منوعات

بعد الثقوب السوداء.. العلماء يتحدثون عن ثقب أبيض فهل هو موجود؟

لا يتوقف العلماء من الكشف عن أسرار الكون وخفاياه. وبعد الأعمال العلمية الكبيرة التي قاموا بها خلال أربعة عقود في سبيل الكشف عن الثقوب السوداء ومعرفة خصائصها وكشف أسرارها، بل والتمكن من تقدير أعداها في الكون، إلتفت العلماء إلى الثقوب البيضاء، لكن عليهم أولا إثبات وجودها، فيما يرى بعضهم أن أصل الكون كان ثقبا أبيض قبل الانفجار العظيم.

وكما هو الشأن بالنسبة للثقب الأسود، تبدأ قصة الثقب الأبيض أيضا من نظرية النسبية لألبرت أينشتاين، والتي قالت إن الثقوب البيضاء ممكنة.

وكما هو التناقض بين لوني الأسود والأبيض، فالثقب الأبيض هو جسم كوني نظري غريب شديد السطوع يعمل في الاتجاه المعاكس للثقب الأسود، حسب الجزيرة نت. ومثلما لا يستطيع أي شيء الهروب من الثقب الأسود، لا يمكن لأي شيء أن يدخل الثقب الأبيض.

ويفترض العلماء، حسب نفس المصدر، أن الثقوب البيضاء -في حال وجودها- ذات خصائص مشابهة للثقوب السوداء مثل الكتلة والشحنة والزخم الزاوي. كما أنها تجذب المادة مثل أي كتلة أخرى، لكن الأجسام التي تسقط باتجاه الثقب الأبيض لن تصل في الواقع إلى أفق حدث الثقب الأبيض.

انعكاس زمني

ويصف الفيزيائيون الثقب الأبيض بأنه “انعكاس زمني” للثقب الأسود، كأن تقوم بتشغيل مقطع فيديو بشكل عكسي لثقب أسود، مثل الكرة المرتدة؛ فهي انعكاس زمني للكرة الساقطة. وفي حين أن أفق الحدث للثقب الأسود هو مجال اللاعودة، فإن أفق الحدث للثقب الأبيض هو حدود عدم القبول، لن تصل أي مركبة فضائية إلى حافة المنطقة.

وفقا لموقع “سبيس” (Space)، فإنه بالنسبة لطاقم سفينة فضائية يراقب من بعيد، سيبدو الثقب الأبيض تماما مثل الثقب الأسود، لديه كتلة وقد يدور، ويمكن أن تتجمع حلقة من الغبار والغاز حول أفق الحدث، ولكن إذا استمر الطاقم في المشاهدة، فقد يلاحظ حدثا مستحيلا بالنسبة لثقب أسود وهو “التجشؤ”.

يقول كارلو روفيلي -وهو عالم الفيزياء النظرية في مركز “ثيوريك” للفيزياء في فرنسا- “فقط في اللحظة التي تظهر فيها الأشياء يمكنك أن تقول إن “هذا ثقب أبيض”.

الثقب الأبيض والنسبية العامة

يوجد دليل من تلسكوباتنا الآن على أن الثقوب السوداء موجودة بالفعل. ومع ذلك، لم نشهد قط ثقبا أبيض. والسبب الذي يجعل علماء الفلك يفكرون في الثقوب البيضاء هو ألبرت أينشتاين، ومثلما تصف نظريته في النسبية العامة كيفية عمل الثقوب السوداء فهي تقول أيضا إن الثقوب البيضاء ممكنة.

ووفقا للنسبية العامة فإن الثقب الأبيض هو منطقة افتراضية من الزمكان والتفرد لا يمكن دخولها من الخارج، على الرغم من أن مادة الطاقة والضوء والمعلومات يمكن أن تهرب منها. وفي حين أن الثقب الأسود لا يمكن دخوله إلا من الخارج ولا يمكن أن تفلت منه مادة الطاقة والضوء والمعلومات. يقول روفيلي، “لقد استغرق فهم الثقوب السوداء 40 عاما، ولم يركز الناس على الثقوب البيضاء إلا مؤخرا”.

وبينما تصف النسبية العامة الثقوب البيضاء من الناحية النظرية، لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتشكل بالفعل. ما نعرفه أن الثقب الأسود يقوم بتطويق جزء من الفضاء الخاص به عندما ينهار نجم إلى حجم صغير، لكن أن يتم تشغيل ذلك إلى الخلف لا معنى له فيزيائيا. وإن أفق الحدث الخاص بالثقب الأبيض الذي قد ينفجر إلى نجم هو انتهاك لقوانين الفيزياء.

وحتى لو تشكلت ثقوب بيضاء كبيرة، فمن المحتمل ألا تظل لفترة طويلة. حيث إن أي مادة صادرة منها ستصطدم بالمادة الموجودة في المدار وسينهار النظام. يقول هال هاغارد الفيزيائي النظري في كلية بارد في نيويورك، “أعتقد أن وجود ثقب أبيض لفترة طويلة غير مرجح للغاية”.

هل يمكن أن يتحول الثقب الأسود إلى ثقب أبيض؟

ووفقا لما جاء في مقال منشور على موقع “ساينس فوكس” (Science Focus)، فإنه غالبا ما يتم ذكر الثقوب البيضاء في سياق “الثقوب الدودية”، حيث يعمل الثقب الأسود كنقطة دخول إلى نفق عبر المكان والزمان، وينتهي بثقب أبيض في مكان آخر في الكون.

لكن هذا مثير للجدل بشدة، لأنه طبقا للنظرية النسبية العامة التي صاغها أينشتاين، نجد في مركز الثقب الأسود ما يسمى “التفرد” (Singularity)، وهي نقطة من الجاذبية اللانهائية التي ينتهي عندها كل من الزمان والمكان فعليا، وهي تمنع أي شيء من المرور إلى الثقب الأبيض على الجانب الآخر.

ومع ذلك، يعتقد بعض المنظرين أن مزيجا من نظرية أينشتاين ونظرية الكم يشير إلى طريقة جديدة للتفكير في الثقوب البيضاء. وبدلا من أن تكون “الخروج” من ثقب دودي، قد تكون إعادة عرض بطيئة الحركة لتشكيل الثقب الأسود الأصلي.

وتبدأ العملية عندما ينهار نجم ضخم قديم تحت ثقل وزنه ويشكل ثقبا أسود. ولكن بعد ذلك، تعمل التأثيرات الكمومية التي تحدث حول سطح الثقب الأسود على وقف المزيد من الانهيار، وبدلا من ذلك تبدأ في تحويل الثقب الأسود تدريجيا إلى ثقب أبيض يقذف المادة النجمية الأصلية مرة أخرى. ولكن بسبب تأثير التمدد الشديد للوقت حول الثقب الأسود، فإن هذا الحدث سيستغرق مليارات السنين حتى تتمكن أدنى كتلة من الثقب من الظهور في النهاية

هل يمكن للثقب الأبيض أن يكون موجودا؟

يجيب مقال منشور على موقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation)، بالنفي على هذا السؤال، فالثقب الأبيض يمكن أن يكون مقبولا كفكرة ولكنه غير محتمل أبدا في الحياة الواقعية.

ومن المستبعد حدوث الثقوب البيضاء لأنها شيء من نوع “معكوس”. فكر في وجبة الإفطار بالعكس، أي أن بيضتك تقفز خارج المقلاة لتعود إلى القشرة. هذا ممكن في حالة واحدة؛ وهي أن الوقت قد قلب نفسه وبدأ في الاتجاه ناحية الخلف، ولكن الوقت في كوننا يتدفق فقط في اتجاه واحد، إلى الأمام. لذا فإن الثقوب البيضاء حتى الآن، هي مجرد احتمال مثير للاهتمام.

ووفقا لما نشر في موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org) فإن الاحتمال الآخر لعدم وجود الثقوب البيضاء هي أن آثار الثقب الأبيض موجودة في كل مكان بالفعل لأنه أحد احتمالات تفسير الانفجار العظيم، وهي أحد الأفكار المثيرة للاهتمام التي عرضها الفيزيائيون.

حيث يبدو أن الانفجار العظيم للمادة والطاقة كأنه سلوك ثقب أبيض محتمل، فقد ظهرت كمية هائلة من المادة والطاقة بشكل عفوي. يقول هاغارد، إن “الهندسة متشابهة للغاية في الحالتين، حتى لدرجة أنها متطابقة رياضيا في بعض الأحيان”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *