وجهة نظر

الهاشتاك .. دلالات سياسية لا يستهان بها

في علوم السياسة لا بد من الوقوف على كل تعبير شعبي وقراءة دلالاته السياسية وخلفياته المجتمعية ، ولا بد لتكون هذه القراءة ناجعة ومفيدة لملامسة الرسائل الحقيقية التي حملتها هذه التعبيرات وبالتالي تحسب ما بعدها واتخاذ ما يلزم لتجنب أية مآلات سلبية لتجاهلها، ( لا بد ) أن تستحضر هذه القراءة السياق السياسي والوضع الاجتماعي والظروف التي حكمت اختيار الصيغة المعتمدة في بعث الرسائل المراد توجيهها للسلطة التنفيذية ؛

في هذا السياق أعتقد أن الوتيرة التي انتشر بها هاشتاك ” أخنوش إرحل ” والأرقام القياسية التي وصلها لحد الان لا ينبغي أن ينظر إليها كتعبير فارغ من بعض المواطنين لاهون بهواتفهم ، بل ينبغي ربطه بحالة الغليان الشعبي الذي يعرفه المغرب في كل ربوعه جراء تأثر القدرة الشرائية بشكل غير مسبوق نتيجة غلاء أسعار جل المواد الاستهلاكية وارتفاع أثمان المحروقات إلى مستويات فاقت القدرة التحميلة لمختلف القطاعات التي تعتبر هذه المادة شريان الحياة بالنسبة إليها ، ينبغي أن نستحضر كذلك أن لا مبالاة الحكومة بمعاناة الطبقة الفقيرة بل حتى الطبقة المتوسطة التي تضررت كثيرا بهذا الغلاء الذي التهم بين عشية وضحاها ما يقارب ال 40 % من دخلها ، دون اتخاذ أية إجراءات للتخفيف عليها، في وقت سارعت مختلف حكومات العالم إلى الاجتهاد في إيجاد بعض الحلول التي من شأنها تخفيف أعباء الغلاء الذي عرفته هذه الدول ؛

والمعطى الخطير الذي يميز وضع المغرب عن غيره من دول الجوار أن رئيس السلطة التنفيذية الذي تقع عليه مسؤولية معالجة هذا الوضع هو أكبر مستفيد منه باعتباره أكبر مستثمر في قطاع المحروقات ، ذلك أن جل الحكومات – إضافة إلى إجراءات أخرى اتخذتها من قبيل التخفيض الضريبي على استيراد المحروقات وغيرها من الإجراءات – دفعت مستثمري قطاع المحروقات إلى تقليص هامش الربح ” العادي والمعقول ” في ظل الظروف الحالية، وعكس ذلك هو ما وقع في بلادنا، فتجار المحروقات عندنا لم يقتصروا على هامش ربح يمكن أن يستصاغ في ظروف عادية بل تحول إلى استغلال جبان بتوسيع هامش الربح بشكل غير أخلاقي وفي ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة، فكيف ننتظر من أحنوش رئيس الحكومة أن يدفع في اتجاه تقليص الأرباح الفاحشة لأخنوش تاجر المحروقات ؟

المعطى الأخر الذي ينبغي استحضاره أن الوضع الوبائي واستثماره من طرف الداخلية في التضييق على الحركات الاحتجاجية والنضالية التي كانت ستهدد السلم الاجتماعي ، وغياب الدور المطلوب لهيئات الوساطة وعلى رأسها النقابات والأحزاب ومجلس المنافسة وهيئات حماية المستهلك وغيرهم في مثل هذه الظروف ، وشراء صمت عدد من المنابر الإعلامية ، كل ذلك حبس الخروج للشوارع للتعبير عن حالة التذمر التي وصل إليها الشعب المغربي ، فكان ملاذه المتاح لحد الساعة هو التعبير عبر وسائط التواصل الاجتماعي بتبني هاشتاك يحمل في ثناياه سخطا كبيرا وغليانا يمكن أن ينفجر في أية لحظة سيشعر فيها المواطن أن الإشارات التي بعثها بهذه الصيغة لم تجد آذانا صاغية ولا عقولا واعية، وأن الخيار الأخير للدفاع عن حقه في العيش الكريم وفي رفض أخطر فساد يمكن أن تعرفه المجتمعات وهو جعل السلطة في خدمة المصالح الخاصة للماسكين بزمامها ، يبقى هو الخروج من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع للاحتجاج المباشر ، وهو أسوأ سيناريو قد نتوقعه يمكن أن يهدد الوطن في ظل فقدان الثقة في مؤسسات الدولة وفي هيئات الوساطة، والنماذج في هذا السياق متعددة في محيطنا الإقليمي القريب.

لذلك على عقلاء هذا الوطن ، أن لا يستهينوا بهذه التعبيرات، وأن لا يجازفوا باستقرار الوطن ، لأن تاريخ المغرب يؤكد أن للمغاربة قدرة كبيرة على الصبر، تنقضي عند الإحساس بالغبن وبالحكرة ، وأن يتدخلوا لرد الأمور إلى نصابها، لأن الرهان على حكومة تتضارب فيها السلطة مع المصالح الخاصة رهان ثبت بالملموس أنه رهان خاسر لا يمكن التعويل عليه لضمان حقوق المواطنين وحفظ استقرار الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *