وجهة نظر

فرصة أولى أو أخيرة: الشباب حائرون

حين نضع عنوانا يحمل نبرة التشاؤم على مشروع يفترض ان يسكنه التفاؤل فإن المعنى من المشروع كان فرصة للتميز باقتراح “سياسي” خلال تزاحم انتخابي. خلق مناصب شغل مطلب شعبي وسياسي بامتياز ويتطلب حزمة كبيرة من البرامج والمشاريع تتجاوز فتح ” اوراش ” وإعطاء “فرصة”. لحظة ميلاد هذه الفكرة كانت لحظة شرود ونسيان للمهم في مجال التشغيل وهو مبدا شمولية النظرة للمستقبل وهو ما أكدت عليه توصيات لجنة النموذج التنموي الجديد. أن تقرر الحكومة “إعطاء فرصة” لمن ينتظرون بالملايين الدخول إلى سوق الشغل، فهذا يمكن اعتباره تنظيما لمسابقة لا تفلح في تجاوزها الا قلة قليلة بوسائل قد لا تكون كلها تستجيب لقيم المساواة والحياد المسؤول.

تفتخر الحكومة بتلقي 100 ألف ملف للاستفادة من ” فرصة” ومنحتها وقرضها البالغين 10 ملايين من السنتيمات وتلقي بمسؤولية الاشراف التدبيري لمتابعة اختيار وتقييم ودراسة المشاريع على شركة تحت وصاية قطاع السياسة وهي الشركة المغربية للهندسة السياحية. المحظوظون لن يتجاوز عددهم 10% من مجموع المرشحين الذين تم تسجيلهم والشركة المسؤولة لا تاريخ لها في مجال تقييم هذا النوع وهذا العدد من المشاريع. ولا هي ذات تجربة كتلك الذي تراكمت لدى الابناك وخصوصا لدى الشركة الوطنية للضمان والتمويل (الصندوق المركزي للضمان سابقا). هذه الشركة تحتاج الى كافة امكانياتها للتفرغ لدعم الاستثمار السياحي بعد ازمة تتطلب مصاحبة المقاولة السياحية اولا. التقييم يحتاج الى خبرة ووقت طويل وشفافية كبيرة وشعور بالثقة لدى من يخضع ملفه او مشروعه لقرار لجنة القرار بالتمويل او رفضه. الشرط الاساسي حسب الحكومة للاستفادة من ” فرصة ” هو قابلية المشروع لولوج السوق وقدرته على النجاح. ولا يشترط ان يكون حامل المشروع من ذوي تكوين معين.

صحيح أن واضعي المشروع اتقنوا البناء المؤسساتي للإشراف، وهذا تقليد حرصت الادارة المغربية على اتقانه. هذا البناء يضم لجنة جهوية للانتقاء تضم وحدة لتسيير المشروع يساهم فيها جمع من “الحاضنين” ومندوبي وزارات وكل من قد يسهم في نجاح “فرصة” كالمركز الجهوي للاستثمار او الوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات. وتعمل اللجن على تقديم المشاريع المنتقاة الي الشركة الوطنية للبدء في التمويل. وككل المشاريع “الكبرى ” سيتم تتبع المشروع وطنيا من طرف لجنة استراتيجية تحت رئاسة رئيس الحكومة ولجن جهوية تحت اشراف ولاة الجهات ولجن اقليمية تحت اشراف عمال الاقاليم. المهام الموكلة لهذا البناء المؤسسي كثيرة وتتطلب وقتا وتكلفة مالية كبيرين. وهكذا نحول مشروعا يهدف إلى خلق مقاولات إلى مجال التدبير العمومي كما هو عليه الحال في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على سبيل المثال. ان الامر يتعلق بتمويل 10 الاف مشروع عبر خلق 10 الاف مقاولة صغيرة.  الامر يحتاج إلى تدبير في إطار مهني قادر على اتخاذ القرار المالي وتتبعه بالسرعة اللازمة.  وهذا يدخل في صميم العمل البنكي.  لقد كان من الأجدر عقد اتفاقية مع المجموعة المهنية للابناك مع اشراك مؤسسات قادرة على احتضان المشاريع وتوجيه حامليها ووضع نظام ضمانات لحماية المستفيدين من الوصول إلى ما وصل اليه الكثير من المستفيدين من مشروع المقاولين الشباب.

غدا سوف يسال من لم يتم اختيار مشروعه عن اسباب الرفض.  الشفافية تقتضي تبرير كل قرار وتغليب الموضوعية في التعامل مع الملفات.  وهنا يقترح ان تقدم هذه الملفات دون اسماء المرشحين مع الاكتفاء بأرقام وذلك على منوال ما يجري في مباريات التوظيف. “فرصة” لن تشكل الا نقطة في بحر العطالة.  ورغم ان اول الغيث قطر فلا يجب مواجهة القضايا الكبرى بالقطرات.  القضية أكبر من مباراة لتمويل مقاولة صغرى بل قضية سياسية شمولية تضمن انفتاح الاقتصاد الوطني لاحتضان كل مستثمر مهما كان حجم مشروعه او موقعه الاجتماعي او الجغرافي. ولقد وضع النموذج التنموي الجديد شروط كسر الكوابح المؤسساتية. نتمنى ان تكون “فرصة” موعد مع النجاح ولا تكون موعدا مع الإحباط. ونفس الكلام ينطبق على “اوراش” التي يمكن أن تؤدي إلى حلول مؤقتة وذات خطورة اجتماعية بعد مرور أشهر عن نهاية عقد عمل مؤقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *