وجهة نظر

كراهية الإسلام وليس الإسلاموفوبيا

صناعة أسماء الظواهر السياسية والاجتماعية لا تكون دائما بخلفية موضوعية بريئة، بل تخدم أهداف واضعي تلك التسمية، والذين عادة ما يكونون خبراء في مجال التواصل.

وصناعة المصطلحات والأسماء تعتبر مسألة حيوية في الاستراتيجيات التواصلية التي تهدف إلى التأثير في الرأي العام.

ويمكن الالتفاف على قضايا كبيرة من خلال تسميتها بغير ما يناسبها، كما يمكن للإسم أن يكون أداة دعاية فعالة للظاهرة، أو يساهم في التعتيم على جوهر قضية، …

وتخاض حروب إعلامية وتواصلية ضخمة من أجل استبدال مصطلح بآخر يخدم أهداف الوقفين خلفها.

ومثلا يتم اليوم تسويق مصطلح “المثلية الجنسية” على نطاق واسع وبشكل غير مسبوق، وفي الوقت نفسه يقابل مصطلح “الشذوذ الجنسي” برفض ينعته بالتطرف والانحياز، وانتهاك حقوق فئات من الأشخاص. كما يتم الترويج لمصطلح “العلاقات الرضائية” في الوقت الذي يحارب فيه مصطلح الزنى في المجتمعات الإسلامية.

وفي قضايا كثيرة يسمى المدافعون عن أوطانهم بالمقاتلين وليس بالمقاومين. ويسمي الاستعمار بالحماية، ويسمي الغزو بالصراع أو حتى بالتحرير، وهكذا …

ومصطلح “الإسلاموفوبيا”، الذي أنتجته المختبرات الغربية، لا يخرج عن هذا المنطق، فهو “فخ تواصلي” بقدر ما يراوغ المسلمين يكون لترويجه نتائج عكسية على قضيتهم.

يتكون مصطلح “الإسلاموفوبيا” من كلمتي إسلام وفوبيا التي تعني الخوف. وهو (مفهوم يعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين).

و(يُرجع مؤرخو الحقبة الاستعمارية أول استعمال لمفهوم “الإسلاموفوبيا” -الذي يعني “رُهاب الإسلام” أو الخوف المرضي من الإسلام- إلى بدايات القرن العشرين).

ويراد للمصطلح أن يعبر عن ظواهر الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين في الغرب، غير أن التسمية التي تم اختيارها، ونشط المسلمون، دولا ومفكرين ومثقفين وحقوقيين وإعلاميين وغيرهم في الترويج لها، لمناهضة تلك الظاهرة إنما تبررها في العمق وتشجع عليها لدى الإنسان الغربي المعني الأول بها.

إن وقع المصطلح في نفوس ومسامع الإنسان الغربي يختلف عن وقعه لدى الإنسان العربي، فالأمر يتعلق لغويا بصيغة غربية، فمصطلح “إسلاموفوبيا”، كما بينا سابقا، ليس له أي مضمون قدحي، في حين أنه في سياق الاستعمال الإعلامي والاحتجاجي يعني عند عموم العرب ظواهر التطرف الموجه ضد الإسلام والمسلمين.

إن اعتماد مصطلح “الاسلاموفوبيا” في تسمية ظواهر الاعتداءات المادية والمعنوية على الإسلام والمسلمين نتيجة الكراهية في الغرب له عدة نتائج عكسية خطيرة:

فذلك المصطلح يفسر تلك التصرفات الإجرامية على أنها ناتجة عن خوف هؤلاء من الإسلام، مما يصم كل ما له علاقة بالإسلام بصورة “مثير للخوف”.

الجرائم التي توجه ضد الإسلام والمسلمين، لا ترتبط دائما بوجود أعمال إرهابية للمنتسبين للإسلام، بل تنطلق من أصل ثابت هو كراهية الإسلام والمسلمين، ومنطق الكراهية، وليس الخوف، هو أبرز ما يعبر عنه المتطرفون الغارقون في تلك الكراهية.

التبرير الضمني لأعمال الاعتداء ضد الإسلام والمسلمين، الذي ينطوي عليه المصطلح، يكافئ في العمق متطرفي كراهية الإسلام، وله مفعول لاشعوري يشجع غيرهم أيضا للإنضمام إليهم مادام الأمر يتعلق بالخوف من الإرهاب والعنف والتطرف!

والمصطلح الذي يربط الإسلام بالخوف، يجعل الدينامية الإعلامية التي تروج له تربط لا شعوريا في الأذهان بين الإسلام والمسلمين وكل ما يخيف، وهو ما يكرس، من جهة، ربط جرائم الإرهاب والتعصب والتطرف بالإسلام، ومن جهة ثانية، وصم جميع المسلمين ومظاهر التدين الإسلامي بوصمة “مثير للخوف”.

ونتيجة لكل ما سبق فالرهاب الجماعي من الإسلام الذي يعنيه المصطلح قد يتحول لا شعوريا، ودون مبالغة، إلى أداة حشد جماهيري ضد كل ما له علاقة بالإسلام.

إن هذه الخلفية من “الفوبيا” من الإسلام هي التي بررت شعبيا، السياسات غير الديموقراطية والماسة بحقوق المسلمين التي انخرطت فيها فرنسا بقوة، وبلغت بها حد الحد من حرية المسلمين في اللباس الذي يعبر عن قناعاتهم الدينية، وحرياتهم الشخصية. وتلك الخلفية هي بدورها الوقود الذي يتزود منه التطرف اليميني الذي سجل حضورا غير مسبوق في المجتمع الفرنسي، وفي غيره من مجتمعات الدول الغربية، والتي يمكن أن تحدو حدو فرنسا بدورها في أي وقت.

إنه في التقدير، تسمية معاداة الإسلام وكراهيته بـ”الإسلاموفوبيا”، والذي لا يحمل أي مضمون قدحي ويعبؤ لا شعوريا ضد الإسلام،، هو من عوامل التشجيع الإعلامي السيكولوجي على تنامي ظاهرة كراهية الإسلام والمسلمين في الغرب، مما يتطلب العمل على تغيير اسم الظاهرة باسم يعبر عن حقيقتها، والتي ليست سوى الكراهية والعداء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *