وجهة نظر

حلب وخطابات تبييض جريمة المحرقة والمجزرة

ثمة ثلاث عينات من الخطابات التي تتناول مايقع في سوريا وبالضبط محرقة حلب،

1-عينة خطاب يدين القتل ولايدين القاتل، ويلجأ في ذلك إلى تعويم المشكل بصيغة تمريضية وتيئيسية تبيض جرائم القاتل الحقيقي وتجعل دماء الشهداء موزعا بين العديد من الفاعلين بدون ان يدين أحدهم بالقتل المباشر، وهذه العينة من الخطاب هما فريقان:
فريق أول يتعمد التعويم ليخفي القاتل وهو يعلمه، لأنه لا يهمه القتل بقدر ما يهمه أن لايسقط هذا النظام ومن خلفه دعما وسندا، ولهذا يلجأ إلى خلط التحليل بالموقف ومستحقاته المصداقية والأخلاقية.

وهو فريق إذا سألت أصحابه عن الموقف، طاروا بك إلى التحليل يستدعونه للتهرب من إدانة القاتل، فهم يعتبرون أن سوريا (-هكذا- وليس النظام السوري) مهددة ومن خلفها محور الممانعة الذي تقوده سوريا وإيران (بحسب لغتهم ومصطلحاتهم)، وان “سوريا” ضحية مؤامرة صهيونية أمريكية حركت “بيادقها ” مستغلة تحرك الشارع العربي لكي تنقض على سوريا…

وهكذا يطير بك يمينا وشمالا وشرقا وغربا، في تحليل ليس هو موضوع السؤال وليس هو موضوع الحاجة في البيان من مجزرة واقعة على الأرض وقتل جار لشعب أعزل وطائرات تحلق ليل نهار وتقصف المباني والأحياء والأسواق…كلا لايهمه كل هذا وليس في أولوياته، والإدانة عنده مشروطة بأن تستمع إلى تحليله الذي لاينتهي او ينتهي من حيث يبدأ في حلقة مفرغة همها الوحيد الابتعاد عن مسرح الجريمة وعن حيثياتها وعن فاعليها المباشرين، وهذه العينة من الخطاب لهذا الفريق لعمري قمة في التضليل، لأنه يستدعي التحليل حين تكون الحاجة إلى بيان الموقف، ويوقف أدوات التحليل حين تكون الحاجة إليه ليبرز بموقف ليس حاجة الموضوع بل حاجة الذات فيه حاضرة بقوة…( والذات قد تكون طائفة أو مذهب أو حزب أو حتى شخص…).

لننظر مثلا حين وقعت إيران اتفاق إطار مع شيطانها الأكبر سابقا بخصوص الملف النووي، استدعى مناصروها الموقف (انتصار إيران)، وجمدوا أدوات التحليل (هل هو انتصار أم خضوع أم وقوع في فخ أم تودد ام تراجع)، لأن في تلك اللحظة كان يهمهم الموقف، لأنه حاجة ذاتية وليس حاجة موضوعية…

أما الفريق الثاني من هذه العينة من الخطاب فهو الفريق الذي تعلق ب”محور الممانعة ” تعلق المتعطش لأي انتصار للأمة، وظل معلقا به، فلاهو تمكن من التخلص من صنمه واتباع الحق، ولاهو عانقها كليا كما يعانقه الفريق الأول، وموازنته التقديرية يعتبرها راجحة ولو على حساب ميلها عن ميزان الحق أحيانا بل الآن بشكل دائم، وهذه الموازنة تقول أن هذا المحور إذا انتهى انتهى آخر معقل لممانعة الأمة، ونسي أو غفل على أن جينات المقاومة ليست ماركة مسجلة في إيران او في جنوب لبنان أو في سوريا، وأن ” إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكون أمثالكم”، وهو معذور على كل حال مادام حجم الهزائم في الأمة بلغ سيله الزبى، حتى ظل يستبشر خيرا بممانعة شكلا ولو على حساب المضمون والبوصلة والوجهة،

2-عينة ثانية من الخطاب وهي العينة المشككة في كل ما يجري، تشك في الطائرات التي تقصف وتعتبرها صناعة إعلامية صنعت في استودوهات بعض القنوات الفضائية، والجثث مبالغ في تضخيمها، وإذا سلمت بأن ثمة طائرات تقصف، شكت في الجهة التي تقصف وهل هي فعلا هي جهة الآلة النظامية لبشار ومن معه والآلة النظامية لروسيا…

وهكذا دواليك شك من وراءه شك من وراءه شك، شكوك من فوقها شكوك تجعل العالم كله متهم عدا الجهة الفاعلة التي من شدة ظهورها خفت عن صاحب هذا الخطاب…

ومن المشككين أيضا من له هدف تعويمي لتبييض وتبرئة القاتل، لأن التعويم هو سلاح من يخشى تبعات الإعلان عن موقف واضح…
3-عينة خطاب يدين القتل والقاتل ويسميه دون تردد: الآلة النظامية للمجرم بشار وللمتعاونين معه ولروسيا بوتين، ويعتمد في إدانته على دليل حجم الدمار الكثيف الذي لايمكن أن يكون إلا من آلة نظامية تسخر كل إمكانات الدولة الحربية (صواريخ، طائرات ومروحيات ضخمة حربية، قنابل كبيرة من حيث حجما أو وقعها أو أثرها، انظمة رادار وتجسس وضبط إحداثيات…)؛

لقد أظهرت محرقة حلب فعليا ان الذي يراهن على اجتماع قوى الأمة تضامنا او مساندة، فإنما يراهن علىأمر صعب المنال، لأن الموقف في لحظة الشهود على مأساة إنسانية بامتياز، وعلى مأساة شعب انتفض ليتحرر فتصدت له آلة القصف والقتل الوحشي ابتداء قبل دخول أي من أطراف النزاع والفوضى اقتضاء، هذا الموقف إما أن يكون في صالح المظلوم أو لا يكون، وإذا كان إما أن يكون مع إدانة القاتل دون تعويم يدين القتل فقط أو لايكون، وإما يكون في صف المستضعفين أو لا يكون…