وجهة نظر

أطفال الجنوب الشرقي وسؤال المخيمات الصيفية؟

كان الله في عون أطفال الجنوب الشرقي، كلما حلت بنا وبهم العطلة الصيفية، إلا وحلت بنا وبهم معاناة لا تطاق، ليس جراء قساوة الطبيعة وهشاشة البنية التحتية فحسب، بل تنضاف إلى ذلك شدة الحرارة المفرطة والجفاف الخانق والفراغ القاتل والبطالة المستدامة والرتابة المملة وعلى امتداد ما لا يقل عن 90 يوما والله المستعان، لا طائر يطير ولا بشر يسير، وكل ساكنة الجهة – رغم كل الشعارات – متروكة لشأنها وعاداتها العريقة في مثل هذه الأوقات العصيبة، ورغم ذلك، كم كانت تنعشها العيون المتدفقة قبل جفافها.. والسواقي الجاريات قبل يبسها.. والغابات الغناء قبل حرائقها.. وحتى بعض ملاعب القرب الطبيعية قبل تعبيدها وتأميمها؟.

كم كان يكون أطفال الجهة يتفرجون على التلفاز ، وهو لا يفتىء يتقيء علينا إشهاراته المعلبة حول المخيمات الصيفية وشعاراتها الوزارية حول “العطلة للجميع” وأعدادها الخيالية من المستفيدين وقد تجاوزت 250 ألف.. ومنتجعاتها السياحية الخضرة النظرة حضرية وقارية.. جبلية وشاطئية..، فيحلم الأطفال الأبرياء والآباء البسطاء ويحلمون ليستيقظوا على حقيقة مرة صادمة وهي أنهم في مغرب ليس له ذلك.. وأن ذلك في حد ذاته امتياز لأبناء المحظوظين وليس خدمة عمومية ولوجها في متناول الجميع، رغم ما ترفعه من شعار “العطلة للجميع”، فمتى كان فلاحي وحرفيي.. وبنائي وسائقي.. الجهة 8 يتمتعون بالعطلة حتى يتمتع بها أبناؤهم؟.

أو على الأصح، أية عطلة يعرفها أبناء درعة تافيىلالت؟، طبعا، ليست عطلة المخيمات الصيفية.. بأناشيدها العذبة وألعابها المرحة.. بخرجاتها الاستطلاعية ورحلاتها الاستكشافية.. بمسابقاتها الثقافية وسهراتها الفنية التراثية.. ليست عطلة المتعة والإفادة وحسن استثمار الوقت الثالث الذي يعد بحق من حقوق الإنسان عامة وحقوق الأطفال وحسن تنشئتهم خاصة وهو مؤشر دولي للتنمية البشرية وسعادتها. هذه التنمية والسعادة التي يبحث الباحثون عن مدى وجودها في السائد من العطل الموروثة في الجنوب الشرقي عامة، وهي أنواع متعددة وإن لم نحسبها عطلا بالاسم والمعنى فبالتجاوز، ومنها:

عطلة الاستسلام للحر والقيظ والتشكي من كثرة النوم في الدرج المظلم على أثير إذاعة “هنا لندن” القسم العربي؟.
عطلة التسكع اليومي في الحقول والغابة بحثا عن ساقية أو يم يغرق فيها بالمرء بلباسه عله ينتعش وسط مجاريها؟.
عطلة السفر إلى أوراش الحصاد والبناء في الغرب أو النزول ضيوفا ثقلاء على بعض الأقارب والعائلات في المدينة؟.
عطلة المساعدة الفلاحية في حقول الآباء أو تعلم الصناعة في دكاكينهم و التجارة في ورشات المعارف والأصدقاء؟.
عطلة الأندية النسوية وبعض التحفيظ في الجوامع والجمعيات التي سرعان ما يغلق معظمها أبوابه خلال العطلة الصيفية، لتلفظ جميع روادها من البنين والبنات إلى الأزقة والمقاهي؟.

والآن على سبيل الختم ومقترحات الحلول :

بكم مقعد تخييمي تلتفت وزارة الشباب والثقافة والتواصل إلى أطفال الجهة 8 ككل ، ضمن أعدادها الخيالية (250 ألف)، وكم تمثل تلك الأعداد ضمن مجموع الأطفال الذين هم في سن التخييم ويرغبون في ذلك؟.

2- وكم هو عدد الجمعيات التربوية الطفولية في الجهة 8 ككل، وكم مقعد تخييمي يتسنى لها انتزاعه من الكعكة الوزارية لصالح أطفال الجنوب الشرقي، وإلى أي فضاء تخييمي مناسب تسافر بهم ولا يكون مجرد تغيير جبل بجبل؟

كم عدد الفضاءات التخييمية الجميلة الحضرية منها والقارية تمكنت الوزارة الوصية من بنائها بشراكة مع الجماعات المحلية منها والإقليمية والجهوية و جمعيات المجتمع المدني وبقية المستثمرين والفاعلين؟.

أين تلك الحركة الجمعوية التي كانت تملأ دور الشباب بمخيماتها الحضرية كل صيف في التسعينات وبداية الألفية، ورغم الحر والقيظ فقد كان الإقبال عليها منقطع النظير، ولمراحل ومراحل، كان يستمتع فيها الأطفال ببرامجها التربوية الهادفة وخرجاتها الترفيهية الماتعة، في وقت لم يكن فيه منتزه ولا حدائق إيكولوجية “يا حصرة”؟.

لماذا في الوقت الذي تحتاج فيه الطفولة فتح فضاءات تخييمية على مستوى كل إقليم وعلى مستوى الجهة ككل، وبمواصفات تربوية وترفيهية فنية ورياضية وطنية ودولية؟، نرى العكس هو ما يحدث حيث تغلق مخيمات بدل أن تؤهل ويستثمر فيها كزاوية سيدي حمزة وأغبالو نكردوس.. والمركب الرياضي ومسكي في الرشيدية؟.

أين هو دعم مختلف الهيئات والمؤسسات لهذا النشاط التخييمي في الجهة، ليس من حيث الفضاءات والجمعيات والتكوينات فحسب، بل أيضا من حيث دعم مصاريف التنقل إلى مخيم شاطئي في طنجة أو أكادير أوالحوزية، وهو ما يستنزف الأسر فوق طاقتها خاصة إذا كانت متعددة الأطفال وأرادت أن ترسل منهم فقط البعض وليس الكل؟.

بغير مثل هذا التعاون الجماعي كل من مكانه وبإمكانه، فلا يحلمن أطفال الجهة 8 ولا غيرهم بعطلة صيفية ممتعة يأخذ فيها – كغيره من المواطنين – قسطه من الراحة والاستجمام، ويجدد طاقته للموسم الدراسي والاجتماعي المقبل، لا شيء غير صيف يضجر فيه الآباء من فراغ الأبناء ومشاكستهم ومتاعبهم إلى درجة يصبح فيها أفضل دعاء عند الأمهات: “متى ستفتح المدارس أبوابها.. حتى نرتاح منكم”، وتفتح المدارس أبوابها ونبدأ الموسم على تراكم من التوتر والعنف والغضب.. والإرهاق والملل..، سرعان ما يضجر منه الجميع جراء الاحتكاكات والشرارات، وكان من اللازم إفراغ كل هذه الشحنة السالبة خلال الصيف وفي أحسن مدارسه التربوية الترفيهية ألا وهي المخيمات.. ولكن.. ولكن.. ربما إلى إشعار آخر، و نرجو أن يكون قريبا غير بعيد؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *