خارج الحدود

قانون الأحوال الشخصية بمصر يتجه نحو إلغاء الطلاق الشفوي والطاعة والولاية

اندلع جدل ديني قوي في مصر على خلفية الرؤية التي أعلنها المجلس القومي للمرأة حول مشروع جديد لقانون الأحوال الشخصية قدمته الحكومة للبرلمان، اتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بكونه مخالف للشريعة الإسلامية.

والمجلس القومي للمرأة أنشئ بموجب القانون رقم 90 لسنة 2000، كآلية وطنية لتحسين أوضاع المرأة في المجتمع المصري والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين المرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو مؤسسة رسمية تابعة لرئيس الجمهورية.

وبدعوى تشريع قانون عادل يضمن استقرار الأسرة المصرية، تضمنت رؤية مجلس المرأة للقانون المعني بأحكام الزواج وانتهائه، والذي ينتظر أن يناقش في البرلمان، مقترحات عدة دفعت إلى ازدياد الجدل المجتمعي حول التشريع الجديد، فبينما وجدها البعض منصفة رآها آخرون مجحفة تنتصر للنساء على حساب الرجال، حسب الجزيرة نت.

ويتكون مشروع قانون الأحوال الشخصية، المقدم من الحكومة إلى البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي، من 194 مادة، تشمل تنظيم الخطبة وعقد الزواج وآثار الزواج وأحكامه والطلاق والخلع والنسب والنفقة والحضانة وصندوق رعاية الأسرة المصرية.

وإلى جانب المشروع الحكومي، حسب نفس المصدر، ثمة مشروعات قوانين أخرى تختص بتنظيم الأحوال الشخصية أعدّها نواب وقوى مدنية، بل إن هيئة كبار العلماء التابعة لمؤسسة الأزهر أعدّت تشريعات في الشأن نفسه، وجميعها أخفق في التمرير من جانب البرلمان الحالي والسابق.

وتولي مؤسسة الرئاسة المصرية، حسب المصدر السابق، اهتماما بقانون الأحوال الشخصية وهو ما عبّر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة دعا خلالها إلى التنسيق بين الحكومة والبرلمان والأزهر والقوى المدنية من أجل إعداد تشريع متزن.

مطالب جدلية

وتضمنت رؤية المجلس القومي للمرأة حول قانون الأحوال الشخصية الجديد مطالب عدة أو مقترحات أثارت جدلا لكونها تميل إلى ترجيح حقوق النساء على حساب الرجال بخاصة في حالة الطلاق، وفق رؤية المعارضين، وأبرزها:

+ النص على الحق في الكد والسعاية والتأكيد على الذمة المالية المستقلة للزوجين.

+ يتعين تنظيم الزواج الثاني وذلك بتحقق القاضي من شرط موافقة الزوجة الأولى وضمان. + استيفاء العدل بينهما، ومنح القاضي سلطة التصريح بالزواج الثاني بعد تحقق الشروط.

+ الولاية حق للمرأة الراشدة حسب اختيارها ومصلحتها ولها أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها.

+ النص على شهادة المرأة على قدم المساواة مع الرجل والتأكيد على ذلك مثلما يحدث في واقع الإجراءات الجنائية والمدنية.

+ إجازة الكشف على حسابات الزوج البنكية مع مراعاة سرية البيانات، وأن تتضمن عناصر الدخل كل أنواع وفئات ومصادر الدخل على تنوعها في المواد الخاصة بالنفقة لبيان الدخل الحقيقي للزوج أو المطلق.

+ تنظيم تفويض الزوجة في الطلاق بموجب العقد أو ملاحقه، وتوضيح حكمه في هذه الحالة بأنه طلاق بائن لا تجوز فيه الرجعة.

+ تنظيم الطلاق وجعله أمام القاضي أو الموثق، لحسم الحقوق المترتبة عليه. وأن يكون في مواجهة الزوجة أو علمها بإخطار رسمي وذلك لمواجهة الطلاق الشفوي.

+ الحفاظ على مادة الخلع بنصها الحالي في القانون وعدم تعديل حكم الخلع باعتباره طلاقًا بائنًا وليس فسخًا لعقد الزواج.

+ عدم سقوط حضانة الأبناء عن الأرمل والأرملة، وكذا في حالة زواج الحاضنة/الأم من آخر -ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون وأي أسباب أخرى يقدرها- مع تنظيم عدم استحقاق الحاضنة لأجر المسكن والحضانة في هذه الأحوال.

+ النص على وضع تنظيم قانوني محدد لإشكالية المرأة المطلقة بلا عمل أو عائل أو مسكن والتي تضررت بطلاقها بعد مرور فترة زوجية طويلة يمكن أن تصل إلى أكثر من 20 عامًا، وذلك بتقرير تعويض وأجر مسكن.

+ إتاحة الحكم بالحبس لكافة الحقوق المالية للمرأة بما في ذلك المتعة والمؤخر.

+ إلغاء أحكام الطاعة.

ضرورة ملحة

بدروها، قالت رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي إن خروج قانون الأحوال الشخصية بشكل متوازن أصبح ضرورة ملحّة حيث يتناول قضايا تمس جميع أفراد المجتمع.

وتوقعت -في بيان صحفي- أن يؤدي قانون عادل ومتوازن للأحوال الشخصية إلى استقرار الأسرة بصورة كبيرة وطمأنة الأجيال القادمة من ناحية فكرة مؤسسة الزواج.

وبلغت وقائع الطلاق في البلاد نحو 213 ألف واقعة في عام 2020 بواقع حالة كل دقيقتين، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (جهة حكومية).

وأكدت مرسي بذل المجلس القومي للمرأة جهودا كبيرة على مدار 6 أعوام من أجل إعداد المحددات الخاصة بقانون الأحوال الشخصية ومعالجة الإشكاليات والجوانب الإجرائية في قضايا الأسرة.

ووفق المادة 11 من الدستور المصري، تلتزم الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية

تأييد

من جانبها، أيّدت حملة “أمهات تصنع المستحيل” رؤية المجلس القومي للمرأة حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.

وقالت مؤسسة حملة “أمهات تصنع المستحيل” لمياء بسيوني إن رؤية مجلس المرأة تعلي من شأن وقيمة نساء مصر اللاتي يعتبرن النواة الأولى في تكوين الأسرة والمجتمع.

وأثنت بسيوني -في تصريحات صحفية- على بنود الرؤية والحضانة المطروحة من جانب مجلس المرأة حيث عدّتها مراعية لمصلحة الأطفال وتكفل عدم حرمان الأطفال من حضانة الأم بصفتها القادرة على الرعاية أكثر من الأب.

ودعت بسيوني الجهات المعنية إلى ضرورة الاستماع الجيد لمطالب النساء والالتفات لمشاكلهن وحلها، حتى يخرج القانون الجديد محققا الضمانات الكافية للحفاظ على حقوق المرأة المصرية ومكتسباتها.

صراع مكاسب

“كل فريق يريد أن ينتصر لرأيه ويريد تحقيق مكاسب للفئة التي يمثلها”.. هكذا رأى وزير العدل عمر مروان المقترحات المقدمة من جانب المجلس القومي للمرأة وقوى المجتمع المدني ومؤسسة الأزهر بشأن قانون الأحوال الشخصية.

وأوضح خلال لقائه في حوار خاص مع برنامج “على مسؤوليتي”، المذاع على قناة صدى البلد، أن الأحوال الشخصية تضم أطرافا عدة: الأب والأم والأولاد والجد، و”يجب ألا ننحاز لطرف منهم، ولا بد أن تكون المصلحة الأولى للطفل في القانون الجديد”.

وفيما يخص مسألة حضانة الطفل، بيّن وزير العدل أن كل حالة انفصال لها ظروفها الخاصة فمثلا هنالك حالة تكون الميزة للطفل أن يصبح حضانته مع الأب، وفي حالات أخرى مع الأم، مشددا على السعي لخروج قانون الأحوال الشخصية وفق رؤية متوازنة تراعي مصالح كل الأطراف.

انحياز رئاسي

رغم تأكيده على عدم انحيازه للمرأة في قضية الأحوال الشخصية فإن الرئيس المصري عدّ المرأة مظلومة، مشيرا إلى أن المساعي المبذولة تهدف إلى تحقيق التوزان داخل المجتمع.

وأكد في مداخلة هاتفية مع برنامج “صالة التحرير” المذاع على فضائية صدى البلد ضرورة أن يكون القانون هو المنظم للزواج والطلاق، معتبرا الأحوال الشخصية من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع وتؤثر في تماسكه ومستقبله.

وفي عام 2017 دعا السيسي إلى إصدار قانون يقضي بعدم إتمام الطلاق إلا أمام مأذون، أي حظر الطلاق شفويا، ولاقت الدعوة رفضا من جانب الأزهر وقتئذ. واللافت أن المجلس القومي للمرأة أيضا يدعو لعدم الاعتراف بالطلاق الشفهي في رؤيته المقدمة لقانون الأحوال الشخصية.

وخلال فعاليات إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول الماضي، قال الرئيس إنه ليس منحازا إلى المرأة “ولكنه يحاول إعطاءها حقوقا اُنتهكت منذ زمن”، حسب تعبيره.

وأضاف أن الأسر في مصر اعتادت ذلك الانتهاك، مؤكدا في الوقت نفسه أهمية التوازن الحقيقي بين البشر.

إنصاف وإجحاف

وعبر منصات التواصل الاجتماعي تزايد الجدل بشأن قانون الأحوال الشخصية الجديدة مستندا إلى ما طرحه المجلس القومي للمرأة من رؤية في هذا الخصوص.

ورأى كثير من رواد الإعلام الاجتماعي أن تصور مجلس المرأة حول القانون يخالف الشريعة الإسلامية ويتبنّى رؤية علمانية لإدارة العلاقة بين الزوجين، محذرين من تبعات ذلك على الأسرة المصرية.

في حين رأى آخرون ضرورة إنجاز قانون الأحوال الشخصية لإنقاذ المرأة من الظلم الذي تتعرض له داخل منظومة الزواج أو بعد الطلاق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *