منوعات

تجارب جديدة تفتح آفاق الحد من التدهور المرتبط بالتقدم في العمر

تحظى الاكتشافات التي تروم تحسين صحة المسنين، وتفادي مشاكل التقدم في العمر بأهمية بالغة في المجتمع البشري. ذلك أن الشيخوخة عادة ما تصاحبها هشاشة اجتماعية وصحية تجعل تلك الفئة من الناس تعيش معاناة كبيرة ومؤلمة.

وتفيد منظمة الصحة العالمية أن الأفراد يعيشون في العالم اليوم أعمارا مديدة أكثر من ذي قبل. ويمكن أن يتوقع معظم الأفراد الآن، لأول مرة في التاريخ، أن يعيشوا حتى سن الستين أو أكثر. وتشهد جميع البلدان نموا في أعداد كبار السن والنسبة التي يمثلونها في تركيبة السكان.

وتوضح المنظمة أنه من المنظور البيولوجي، يحدث التقدم في السن نتيجة تراكم طائفة واسعة من أوجه التلف في الجزيئات والخلايا مع مرور الزمن. وهذا ما يؤدي إلى تراجع تدريجي في القدرات البدنية والعقلية، وتزايد احتمال الإصابة بالأمراض والوفاة في النهاية. وهذه التغييرات ليست خطية وﻻ متسقة، وتكاد ﻻ ترتبط بعمر الشخص بحساب السنوات. والتنوع الملاحظ في التقدم في السن ليس عشوائيا. فإلى جانب التغيرات البيولوجية، غالبا ما يرتبط التقدم في السن بأحداث أخرى تطرأ في الحياة مثل التقاعد، والانتقال إلى مسكن أنسب، ووفاة الأصدقاء والشريك.

تجربة واعدة

يزعم باحثون، حسب اندبندنت عربية، أن عمليات زرع براز مأخوذ من فئران شابة في الجهاز الهضمي لنظيرتها الأكبر سناً، في مقدورها أن تعكس مسار علامات الشيخوخة

ويرى علماء بريطانيون أن التجربة أسفرت عن ظهور تحسنات في أمعاء هذه الحيوانات وعيونها وأدمغتها.

وقد تماشت التغيرات الإيجابية المذكورة مع قلب مسار السمات البارزة لعملية الشيخوخة، وفق باحثين من “جامعة إيست أنغليا” و”معهد كوادرام” في بريطانيا.

في الدراسة، حسب نفس المصدر، أجرى العلماء عمليات نقل متبادلة لميكروبات موجودة في البراز بين فئران صغيرة في السن وفئران أخرى مسنة. وفي مرحلة لاحقة، حللوا التأثيرات التي ظهرت في حاجز القناة الهضمية [الذي يجري عبره التبادل بين محتويات الأمعاء والدم أساساً] وشبكية العين والدماغ لدى تلك القوارض

وحينما تلقت الفئران الشابة الميكروبات الممنوحة من نظيرتها المسنة، وجد الباحثون أن تلك الأعضاء من الجسم [حاجز القناة الهضمية وشبكية العين والدماغ] قد تدهورت بالطريقة نفسها التي تحدث فيها أثناء التقدم في العمر.

هكذا، أصيبت الفئران الشابة بضعف في بطانة القناة الهضمية، علماً أن ذلك يؤدي إلى التهاب في الدماغ والعينين. وتسارعت عملية التهاب الجهاز العصبي المركزي، وارتفع أيضاً عدد البروتينات المرتبطة بضمور شبكية العينين. وفي المقابل، حينما نقلت ميكروبات البراز من الفئران الشابة إلى نظيرتها المسنة، أخذت التغيرات اتجاهاً معاكساً.

ووفق الدكتورة إيمي باركر، الباحثة الرئيسة في الدراسة أنها وزملاءها شعروا “بحماسة إذ اكتشفوا أنه عبر تغيير الميكروبات المعوية لدى المسنين، ننقذ مؤشرات التدهور المرتبط بالتقدم في العمر الذي يظهر كثيراً في أمراض انتكاسية [بمعنى تدهور القدرات الموجودة] تصيب العين والدماغ. توفر نتائجنا أدلة إضافية على الصلات المهمة التي تجمع بين الميكروبات في الأمعاء من جهة، وبين الشيخوخة الصحية للأنسجة والأعضاء في جميع أنحاء الجسم، من جهة أخرى”.

وقال الباحثون إن الدراسة، التي نُشرت في مجلة “ميكروبيوم” Microbiome العلمية، كشفت كيف أن الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الأمعاء تقود إلى تغيرات مضرة في الدماغ وشبكية العين، ما يشير إلى أن “التعديل الميكروبي” يمكنه أن يحول دون تدهور الأنسجة في الجسم.

في سياق متصل، ذكر البروفيسور سيمون كاردنغ، رئيس “برنامج بحوث الميكروبات والصحة” في “معهد كوادرام”، أن البحث “رائد” و”يقدم حلاً محتملاً قد يأتي على شكل علاج ينطوي على استبدال الميكروبات المعوية.

وكذلك تأمل الدكتورة باركر من “معهد كوادرام” في أن “تسهم نتائجنا في نهاية المطاف في معرفة السبل التي تسمح لنا بأن نتحكم بنظامنا الغذائي وبكتيريا الأمعاء لدينا، ونوظفهما من أجل التمتع بقدر كبير من الصحة الجيدة في سنوات لاحقة من حياتنا”.

في الحقيقة، ليست هذه المرة الأولى التي تشير فيها إحدى الدراسات إلى أن عمليات زرع البراز تؤدي إلى تراجع في علامات التقدم في العمر. ففي 2020، وجدت مجموعة من الباحثين أن فئراناً يافعة تلقت ميكروبات من فئران مُسنّة قد واجهت تراجعاً في مستوى التعلم المكاني والذاكرة.

وفي العام الماضي، بينت دراسة أخرى أن زرع بكتيريا الأمعاء يساعد في عكس مسار آثار أخرى للشيخوخة لدى الفئران، تشمل ضعف الذاكرة وتدهور المناعة.

الأمل

وتفتح التجارب السابقة آمالا واسعة في مجال تحسين الصحة العامة لكبار السن، ولا يمكن استيعاب ما تمثل جهود تحسين صحة تلك الفئة من الناس إلا باستحضار حجمها وتطورها في المستقبل. وفي هذا الصدد تؤكد منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2030، حسب المنظمة، سيصل سدس سكان العالم إلى 60 عاما فما فوق. وفي الوقت الحالي، سيرتفع عدد السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق من مليار نسمة في عام 2020 إلى 1.4 مليار نسمة. وبحلول عام 2050، سيتضاعف عدد سكان العالم البالغين 60 سنة فما فوق (2.1 مليار نسمة). ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 سنة فأكثر ثلاثة أضعاف بين عامي 2020 و2050 ليصل إلى 426 مليون نسمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *