منتدى العمق

النفاق والسكيزوفرينيا

النفاق هو أن يُظهِرَ الإنسانُ عكسَ ما يُكِنُّ في قلبه.

وهناك نفاق يُجيزه الشرع، وهو ما يُطْلَقُ عليه:” التُّقية”. قال تعالى:”إِلاَّ أَنْ تَتَّقوا مِنْهُمْ تُقاةً”.والبعض يرى أن لا تُقيةَ بعد أن ذاع الإسلامُ في الناس.

والنفاق لا يجوز إلا لمنْ أُكْرِهَ بالقوة على القيام بشيء حرَّمهُ الله. والحديث هنا لا يدخل في باب الدين. وإنما نحن ابتدأنا به ليكون القارئ على استعداد لما سيأتي بعده.

فليست الحكومة وحدها، أو الأحزاب، أو النقابات، أو غيرها من الإدارات من تُنافق الشعب لأغراضها المستهدفة قَبَلياً ولكن حتى الشعب نفسه منافق.

فأنت تجد شخصا مثلا يزني، وإن تحدث أمامك فسيلعن الزُّناةَ لعناً مستفيضا. وأنت تجد الشخص ليُسرف في شرب الخمر، وفي اليوم التالي تراه بين صفوف المصلّين. ولتجد ظاهرة من الظواهر متفشية بجلاء بالغ، لكن الناس حين يتحدثون عنها، فهم يُمطرونك بنفاقهم وتعنتهم بأن تلك الظاهرة غير موجودة، وأنتَ الذي أثرتها إنما فقط تُريد أن تثير الفتنة لِتشيع الفاحشة. والحقيقة هي أن الفاحشة شائعة ولا يخفيها ستار.

لا يتعلق الأمر بعدد المساجد أو المصلين. فهذا لا يعني أن كل الناس مؤمنين. فهناك من يصلي ويكذب وينافق ويسرق ويخون ويقسم على الإفك، وإلى ما غير ذلك من الآثام التي ” يمحيها”بين الفينة والأخرى بالوقوف في صفوف المصلين أو القنوت آناء الليل وطرفي النهار.

فحين نقول بأن الرشوة موجودة، فليس على الناس أن تنافق وتُنكر ذلك. وإنك لتجد الشخص يذهب لإدارة ما لغرض يهمه، فيرشي المسؤولين بيُمناه، ثم لتجدنَّه في الأخير يلعن الراشي والمرتشي. فهذا مرض في صدور الكثير من الناس.

وحين نقول بأن الدعارة موجودة؛ فهذا ليس ادِّعاءً وإنما هو الحقيقة. فالدعارة موجودة في جميع المجتمعات، أكانت إسلامية أم يهودية أم نصرانية أم مجوسية… ولقد عُرِفت منذ العصور القديمة إلا أننا نحن كمسلمين نريد أن نختلق مبررات لها ونحارب كل من يتحدث في هذا الأمر. فالدعارة ليست نمطا إجتماعيا تفشى عن طريق الفوارق الاجتماعية مثلا؛ وإنما هو نمط تفكيري محض. أي أن المرأة التي تخرج لهذا الميدان هي من ترغب في ذلك. وليس هناك من أحد يفرض عليها أن تصبح عاهرة. فهناك أعمال تسمح للمرأة بالعيش الكريم ولو أنها أعمال تأنف منها النفس وتمَجُّها. فهناك نساء يحرسن المراحيض وهذا لم يدفعهن لحقل الدعارة. فالمسألة ليست مسألة دين أو مجتمع أو مشاكل أو،أو…المسألة شخصية ذاتية صرفة، والمرأة هي من تنجذب لذلك أو تنفر منه. ولا يعني بتاتا كونها أُماًّ أو أُختاً أو إبنةً. الأمر لا يتعلق بهذه الإشكالية. فحين تعزم إمرأة ما وُلوج سوق الدعارة، ففي هذه الحالة لا يعني كونها أُمٌّ وهذا الوازع سيجعلها تغيِّر رأيها. فالعلة كامنة في باطن المرأة ولا أحد يمكن تَوَقُّعَ ما قد يمكِنُ أن تقوم به من دون استشارة الآخرين أو حتى الخوف من الخالق.

قال الله تعالى:” ولا تكرهوا فتياكم على البغاء إن أردنَ تحصُّناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا.ومن يكرههن،فإنَّ الله من بعد إكراههن غفور رحيم”.

فالإكراه هنا يُغفر. لأن التي دخلت عالم الدعارة دخلته عن إكراه، لكن ماذا يمكننا أن نقول عن التي تدخله عن طيب خاطر، ودون أن يكرهها أحد على ذلك. فمن الممكن أن الفتاة لن تستطيع عصيان أبويها، لكن هل من تدخل سوق الدعارة دون أن يكرهها أحد تستحق أن يغفر لها الله ذلك؟…فنحن لا يمكن أن ننافق أنفسنا، ونحن نرى متزوجات يفسدن. ففي هذه الحالة هذه المتزوجة يكون لها أبناء فهي إذن أم. وهي ابنة لأحد الآباء. وهي أخت لأحد الإخوة والأخوات. وكيف يمكن لأحد أن يدَّعي بأن المتزوجات كلهنَّ صالحات؟ فهذا من المستحيلات. فأنت حين تريد أن تسرق مال شخص، فهنا ليس المجتمع أو أبواك من أكرهك على ذلك. فأنت لك عقل وتتبين الأشياء قبل أن تقوم بفعل من الأفعال. فأنت تعرف أنك ستقوم بإثم بسرقتك، ومع ذلك تقوم بفعلك. فالقانون من واجبه في هذه الحالة أن يعاقبك. وكذلك الزانية والعاهرة إلا إن كان هناك إكراه من أبويها بعد البحث والاستنطاق. فما دام الله يغفر في حالة الإكراه، فالقانون كذلك مفروض عليه أن يكون غفورا في هذه الحالة.

والكارثة العظمى هي أن الكثير من الناس لا يعرفون بأن أمهاتهم أو أخواتهم أو بناتهم قد يقومون بمثل هذا السلوك المشين. فالجمل كما يقولون لا يرى إلا سنام أخيه. الناس لا يرون العيب إلا في الآخرين ولا يرون إن كان فيهم عيب. لكنهم حين يكتشفون أن العيب فيهم، ففي هذه الحالة إما يُقدِمون على ما لا تُحمدُ عقباه، أو يتدثرون برداء النفاق وينافقون الآخرين بإظهار صلاحهم وإقبار عيبهم في بواطنهم.