منوعات

بسبب تغيير المناخ .. الحيوانات الحضرية مرشحة لنقل “المرض إكس” القادم للبشر

من الطبيعي أن يتأصل الخوف من الجردان في ذاكرة البشر، ذلك أن سجلها في نقل الأمراض الخطيرة مثل الطاعون، سجل ثقيل ومخيف فعلا.

ومن الطبيعي أيضا أن يستمر الجدل بين العلماء حول حقيقة تهديد “الحيوانات الحضرية” للبشر بنقل الأمراض الخطيرة، فيعتبر البعض الجردان “اسفنجة العدوى”، في حين يقلل آخرون من ذلك بعد تصحيح نتائج دراسات سابقة.

لكن الراجح أن خطر نقل الأمراض من طرف الحيوانات الحضرية (التي تعيش بجوار الإنسان، مثل الفئران والجردان والحمام، و …) مرتبط بشكل أساسي بالتغيرات المناخية، والتي إذا ازدادت ستزيد فعلا من احتمال انتقال الأمراض من تلك الحيوانات إلى البشر.

تصويب التحيز ضد حيوانات المدينة

ومؤخرا، حسب الجزيرة نت، نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) العلمية الراسخة دراستان، أحدثهما مطمئنة وتظهر أن القوارض وغيرها من الحيوانات التي تعيش في المدينة أقل احتمالية للتسبب في الوباء التالي مما كان يعتقد سابقا.

وفي المقابل، أظهرت الدراسة الأخرى -التي سبقتها بأيام- أن تغير المناخ يمكن أن يزيد من خطر انتشار الأوبئة الجديدة، وأن الاحتباس الحراري قد يوفر فرصا جديدة للفيروسات للقفز بين الحيوانات القريبة من المناطق المأهولة بالسكان، وإذا كان المضيف المتلقي قريبا من البشر، فيجب أن نشعر بالقلق حيال ذلك الأمر بشكل خاص.

وحسب نفس المصدر، أفاد تقرير لوكالة “فرنس برس” على موقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، أن باحثين في “جامعة جورج تاون” (Georgetown University) في العاصمة الأميركية، درسوا بيانات حول ما يقرب من 3 آلاف من الثدييات، وتوقعوا أن يكتشفوا أن الثدييات التي تعيش في البيئات الحضرية استضافت المزيد من الفيروسات المعدية التي يمكن أن يصاب بها البشر.

ووجد الباحثون أن الحيوانات الحضرية تحمل أنواعا من الأمراض أكبر بـ10 أضعاف من الحيوانات البرية فقط، مقارنة بالدراسات السابقة، التي تبين أنها أكثر من 100 مرة!

وعندما صحح الباحثون هذا التحيز الهائل -وهو تفضيل علمي طويل الأمد لدراسة الحيوانات المصاحبة لنا في مدننا، وتعيش تحت أقدامنا بدلا من الاختباء في الغابات المطيرة- فوجئوا عندما اكتشفوا أن الجرذان لم يكن من المرجح أن تكون مصدرا لمرض بشري جديد أكثر من حيوانات أخرى.

“المرض إكس”

الـجرذان هي حيوانات أكبر حجما من أقاربها من الفئران، بوزن يصل إلى نصف كيلوغرام، وكانت جموع الجرذان تمثل مشكلة لدى قدماء المصريين حيث كانت تتسلل إلى صوامع الغلال وتفسدها، لهذا استأنس المصري القديم القط لأنه يلاحق الفئران ويقتلها. ويحتمل أن الـجرذان بشكل عام تشكل أكبر خطر على حياة الإنسان لتلويثها الطعام ولأمراضها.

وتعيش الجرذان عادة في الغابات والحقول، ومعظمها يتفادى الاقتراب من الإنسان، إلا أن مجموعات منها استطاعت التأقلم مع الوقت للمعيشة بجوار الإنسان في البيوت وفي الحقول.

قال غريغ ألبري، عالم بيئة الأمراض الذي قاد الدراسة التي نُشرت في الثاني من مايو/أيار الجاري في دورية “نيتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن جورنال” (Nature Ecology & Evolution Journal)، لفرانس برس “ما زالت فكرة جيدة أن تكون قريبا جدا من الحياة البرية في المناطق الحضرية ووديا تجاهها”.

وأضاف “من غير المحتمل أن تكون هذه الحيوانات الحضرية مصدر المرض إكس التالي، لكنها لا تزال في كثير من الأحيان مصدرا لأمراض مهمة ومعروفة جيدا”. و”المرض إكس” (Disease X)، هو اسم عنصر اعتمدته منظمة الصحة العالمية فبراير/شباط 2018 لأي مُمْرِض جديد غير معروف قد يتسبب في حدوث وباء في المستقبل.

التهديد الكبير التالي

وضرب ألبري مثالا على “داء البريميات” (Leptospirosis)، وهو مرض بكتيري ينتشر بشكل شائع بواسطة الجرذان، وقال “نظرا لأننا كنا ندرس الحيوانات التي تعيش في المدن لفترة طويلة، فنحن نعرف الكثير عن طفيلياتها حيث يوجد عدد قليل نسبيا من الأشياء المجهولة هناك؛ في حين أن الحياة البرية الريفية غير مؤكدة بدرجة أكبر، ومن المرجح أن تقدم لنا التهديد الكبير التالي”.

ويوضح ألبري أن هناك دراسات تتهم حيوانات المدن، مثل الحمام وغيره، بأنها قد تسهم في نشر أوبئة جديدة، ولكنه يري أن هذا الأمر أيضا مبالغ فيه بسبب التحيز البحثي لبعض الباحثين.

من ناحيته، قال جوناثان ريتشاردسون، أستاذ علم البيئة الحضرية في “جامعة ريتشموند” (University of Richmond) إنه “لا يزال من العدل وصف الفئران بأنها إسفنجة مرضية لأن البشر على اتصال دائم معهم”. وأكد ريتشاردسون أن بحثه وجد أن الفئران الحضرية تؤوي أكثر من 200 من مسببات الأمراض والطفيليات التي يمكن أن تقفز إلى البشر، في حين أن ما يقرب من 80% من الفئران في بعض المدن تحمل داء البريميات.

مع تغير المناخ.. يجب أن نشعر بالقلق

وكان ألبري وشريكه في الدراسة كولين كارلسون قد نشرا بحثا -يوم 28 أبريل/نيسان الماضي في دورية نيتشر- أظهر أن تغير المناخ يمكن أن يزيد من خطر انتشار أوبئة جديدة. ووجدا أنه مع هروب حيوانات مثل الخفافيش إلى مناطق أكثر برودة، فإنها ستختلط مع الأنواع الأخرى، وتخلق فرصا جديدة للأمراض التي يمكن أن تصيب البشر لاحقا.

وقال ألبري إن الثدييات الحضرية يمكن أن تلعب دورا في هذه العملية. وأضاف “إذا التقى الخفاش بفأر ونقل له مرضا جديدا، ثم إذا كان لدى هذا الفأر وصول أكبر إلى المناطق البشرية، فإن ذلك يوفر طريقا مهما إلى البشر”.

كما أظهرت أبحاثه حول الاحتباس الحراري أن فرصا جديدة للفيروسات للقفز بين الحيوانات ستتاح الآن بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان، وليس في الغابات. وقال ألبري “شبكة المُمْرِض المضيف على وشك أن تتغير بشكل كبير، لذا فإن ما نعرفه الآن عن الطفيليات الحضرية من المرجح أن يصبح قديما بسرعة”.

وأضاف “نحن بحاجة إلى تحسين مراقبة كل من الحيوانات الحضرية والبرية حتى نتمكن من تحديد متى يقفز العامل الممرض من نوع إلى آخر، وإذا كان المضيف المتلقي حضريا أو قريبا من البشر، فيجب أن نشعر بالقلق بشكل خاص”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *