منوعات

الإنسان حيوان طباخ .. إليك قصة تطور طعام البشر عبر التاريخ

كثيرا ما تستوقفنا الأطعمة اللذيذة والرائعة ونسأل عن كيف تم التوصل إلى وصفتها السحرية من طرف البشر. وكثيرا ما تستوقفنا بعض مكونات الأطعمة ونتساءل كيف اهتدى الناس إلى إدماجها ضمن قائمة مستلزمات الأطعمة.

وتزخر مائدة البشر بما لا يحصى من الأنواع والأشكال التي أبدعها، والتي تتنوع من مجتمع وثقافة إلى مجتمع وثقافة أخرى. والخيط الناظم بين كل أنواع طعام البشر هو أنه خضع لقانون التطور عبر مراحل كان فيها شاهدا على ما وصل إليه الانسان في التحضر.

وما تزال ديناميكية الإبداع والتحسين تخضع مائدة طعام البشر لتحولات أصبحت تعتمد على خبراء وصناعة تتنافس في صناعة الطعام الأكثر شهية والأجمل شكلا والألذ مذاقا.

ولا شكن أن ثقافة البشر في طبخ الطعام جعلت منه “الحيوان الطباخ” إذ ينفرد بهذه الخاصية ويبدع فيها، وقد لازمته طوال تاريخه الطويل من التطور.

الأنثروبولوجيا التطورية للطعام

شكّل موضوع أنثروبولوجيا الطعام، حسب القدس العربي، أحد الاهتمامات الرئيسية منذ مدة ليست بالقصيرة. والملاحظ تنوع المقاربات في هذا الحقل، وأيضا تركيز الباحثين في السنوات الأخيرة على التواريخ الاجتماعية والثقافية المحيطة بالطعام.
لكن في مقابل هذا الاهتمام، حسب نفس المصدر، فإن المقاربة التطورية لهذا الحقل، ما تزال تحمل أيضا الكثير من المفاجآت، على صعيد علاقة الإنسان بالطعام وتطورها. إذ يرى عدد من الباحثين في حقل ما يسمى «الأنثروبولوجيا التطورية للطعام» أنه كما مرّ المجتمع البشري بمراحل مختلفة، فإنّ الطعام أيضا كان يعيش تطوّرات موازية، وأن الطعام الذي نتناوله اليوم ليس وليد هذا العصر، بل هو وليد انتقاء طويل الأمد، وتجارب على مدار آلاف السنين. والطريف ربما في ما تقدمه هذه الرؤية، أنها تزودنا بتفاصيل جديدة وممتعة عن سير بعض الأطعمة وكيف وصلت إلينا.
ومن بين الكتب الجديدة التي ترصد هذا الجانب، كتاب جوناثان سيلفرتاون «عشاء مع داروين: الطعام والشراب والتطور» ترجمة سامر حميد (صدر بالإنكليزية عن جامعة شيكاغو 2017). إذ يحاول المؤلف في هذا الكتاب رواية سيرة بعض الأصناف والأطعمة وتطورها، التي عادة ما توجد على موائدنا يوميا. وفكرة المؤلف من الكتاب أنّ الانسان هو حيوان طباخ، وأنّ الإنسان (الهومو) العاقل قد عرف الطبخ منذ مليون عام مضى، ما أحدث تحولا في جسده ورؤيته للحياة، مع ذلك، فإنّ التعرف على الطبخ لم يأت دفعة واحدة، وإنما هو وليد تجارب وتواريخ طويلة.

النباتات والطهي والخبز

ستبدأ أولى معرفة الإنسان بالطعام مع النباتات، ولذلك تبدو أسنان الإنسان الأولى كبيرة، وكذلك معدته، لتتمكن من هضم ما تتناوله من أعشاب غير مطبوخة. ومع ظهور النار، ستتغير الصورة تماما، وسنعثر على أحشاء أخرى للإنسان العاقل وبطن صغير، ناجم عن تناوله الطعام المطبوخ، الذي لم يعد يحتاج إلى أمعاء واسعة كما في السابق للهضم.

بعد اكتشافه للطهي، سنكون لاحقا مع تطور آخر على صعيد الطعام من خلال ظهور الخبز، الذي مثّل شيئا جديدا في تاريخ الأكل. وقام المزارعون الأوائل في الهلال الخصيب أيضا بتدجين قمح الحجل ذي الحبة الواحدة، الشعير، العدس، البازلاء، الحمص، الكرسنة، الكتان.

لقد أدت ضرورة رعاية الحقول إلى جعل المستوطنات دائمة، وسمح الفائض من الطعام الذي تنتجه الزراعة، بنمو السكان وإطلاق العمالة في مهن لا علاقة لها بالضرورات الأساسية لجمع الطعام، ولذلك يرى المؤلف أنّ خبزنا اليومي، البديهي لمعظمنا، له تاريخ خفي يمتد إلى آلاف السنوات، وهو الذي قام بتغييرنا بكل طريقة يمكن تخيلها. لقد كان الأساس لثورة العصر الحجري الحديث عندما تعلمنا توجيه تطور النباتات والحيوانات لتحقيق أهدافنا الخاصة.

حاسة الشم

وبعد تعرف الإنسان على الطهي والخبز، ستظهر قصة أخرى، وفق ما تراه الرؤية التطورية، تتمثل في عامل الرائحة.

ويرى المؤلف هنا أنّ التطور سلبنا إرثنا الطبيعي الذي ورثته الكلاب والفئران من سلفنا المشترك للثديات.

فحاسة الشم هي نظام كيميائي يعمل بطريقة مماثلة للكشف عن جزئيات مذاق الحلاوة، والمرارة، إذ تدرك الروائح في الدماغ بواسطة وصلات عصبية من ملايين خلايا المستقبلات الشمية في داخل الأنف.

وعندما نجري مقارنة مع عدد جينات المستقبلات الشمية التي تمتلكها الثدييات الأخرى، نرى أنّ الفيلة الافريقية مثلا تمتلك 2000 جين للمستقبلات الشمية، وكان أسلافنا يمتلكون جينات مماثلة منذ زمن طويل، لكن مع تطور المشي على القدمين، أخذوا يعتمدون على الرؤية بدلا من الشم للتحذير من عوامل الخطر، وهذا بدوره قلّل من وظيفة هذه الجينات وأدى إلى تراجع وموت بعضها.

سيرة الدجاج والتوابل

وتطور الطعام لن يقف عند هذا الحد، إذ أدى تغير الغطاء النباتي، مع ارتفاع درجة حرارة العالم وتراجع الغطاء الجليدي الذي غطى شمال أوروبا وأمريكا الشمالية، إلى حلول الغابات محل الأعشاب عريضة الأوراق، وتراجع العديد من الحيوانات التي ترعى فيها، متبعة النباتات التي تزودها بالطعام، واختفت أكبر الحيوانات وأكثرها تخصصا.

أما الأنواع التي نجت فقد كانت تحتوي على تنوع جيني أقل. وفي بعض الحالات، أكمل الصيادون البشر ما بدأه تغير المناخ، إذ كشف التحليل النظائري للعظام البشرية، الذي يستخدم من أجل توثيق الطعام الذي تم تناوله خلال الحياة، إلى أنّ الطعام المفضل في ذلك الوقت كان الماموث الصوفي (حيوان شبيه بالفيلة).

كما أولوا اهتماما بلحم الغزلان والحيوانات البرية مثل، السلاحف والثعابين، ومع تطور ثقافة التدجين تم تدجين الدجاج، كونه أكثر الحيوانات المنزلية قابلية للنقل، وبعدها جرى تدجين الأغنام.

ومع وجود اللحوم والخضروات، سيبدأ فصل التوابل هذه المرة. وهنا يكشف لنا المؤلف عن تواريخ سياسية رافقت هذا التطور. فالتوابل كانت نادرة جدا، وقيمتها عالية، لدرجة أنّ البحث عن مصادر هذه السلع، فضلا عن الرغبة في العثور على الذهب، وفر دافعا للرحلات إلى المجهول من قبل كريستوفر كولومبوس.

ظهور الطماطم

وعادة ما تعد الطماطم مكونا رئيسيا في كثير من الأطعمة، وغالبا ما تتوفر في كل مكان، وبأسعار رخيصة في بعض المواسم، لكن المؤلف هنا يروي لنا قصة أخرى عن بدايات ظهورها. فقد كانت الطماطم المزروعة ثمارا صغيرة تناثرها الطيور، والأصناف المزروعة اليوم هي أكبر بمئة مرة.. وقد تم تحقيق قفزة كبيرة إلى الأمام في حجم الطماطم وجودتها من قبل مزارع هاو في بالتيمور اسمه هاند، الذي بدأ في عام 1850 برنامجا من التهجين والانتفاء أنتج فيه على مدى 20 عاما طماطم ضخمة وسمينة، ولينجم عن هذا التطور طلب كبير منذ عام 1870، إذ بيعت العلبة المكونة من 20 حبة بمبلغ 5 دولارات (وتزن رطلين) وهذا كان يعادل يومها مبلغا كبيرا.

الحلوى أيضا

ولا يحلو الطعام دون وجبة حلوة، وهنا سنتعرف على الموسيقي العالمية وقصة غرامه مع كعك مدينة فيينا، التي أصبحت عاصمة الحلويات في القرن الثامن عشر. فهي موطن شترودل التفاح (معجنات لذيذة تصنع من حشوة التفاح المحلاة بنكهة القرفة). كما خاضت مؤسستان في هذه المدينة معركة قانونية استمرت 7 أعوام للمطالبة بأحقية صنع كعكة الشوكولاتة الأصلية.

الولائم

وفي آخر فصول الكتاب، يقف المؤلف عند أسباب الدعوة للولائم. إذ يرى أنّ مشاركة الموارد مع أفراد آخرين ليست سلوكا طبيعيا أو فطريا، وإنما لها أيضا تاريخ تطوري خاص. ويشير في هذا السياق لثلاثة تفسيرات: الأول يعرف بانتقاء القرابة، الذي يستند إلى فكرة أنّ جيناتنا لا توجد فينا حسب، بل توجد لدى الإخوة والأبوين والأقارب. ولذلك يبدو أن القرابة مثلت إحدى السمات التنظيمية المركزية للمجتمع البشري، ثم بدأت تتطور مع البالغين ولاسيما الرفاق.

أما التفسير الثاني، فيبين أنّ تطور المشاركة بين غير الأقارب قد تأسس على أساس المعاملة بالمثل. أي «سأشاركك الآن طعامي على أمل أنه عندما أكون جائعا غدا ستشاركه معي» وهذا ما يطلق عليه العلماء «فكرة الإيثار المتبادل».

وهناك تفسير آخر يتعلق بفكرة السمعة ورأس المال الاجتماعي. فالإنفاق على استقبال الآخرين، ليس الهدف منه مشاركة الأقارب أو الإيثار حسب، بل يتعلق أيضا بالرغبة في بناء سمعة ومكانة اجتماعية في المحيط الذي يعيش فيه الفرد. ولعل هذا السعي لبناء سمعة الكرم، وفق التعبير العربي، لن تقتصر في تاريخ الولائم على هذا الجانب وحسب، بل سيكون لها تأثير في المقابل في مكونات الطعام نفسها، من خلال ظهور موضة حشو الأطعمة ونشر المكسرات، التي لم تكن شائعة في الماضي، بينما أصبحت الولائم في حاضرنا توفر أحيانا فرصة لإرسال رسائل للآخرين عن صورة المضيف وما يشتهيه، سواء على صعيد الطعام أو على مستوى الطموحات الشخصية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • الشرقي
    منذ سنتين

    السلام عليكم ورحمة الله تنبيه إلى كاتب المقال: عن أي رؤية تطورية تتحدت أخي الكريم؟ لا يجب على المؤمن أن يصف للإنسان بالحيوان وإلا فأنت تصتف إلى جانب الملحدين الذين بنظرية التطور وبهذا نسب وتقذف في حق الأنباء والرسل مثل آدم وإبراهيم وعيسى وموسى عباة الصلاة والسلام مِمَّن اصطفاهم الاخ عز وجل من بني البشر زِنْ كلامك بِميزان الاسلام أخي الكريم ولا تأخذ كلامهم جملة واحدة