وجهة نظر

الديمقراطية ليست دائما هي الحل..

دأب الروائي والكاتب المصري الشهير علاء الأسواني، على تذييل مقالاته بعبارة “الديقراطية هي الحل”، وهي عبارة أقرب ما تكون إلى شعار، يختزل قناعة فكرية لدى الكاتب تؤمن بأنه لا حل خارج هذه الآلية المتعارف عليها عالميا، والقائمة على التداول السلمي على السلطة من طرف شخصيات وأحزاب سياسية، من خلال الاختيار الحر والنزيه للشعب لمن سيمثله داخل مؤسسات الدولة.

وإن كنت أتفق مع الأستاذ علاء الأسواني في عدد من الأطروحات الفكرية التي تبناها، فإنني هنا أختلف معه في مسألة كون “الديمقراطية هي الحل”، خاصة إذا أخذنا مقولته على إطلاقيتها، لأنه قد تكون فعلا هي الحل في بعض الدول التي تعاني من الاستبداد والفساد لعقود طويلة، مثل الدول العربية، لكنها قد لا تكون كذلك، في بعض الدول الغربية، لأنها قد تؤدي إلى وصول من هم ضد الديمقراطية أصلا، وهذا ما سنراه بتفصيل لاحقا.

وقد عرفت الديمقراطية في تطورها عبر التاريخ ثلاث محطات أساسية: أولا الديمقراطية اليونانية، ثانيا ديمقراطية عصر الأنوار، وثالثا الديمقراطية المعاصرة،  وهي أرقى ما وصل إليه الأنسان، في مجال إدارة الدولة ونظام الحكم، وهي الطريق الوحيد للتخلص من الاستبداد، ولذلك فهي تشكل حلا مستعجلا لمعظم المشكلات التي يعاني منها العالم العربي، لأن مصدر هذه المشكلات هو السلطوية، وفي هذا السياق، اعتبر الراحل الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله، أن السبيل للخروج من هذا الوضع هو الرجوع إلى الشعوب العربية لتمكينها من تقرير مصيرها، ويقصد بذلك منحها الحق في الاختيار الحر لحكامها..

لكن مع ذلك تبقى الديمقراطية، بما تعنيه من حكم الشعب من خلال آلية الانتخاب والاقتراع، محط انتقاد من طرف عدد من النخب الثقافية والسياسية عبر العالم، نظرا لأنها في كثير من الأحيان، لا تعبر عن حكم الأغلبية كما هو متعارف عليه عالميا، وإنما قد تتحول إلى حمم الأقلية، خاصة عندما تكون هناك مقاطعة واسعة للانتخابات من طرف الناخبين، سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، وهذا يثير إشكالا كبيرا بشأن كيفية تأمين هذه الآلية ضد الانحراف عن أهدافها، بسبب الحرية في الانتخاب والترشح..

والقول بإطلاق أن الديمقراطية هل الحل، يحيد عن الحقيقة، لأن فيه تعميم مخل بالواقع، لأنه ليس هناك نموذج ديمقراطي وحيد، وإنما هناك نماذج وأشكال متعددة، كما أنها لا تعني الحكم الرشيد، لأنها في بعض الحالات قد تخرج عن أهدافها، عندما تتحول إلى وسيلة بيد شريحة من الناخنين لاختيار أسوء المرشحين، وقد يكونوا غير ديمقراطيين.

والديمقراطية كقيمة من القيم المتوافق عليها دوليا، تطرح سؤالا جوهريا وهو: هل هي وسيلة لانتخاب أغلبية الشعب للأفضل وللأصلح، أم هي آلية فقط للوصول للحكم بغض النظر عن صفات المرشحين؟

عمليا، لا يوجد في الديمقراطية ما يحصنها من تسلق الانتهازيين والمفسدين والمتلاعبين.. وهي تحتوي على جوانب من الضعف والقصور، تجعلها لا تلبي تطلعات غالبية الشعب، وفي مناسبات كثيرة يمكن أن تكون مظهر من مظاهر الاستبداد المقنع، عندما تكون في بعض الأنظمة مقيدة بعدة عراقيل، تحول دون منح الناخبين فرصة الاختيار الأمثل، مثل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا يوجد خيار لدى الناخب الأمريكي خارج الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالتالي يكون الاختيار الشعبي بين مرشحين فقط، في حين يفترض النظام الديمقراطي الحر، أن يكون المجال مفتوحا لأكثر من مرشحين.. وحتى في الانتخابات التشريعية نفس الشيء.. أما بالنسبة للنظام الديمقراطي في أوربا، فهو لا يختلف إلا نسبيا عن نظيره الأمريكي.

 صحيح أن النظام الديمقراطي أصبح يمثل لدى معظم الشعوب النظام الأمثل للخروج من الاستبداد، وهو آفضل شكل للحكم توصلت إليه المجتمعات الأنسانية، لكنه قد يأتي بأشخاص بدون كفاءة ولا أخلاق، وأحيانا ذووا نزعة عنصرية أو متطرفة، وهذا حصل تاريخيا بوصول هتلر للحكم في ألمانيا في القرن الماضي، و ودولاند ترامب أخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أن هذه الشخصيات لها صفات عنصرية ومتطرفة، كما هو الحال كذلك في النظام السياسي الصهيوني، الذي استطاع اليمين المتطرف السيطرة عليه، من دون أن يثير انتقادات غربية، مع أن اليمين المتطرف معروف بانغلاقه وعنصريته، وهو ما يهدد التعايش داخل المجتمعات الإنسانية. وحتى في أوربا هناك توقعات جدية، بوصول اليمين المتطرف للسلطة، بسبب فشل اليسار واليمين المعتدل في الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الدول الأوربية منذ سنة 2008، وكذلك لتنامي حملات الكراهية والتخويف من المهاجرين، وخاصة العرب والمسلمين، وتحيلهم مسؤولية المشاكل الأمنية والاجتماعية التي تتخبط فيها أوربا.

وبناء على ما ذكرنا، فإن الديمقراطية كآلية للحكم وتدبير عملية التداول على السلطة، أصبحت في أزمة، وهذه الأزمة تحتاج إلى إعادة النظر في الوسائل التي تعتمدها، لتصحيح جوانب القصور فيها، خاصة ضرورة تشديد الرقابة في الانتخابات على استخدام المال الفاسد، والنفوذ والعلاقات المشبوهة والحملات المغرضة… وبالتالي فهي آلية تحتاج للتطوير والتعديل، حتى تصبح فعالة وناجعة في اختيار أفضل النخب السياسية في المجتمع، وتستبعد أصحاب الفكر المتطرف والعنصري، لما يمثلون من تهديد لقيم التعايش والتسامح والاختلاف بين الشعوب المختلفة.