منتدى العمق

إدعاء الثقافة في زمن التباهي واللاقراءة

إن الكتاب لحياة تعاش مرات ومرات فلا ينبغي قتله وطي صفحته المنيرة إلى الأبد، فمع كامل الأسف أصبحنا اليوم في زمننا هذا السريع والمتقلب، لأننا ببساطة أصبحنا نرى أغلب الشباب والشابات يريدون الوصول للشيء بدون أدنى جهد، فليس عيبا أن تبحث عن الوصول ولذته، لكن العيب أن تصل دون بذل أي جهد، دون بدل أي فعل يذكر، والعيب الأكبر أن تسمي نفسك كاتبا مثقفا ناضجا كما يدعي أحدهم.

نعلم جميعا أن زمننا هذا هو زمن السرعة وإن شئنا نقل زمن تقليب الصفحات وكأن شمعة الحياة ستنطفئ للأبد، فمن الظواهر المقيتة التي برزت لدى فئة تدعي أنها مثقفة، ظاهرة تصوير أغلفة الروايات المشهورة مع فنجان قهوة، إذ تجد من يتمسك بهذا الفعل لم يفهم أساسا مغزى القراءة وفحوى تلك الرواية التي سحرته بجمالها المزركش مع غياب تام لسحر المضمون الذي لم يتذوقه بعقله؛ لأنه بكل ليونة اكتفى باستراق الجمال الخارجي دون الإبحار في الكنه الداخلي، فهذا النوع إن دخلت معه في نقاش حول تلك الرواية التي أعجب بها كان جوابه في ضفة أخرى، كأن يقول إن القهوة تساوي الثقافة، وكأن يقول من لم يرتشف كأس قهوة والرواية معه في مقهى باذخ هو ليس منا.

إن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا، هو متى أصبحت الثقافة مرتبطة بالمقهى أو بالقهوة أو بمشروب غيره؟، صدقا لقد انقلبت الموازين حقا، بعد أن صار بعض الناس يتباهون بالغلافاتوالتنميقات التي وضعت على وجه روايتهم المفضلة، بدل أن يتباهون بمقروءهم الذي سيحدث أثرا فيهم وفي من حولهم، لن ننكر إننا اليوم نعيش أزمة قراءة وأزمة ثقافة، وإن انضافت أزمة التباهي الفارغ سيسقط ما تبقى من جدار الثقافة.

مما لاشك فيه أن الثقافة الحقة بريئة من هذه البدع التي ابتدعها أناس قد تكون نيتهم نية تسويقية وذلك ليس ببعيد، ففي نظري القراءة الحقة هي التي تجعلك متعطشا وباحثا عن المزيد، وهي نفسها التي تلجم لسانك من إدعاء الثقافة الواسعة، إذ أن القراءة الحقة هي التي تختلي بها وتختلي بك فتنتج أفكارا حبلى، قد تكون مشروعا لكتاب جديد يمحي ترهات كتاب سابقين، مع احترامي لمن يولون أهمية للحرف ويكتبون أشياء عظيمة ليس كمن يكتب “دخل فلان من الباب وخرج من النافذة” فتلك ليست رواية بل ضحك والضحك يبقى خلف الأسنان، فهيهات هيهات، إن خرج ملأ بطون الروايات سفها، وقطع معنى الكلمة في مقصلة هي اللامعنى، لذا اعرفوا لمن تقرأون وبمن تتأثرون؛ لأن القراءة بالنسبة لي بذرة موزونة والمحصول حكمة مأثورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *