماضية.

ومن جهته، حسب نفس المصدر، أكد رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين طاهر بلنوار أن المنتوج السنوي للبطاطا البالغ 05 ملايين طن، بات لا يكفي الجزائريين بسبب زيادة الاستهلاك من جهة وتوجيه أجزاء مهمة من الإنتاج للتصدير والصناعة التحويلية و”البذور”، وأضاف أن ضعف شبكة التخزين ساهم في نقص تموين الأسواق أثناء الأزمات، وقال إن الحكومة مطالبة برفع الإنتاج وتأهيل شبكة التخزين وتشجيع الاستثمار في البذور لتحسين نوعية وكمية المحاصيل الزراعية، وكشف أن التجار وحتى المستهلكين لم يجدوا أثرا للبطاطا المستوردة التي غابت عن الأسواق في رمضان.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تشتعل فيها أسعار أحد أهم منتوج في الجزائر، والذي يعتبر سيد مائدة الأسر فيها. فقد عرفت سوق البطاطا أزمات مماثلة خلال السنوات السابقة، وارتفعت أسعارها ثلاثة أضعاف سعرها الاعتيادي (من 50 إلى 150 دينار جزائري) السنة الماضية.

وسجل غلاء البطاطا حضوره في أجندة الإضراب الذي دعا له تكتل نقابي جزائري يضم 14 نقابة بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) السنة الماضية، للتعبير عن تذمر فئات واسعة من العمال من تردي الأوضاع المعيشية، ومن عزم الحكومة تحرير أسعار أغلب السلع والخدمات مع بداية العام المقبل.

الندرة أم المضاربة؟

حسب الشروق، أكدت الغرفة الوطنية للفلاحة أن البطاطا “لا تعرف أي ندرة”، وأنه “تم ضخ كميات كافية منها في الأسواق”، مشدّدة، حسب نفس المصدر، على أن ارتفاع سعرها مردّه إلى المضاربة، ويرتبط بالدرجة الأولى بقطاع التجارة.

وقال رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، محمد يزيد حمبلي، في تصريح لـ”الشروق” أنه لا مبرر اليوم لارتفاع أسعار البطاطا التي تجاوزت كافة الخطوط الحمراء، مضيفا أنه تم ضخ كميات كبيرة من المنتج الخاص بولاية مستغانم، وكميات أخرى مرتقب دخولها السوق قبل الفاتح ماي المقبل، وافدة من بعض الولايات الساحلية، على غرار سكيكدة ومستغانم وأيضا من ولايات معسكر وعين الدفلى، الأمر الذي يدحض أي فرضية للندرة، ويؤكد أن المنتج متوفر بكميات تفي حاجة السوق وتتجاوزه.

وبالمقابل، حسب نفس المصدر، تكشف دراسة حول شعبة البطاطا، معدة من طرف الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، أن نسبة تخزين البطاطا تعادل اليوم 4 بالمائة فقط مقارنة مع الطلب المحلي، في حين تطمح الحكومة إلى رفعها إلى ما بين 25 و30 بالمائة، مع العلم أن الاستهلاك الشهري يتراوح بين 350 إلى 400 ألف قنطار، وتشدد الدراسة ذاتها على أنه كان يفترض رفع الإنتاج المحلي من هذه المادة إلى 4 أو 5 ملايين قنطار في الشهر.

وتقترح الدراسة لحل أزمة البطاطا توفير الإنتاج محليا، مشدّدة على أن معظم أزمات ارتفاع الأسعار المسجلة في الجزائر، كانت خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر ومارس وأفريل من كل سنة، مع العلم أن تفاقم الوضع يكون سنويا خلال شهري أفريل ونوفمبر.

واعترفت الدراسة بوجود مشكل في التخزين، حيث ينشط 60 متعاملا خاصا في الجزائر في مجال التخزين، في حين يتوفر القطاع العام على 21 وحدة للتخزين، منها 12 وحدة تعدّ عملية اليوم، كما ارتفع الإنتاج من 160 إلى 320 قنطار في الهكتار بين سنتي 2001 و2020، وبلغ 44.6 مليون قنطار سنة 2020، مشدّدة على أن اللغط الذي تحدثه كل مرة شعبة البطاطا في السوق، مرده إلى أن هذه المادة تكتسي وزنا اقتصاديا واجتماعيا هاما في المجتمع.

شبح الاستيراد

وبشأن أي خطوة مستقبلا لاستيراد البطاطا من الخارج، أوضح رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة للشروق أن الغرفة لا تعارض القرار، إن كان يخدم المستهلك الجزائري ويوفر المنتج بسعر معقول للزبون، ولكن المشكل المطروح هو أن أي قرار للاستيراد سيرفع سعر الكيلوغرام الواحد من هذه المادة إلى 180 دينار، كما أن نوعية البطاطا المستوردة لن تكون ذات جودة على غرار تلك التي يتمتع بها المنتج الجزائري، ناهيك عن تأخر وصولها للسوق الجزائرية، إذ أن قرار الاستيراد في حد ذاته سيستغرق 45 يوما بين الاستيراد والتوطين ووصول الحاويات ودخولها السوق الجزائرية وتوزيعها على تجار الجملة والتجزئة، وهو ما لن يكون له أي تأثير إيجابي على جيب المواطن، بل بالعكس سيساهم في رفع الأسعار، مع العلم أنه خلال تلك الفترة سيتم ضخ كميات هائلة من بطاطا الولايات الداخلية والساحلية.

مقاطعة ومطالب بسعر مرجعي
وفي خضم هذه الأزمة أطلقت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك حملة وطنية لمقاطعة البطاطا، مؤكدة أن سعرها في بعض المناطق بلغ 180 دج، وانتقدت اختلال السوق وصعوبة ضبطه وتنظيمه، حسب الشروق.
ونبهت المنظمة في بيان لها الأحد أنه “الارتفاع غير المسبوق لأهم منتوج فلاحي للمستهلك الجزائري، المتمثل في مادة البطاطا، حذرنا منه منذ أسابيع عدة وتنبأنا بوصول سعره إلى ما هو عليه الآن”.
وأضافت “وبعد مناشدة الكثير لنا بالتحرك وتحمل المسؤولية الأخلاقية رغم قلة حيلتنا في هذه الظروف العصيبة التي نعيشها في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية وارتفاع تكلفة المنتوجات الفلاحية، إضافة إلى اختلال السوق وصعوبة ضبطه وتنظيمه، فإن المنظمة تدعو إلى مقاطعة ظرفية للمنتوج كاملا أو جزئيا حسب حالة كل أسرة واستطاعتها.
وبعدما تعدى سعر البطاطا في بعض المناطق 180 دج، رغم إدراكنا بصعوبة المهمة لا سيما أن الأمر يتعلق بمادة أساسية… معتمدين على وعي المواطنين وصبرهم وتآزرهم”.
وطالبت المنظمة الحكومة بوضع سعر مرجعي لهذه المادة، وفق آليات مضبوطة، وأكدت استعدادها للمساهمة في وضع ورقة طريق لهذه العملية التي يمكن تطبيقها في أيام معدودات فقط.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *