مجتمع

الفيلسوف التونسي محجوب يعدد لـ”العمق” أسباب “تيه” العرب وتراجع الإسلام السياسي

بمشرط الفلسفة حاول المفكر التونسي الدكتور محمد محجوب تشريح حالة التيه والمحن التي يعيشها العالم العربي، في حوار مع جريدة “العمق” مستحضرا بذلك الصورة التي يحضر بها فكر هيدغر في المجتمع وأدوار الفلسفة والثقافة والدين في التأسيس لديمقراطية في العالم العربي.

وإليكم نص الحوار كاملا:

– العالم العربي يعيش حالة تيه في جميع المجالات، كيف يقرأ محمد محجوب طبيعة هذه الأزمة؟

هنالك نوع من الفوضى في تصور العالم والإنسان العربي للزمان الذي ينتمي، لأنه قادم من زمان قديم له خاصيته فهو تكراري لا يؤمن بالتقدم، ولا يؤمن بأفضلية الحاضر عن الماضي، وعدم الإيمان بأفضلية الحاضر على الماضي والمستقبل على الحاضر والماضي يجعل الحياة تكتسي نوعا من الندم.

ما يبحث عنه المرء هو كيفية الانتقال المأمول للحياة، فكيف يعيش الإنسان العربي زمانه وهو مقتنع به، وهذا جوهر المشكل أي غياب رسم استراتيجيات ومشاريع من طرف النظم العربية.

– عاش العقل العربي محنا كثيرة كيف يبدو لك الوضع على هذا الأساس؟

وضع مأزوم ومكلوم، ضمنه إشكاليات عديدة بسبب عدم إدراكه لكيفية إرجاعه واستحضاره لتاريخه ومن عدم فهمه لضروب الفاعلية الممكنة في التاريخ وفي الحاضر.

لقد حاول العقل العربي عبر إمكانيات ومحاولات عديدة منها محاولات عتيدة في المغرب عن طريق الراحل محمد عابد الجابري، الذي أراد ان يستعيد تاريخية العقل العربي عن طريق بنية العقل العربي وعبر نشره وامتداده إلى مجالات أخرى من العقل العربي والعقل السياسي والأخلاقي.

الجابري إحدى الإمكانيات العديدة التي حاولت أن تجعل العقل العربي يفهم تاريخيته، لكن هناك أيضا محاولات أخرى في الشرق منذ طيب تيزيني وحسن حنفي وعبد الله العروي في المغرب، بالإضافة إلى هشام جعيط وعبد المجيد الشرفي ومحمد الطالبي في تونس.

الإشكالية الكبرى حسب رأيي تتجلى في العلاقة بين العقل والتاريخ، كيف يتصور العقل تاريخه وتاريخيته على نحو يسمح له بأن يكون ذو فاعلية وبألا يكون عقلا مهزوما.

– اشتغلت على هايدجر منذ أمد بعيد، ما هي الصورة التي يحضر بها فكر هيدجر اليوم؟

الحديث عن صورة هيدجر في المجتمع أعتقد مبالغ فيها إلى حد ما، لأن هيدجر لم يصبح في المجتمعات العربية ظاهرة اجتماعية، لكن يمكن أن نتحدث عن ذلك داخل الجماعة العلمية والأكاديمية حين ذلك يمكن أن نتحدث عن تلقي هذه الفئات لهيدجر.

أعتقد أن الأمر متنازع وفيه جدل ما بين موقفين كبيرين، الأول يتأثر بالموقف الغربي من هيدجر بعد كل ما كتب حول علاقة هيدجر بالنازية وهذا ورّث بعض الأجيال العربية موقفا نقديا، حتى وإن كانت المشكلة النازية لا تهم العرب بنفس الشكل الذي كانت تهم به الفئات الأوروبية.

الموقف الثاني الذي أنتمي إليه شخصيا إلى جانب بعض زملائي وطلبتي هو استغلال هيدجر لقراءة وإعادة تفكيك تاريخنا الفكري من دون نقد الحداثة بالشكل الذي ذهب إليه هيدجر، بل بالعكس من أجل الإقدام على تأسيس هذه الحداثة داخل مجتمعنا.

– ما حدود التلاقي والتضاد بين الفن والدين بناء على قراءتك للأمر ؟

هناك العلاقة القديمة التي تجعل الفن تجسيما من تجسيمات المقدس، وبالنظر لتاريخ الفن والدين في المجتمعات الغربية نجد هنالك ارتباطا كبيرا بينهما، ومنذ أخذ الفن يجسم المسيحية الأولى والصورة الأولى لها وواكب تطور الشعور الديني ظل الفن مجسما للحياة الدينية.

بالنسبة إلينا هناك فرصة تجريدية لحكم مسبق وجدنا فيه رغما عن أنفسنا هذه الفرصة تغادر المنزع التجسيمي للفن وتذهب نحو التجريد أكثر وهو ما أعطى إمكانية أخرى للفن، لست أدري إن كان الفنانون يقتنصون، لأن إمكانية التأقلم ما بين الواقع الديني والممارسة الفنية أيسر داخل المجتمعات الغربية.

– أين تتجلى أدوار الثقافة والفن والدين في التأسيس لديمقراطية في العالم العربي؟

لا يمكن أن توجد ديمقراطية إذا لم يكن هنالك تفكير وحرية، ولا حرية بدون بناء علاقة بين الفرد مع نفسه تقوم على اعتبارها ذات استقلال، هناك خطأ نرتكبه كثيرا في مجتمعاتنا التي لم تتعود على مفهوم الثقافة، هذا الخطأ يتمثل في اعتبار الثقافة مجال تميز لفئة ما.

الثقافة هي كل التصورات والتمثلاث الاجتماعية الرائجة، فينبغي العمل ثقافيا من قبل الفلاسفة والمؤرخين والمفكرين والفنانين المبدعين في المسرح والشعر والموسيقى والرواية وفي كل مجالات الإنتاج الفني من أجل تكريس ثقافة تعطي معنى للفرد.

لا يمكن إذا الحديث عن ديمقراطية، وفكرة الفرد لم تتجسد بعد وإلا سيكون بإمكاننا أن نصنع بالديمقراطية أبشع مظاهر الاستبداد والطغيان.

– كيف للفلسفة أن تقاوم محاولات “الدعششة”؟ –

الفكر الداعشي يقوم على فكرة رئيسية وهو أن لا حق في التأويل لأي فرد، وهناك معنى واحد يعرفه الخليفة أو من هم حول الخليفة، وينبغي على الناس أن ينساقوا ويخضعوا إلى ذلك الفهم والتأويل.

الفلسفة طالما هي زعزعة للفكر الواحد والحقيقة الواحدة، فلا يمكن أن تكون مقبولة من الفكر الداعشي، هنالك زوج انفجاري هو الذي يضم الفكر الداعشي الوهابي الرجعي والفكر الفلسفي الذي يقلق كل شيء ويبدأ بقول لا لكل حقيقة ومعتقد قائم، ليس من أجل بلوغ موقف ملحد وإنما للوصول إلى موقف إيماني نقدي قائم على الفهم وليس التقليد والخضوع.

– اندحر الإسلام السياسي في الوطن العربي بعد ثورات الربيع ماذا يعني ذلك؟

جوابي، مواصلة للاعتبارات التي كنت أسوقها منذ حين، جاء الإسلام السياسي لأنه أوهم الناس بأنه ما كانوا محرومين منه، ولذلك قامت الثورات لتعطي للناس ما كانوا محرومين منه يعني حرية الممارسة الدينية، فالإسلام السياسي من حيث جوهره في تناقض جوهري انفجاري مع الديمقراطية والحرية.

كيف يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية مع فكر يؤمن بأنه على الفرد أن ينصاع ويؤمن بأنه على الفرد أن يخضع ويؤمن بألا حرية في الإيمان أو التأويل وحتى القراءة ولا حرية شخصية للفرد، على الأقل في تونس أصبحنا نفهم ذلك وأصبح العدو الأول بالنسبة إلينا بعد 10 سنوات هو الإسلام السياسي.

– الشعوب المغاربية لها نفس العادات والتقاليد والاهتمامات الفكرية لكن لم تستطع أن تتوحد على المستوى السياسي..

الشعوب تتكون إذا ما كانت لها أحلام ورؤى مستقبلية، وأعتقد أنه من سوء حظنا لأسباب يطول شرحها، ولكن خاصة لأسباب تتعدد مضامينها بحسب تعدد الرؤى، لو تحدث عن هذا الموضوع في الجزائر لقدموا لك تفسيرا، وفي تونس تفسير آخر وفي المغرب تفسيرا ثالثا.

المشكل المطروح علينا هو غياب هذا الأفق الذي تستطيع أن تشتغل فيه هذه الشعوب، تخيل يوما أن التلميذ المغربي يمكنه أن ينجح في البكالوريا ويواصل دراسته في القيروان أو في وهران دون وجود أي مشكل لأننا ننتمي لنفس الفضاء.

تخيل أن صاحب الشهادة في تونس يمكنه أن يمارس حياته العملية في المغرب، لأن هذه الشعوب تعيش على نفس الأفق ونفس الحلم، أنا أعتقد أن الأفق السياسي الحقيقي وهذا أمر أقول خسارة ألا تفهم القيادات السياسية هذه الضرورة وألا تكرس حياتها من أجل إنجاز هذا المشروع وهذه الرؤية التوحيدية الحقيقية، على الأقل أن يكون تنقل الأشخاص والبضائع والكتب سهلا ومتاحا يمكننا من الوصول إلى ظروف وعلاقات أعمق.

الوحدة المغاربية الجغرافية واللغوية والاعتقادية والتصورية التمثلية، يمكن أن نصنع منها شيئا عظيما خاصة و أننا في عصر التكتلات، نموذج أوروبا وإفريقيا والخليج، من أجل تكوين قوى حقيقة وازنة، فالأفاق التي يمكن أن يفتحها إنشاء هذا الكيان المغاربي أكبر بكثير مما يمكن أن تخسره هذه السلط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *