حين يتكلم الملك بلغة المواطن ويغيب صدى الكلام عند من وجب عليهم التنفيذ

كعادتي بعد كل خطاب ملكي، توقفت طويلا عند مضامين الخطاب الأخير لجلالة الملك، لا من باب الإعجاب الخطابي، بل من زاوية التأمل والمساءلة:
من يسمع هذا الخطاب فعلا؟
من يعمل به؟
ومن يجرؤ على تجاهله؟
جاء الخطاب بلغة واضحة، صريحة، خالية من التزويق السياسي.
خطاب يُقر بحقيقة الواقع الصعب الذي يعيشه عدد من المغاربة، خاصة في العالم القروي، حيث لا يزال الفقر والتهميش حاضرين بقوة، رغم كثرة المخططات وكبر الشعارات، ورغم الإنجازات المتراكمة.
قالها جلالة الملك بوضوح لا لبس فيه:
“لن أكون راضيا مهما بلغ مستوى التنمية إذا لم تساهم في شكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات.”
وأضاف:
“ما تزال هناك بعض المناطق، لا سيما في العالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والتهميش.”
لكن في المقابل، ماذا نرى على الأرض؟
- احتجاجات متزايدة بسبب ندرة الماء.
- إفراغات قسرية ومضايقات للباعة المتجولين بدل تنظيمهم وضمان قوتهم اليومي.
- استعلاء ولا مبالاة من بعض المسؤولين، وأحيانا مضايقة من تبقى من الشرفاء في هذا الوطن.
فهل وصلت فعلا رسائل الخطاب الملكي إلى من يعنيهم الأمر؟
يبدو أن الجواب هو: لا.
المسؤولون يتصرفون وكأن الخطاب لا يعنيهم،
كأنهم في واد، وصوت المواطنين والملك في واد آخر.
يُصفقون، يُباركون، يُهللون… ثم يعودون إلى مكاتبهم،
حيث لا أثر لإرادة حقيقية، ولا عزيمة على التغيير،
ولا حتى إحساس بأن وراءهم من يراقب ويحاسب.
بالنسبة للبعض، الخطاب الملكي لحظة إعلامية عابرة،
يُطوى سريعا، وتُعاد إنتاج نفس السياسات،
بنفس الوجوه، بنفس العقليات، ونفس الاختلالات،
والعنوان كما هو: “منجزات ومعاناة”.
فأين هي ربط المسؤولية بالمحاسبة التي دعا إليها الملك مرارا؟
أين مؤسسات الوساطة؟
أين تلك الإرادة السياسية التي تُحوّل الخطابات إلى واقع ملموس؟
حتى الصحافة الوطنية، بدورها تتحمل قسطا من المسؤولية،
حين تكتفي بإعادة نشر نص الخطاب،
وتأخذ تصريحات بروتوكولية من المسؤولين،
دون مساءلة، دون نبش، دون متابعة آثار ما قيل وما وُعِد به.
جلالة الملك حين يتحدث بلغة المواطن،
وحين يُشخّص الأعطاب ويقترح المسار،
فهو لا يُجامل، ولا يُناور، بل يمارس مسؤوليته التاريخية،
كرمز للدولة، وكممثل لإرادة جماعية نحو وطن أكثر عدلا وكرامة.
لكن يبقى السؤال الجوهري:
هل يسمع المعنيون ما يُقال في الخطابات الملكية؟
أم أن التصفيق أسهل من الانخراط الحقيقي في تنزيل تلك الإرادة على الأرض؟
ما نحتاجه ليس خطابات جديدة، بل رجالا ونساء يتحملون مسؤولياتهم بشجاعة وصدق.
المرجعية اليوم واضحة.
والإرادة الملكية صريحة.
ومن أراد أن يخدم هذا الوطن، فليبدأ من هنا.
أما الباقي… فمجرد أعذار باهتة لم تعد تُقنع أحدا.
اترك تعليقاً