رمضانيات

ليلة القدر .. إليك علامات أشهر ليلة منتظرة في تاريخ البشر

ما من مسلم في العالم إلا وترقب دخول العشر الأواخر من رمضان كل سنة ليجدد دعاء إدراك ليلة القدر، ونيل فضلها، والفوز بالاستجابة لدعائه فيها بتحقيق ما يرجوه من خير الدنيا والآخرة.

وبالنظر إلى حجم المسلمين في العالم، قد لا يتعلق الأمر بمبالغة إذا قلنا إن هذه الليلة المباركة هي أشهر ليلة منتظرة في تاريخ البشر.

وترقب هذه الليلة المباركة أطَّر سلوك المسلمين في العالم مع دخول العشر الأواخر من كل رمضان، حدد للثلث الأخير من الشهر الكريم هوية دينية واجتماعية خاصة، أغنى تنوعها ثقافة رمضان عبر العالم.

ليلة 27

لا يهدف هذا المقال إلى حسم الخلاف الفقهي القائم حول تحديد يوم ليلة القدر، فذلك الخلاف عمر قرونا، ومايز بين مختلف المذاهب الفقهية عبر العالم الإسلامي. فالعديد من الأحاديث الصحيحة للرسول الكريم دعت المسلمين إلى التماسها في الليالي الوتر من شهر رمضان، وهي الليالي 21 و23 و25 و27 و29.

وفي المغرب، كما يعتقد أيضا كثير من المسلمين، يتم إحياؤها بشكل رسمي وظاهر في ليلة السابع والعشرين، وتخصص لها الأسر المغربية تقاليد عريقة تميزها عن غيرها في مختلف الجوانب، سواء في إعداد البيوت لها من نظافة خاصة وتطييب، أو على مستوى موائد الطعام التي أعطتها تقاليدهم الثقافية خصوصية، او في إحياء صلة الرحم وتبادل الزيارات بين أفراد العائلة والأصدقاء، أو في سلوك أفرادها الذين يحرصون على البقاء مستيقظين إلى الفجر…

وحسب بعض المصادر الفقهية فتحديد ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين هو القول الأشهر عند المالكية وهو مذهب الحنابلة وبه قال الصاحبيان أبو يوسف ومحمد، ورُوى عن ابن عباس، فقد أخرج مسلم عن أُبىّ بن كعب، قال عن ليلة القدر: والله إني لأعلم أي ليلة هي. هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقيامها وهي ليلة صبيحة سبع وعشرين. (رواه مسلم 762)

عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. فقال: ((أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ))؟  رواه مسلم (1170)
(شِقِّ جَفْنَةٍ: أيْ: نِصف قَصعةٍ؛ قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ: أيْ: ليلة سَبْع وعِشرين؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفة).

ضريبة التلاحي

يتمنى كثير من المسلمين لو أن رسول الله قد حدد لهم بشكل محدد يوم الليلة المباركة، حتى يتمكنوا من ترصدها والفوز بفضلها. لكن كثيرين منهم أيضا لا يعرفون السبب المباشر في إبقاء لغز وجودها مخفيا في الأيام الوتر من العشر الأواخر من الشهر الفضيل.

عن عُبادةَ بن الصَّامتِ قال: خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ليُخبِرَنا بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى رجُلانِ من المسلمين، فقال: ((خرجتُ لأُخبِرَكم بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ؛ فرُفِعتْ! وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم؛ فالْتمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ)) رواه البخاريُّ (2023)، ومسلم (1174)

والتلاحي هو تبادل الشتم واللعن، حسب معاجم اللغة.

وكما هو واضح من نص الحديث الشريف، فالمسلمون حرموا نعمة معرفة يوم تلك الليلة المباركة كضريبة لما وقع فيه صحابيان من سوء أخلاق. وقد يكون بذلك من حكم إبقاء ليلة القدر مخفية أن يدرك المسلمون أهمية الأخلاق في الإسلام، ومعنى أن يقول الرسول الكريم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

أفضل الليالي

سميت بليلة القدر بمعنى القدر والشرف، تُكتب فيها المقادير، وهي الليلة التي أنزل الله بها القرآن على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد.
ويرجح العلماء، حسب الجزيرة مباشر، أن تسمية ليلة القدر تعود لعظم قدرها عند الله تعالى، وكثرة مغفرة الذنوب فيها، كما أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، وهي الليلة التي تكتب فيها مقادير الخلق في تلك السنة نقلا عن اللوح المحفوظ كما يقول العلماء.

وصفها الله عز وجل بأنها ليلة مباركة في قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين)، وأنه يُقضى فيها ما يكون خلال العام فيها يٌفرق كل أمر حكيم.

عن فضلها، أخبرنا الله تعالى في اللوح المحفوظ أن ليلة القدر خير من ألف شهر، ومن أدركها فهو ذو حظ عظيم، فكم من سعيد في هذه الدنيا قد نال سعادته بفضل دعائه في هذه الليلة المباركة، التي تعد أفضل الليالي.

يجب الإكثار من أدعية ليلة القدر، وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، والسلف، يعظمون هذه العشر الأواخر من رمضان ويجتهدون فيها بأنواع الخير.

علامات ليلة القدر

تلك العلامات وردت في أحاديث شريفة، وهنا نشير لـ 4 علامات رئيسية لليلة القدر، قد تصادف إحداها الليالي الوترية (الفردية) في العشر الأواخر من رمضان، حسب الجزيرة مباشر:

العلامة الأولى: تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، فقد قال رسول الله (صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع) رواه مسلم

العلامة الثانية: يطلع القمر فيها مثل (شق جفنة) أي نصف قصعة ، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله فقال (أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة) رواه مسلم

العلامة الثالثة: ليلة معتدلة لا هي حارة ولا باردة ، فقد قال فيها الرسول (ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني

العلامة الرابعة: ليلة قوية الإضاءة ولا يُرمى فيها بنجم، أي: لا ترى فيها الشهب التي ترسل على الشياطين، وقد ثبت عند الطبراني بسند حسن، أن النبي قال (إنها ليلة بلجة -أي: منيرة- مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم)

من علاماتها أيضًا: انشراح النفس وطمأنينة القلب بالإضافة لسكون الرياح وصفاء السماء

ما يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ

صنف موقع “الدرر السنية” عدة أعمال مرغوبة في ليلة القدر، حتى يتمكن المسلم من نيل فضلها، وهي:
الأولى: القيامُ
يُشرَعُ في هذه الليلةِ الشَّريفةِ قيامُ لَيلِها بالصَّلاةِ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ومن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه )).

الثانية: الاعتكاف
يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ الاعتكافُ؛ فقد كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتَكِفُ في العَشْرِ الأواخِرِ؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من كان اعتكَفَ معي، فلْيعتكِفِ العَشرَ الأواخِرَ، وقد أُريتُ هذه الليلةَ ثم أُنسِيتُها، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ مِن صَبيحَتِها فالتَمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ، والتَمِسوها في كُلِّ وِترٍ)).

الثالثة: الدُّعاء
يُشرَعُ الدُّعاءُ فيها والتقَرُّبُ به إلى اللهِ تبارك وتعالى.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي  )).
الرابعة: العَمَلُ الصَّالِحُ
قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (القدر: 3)
قال كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ: أي: العَمَلُ فيها خيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدْرِ؛ ففي تلك الليلةِ يُقسَمُ الخيرُ الكثيرُ الذي لا يُوجَدُ مِثلُه في ألفِ شَهرٍ دعاء ليلة القدر.

سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها ، قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني.

وعلّم الرسول السيدة عائشة كيفية الدعاء، فقال لها: يا عائشة عليك بالجوامع والكوامل، قولي اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم

وتابع : اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إني أسألك مما سألك منه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك مما استعاذ منه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته لي رشدًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *