منتدى العمق

محاسبة النفس وحلم التغيير

كلُّ امْرئٍ يحلمُ بالتغيير…

التغيير في كل شيء. وهناك أشياء لو استطاع المرء أن يدفع من أجلها ملء الأرض ذهبا لِتتغيرَ لَفعل.

فمن الناس من يحلم لو كان شخصاً آخر غير الذي هو عليه… وقائمة الأحلام طويلة ولن يسعنا البحرُ مداداً لحصرها.
لكن يبقى السؤال المحرج هو هل هذا الشخص يحاول في الواقع أن يغير أم أنه فقط يحلم؟

فمن طبيعة الحال أن شريحة كبيرة وكبيرة جدا ليس لها أيُّ فكرة عن كيفية المجازفة في مسألة التغيير. فهي مستمسكة بالحلم حتى يقضِيَ الله أمراً كان مفعولا. ففي الحاضر، أصبح الكثير منشغلا فقط بالبطن والجنس، لا غير. ولتجدنَّ الناس يبيعون شرفهم من أجل إشباع البطن والرغبة الجنسية. فالشخص يقوم من نومه ويعرف أنه مُلزمٌ بأن يتدبر لقمة العيش ويقضي وطره من إنسانة كيفما كان نوعها. فإن لم يستطع، فإنه يختار طريقة توصله إلى مبتغاه. وكما يُقال،فكل الطرق تُؤدي إلى روما.
فالمرء إن أراد أن يُغير، فلا بد عليه أن يبدأ من نفسه.

وأول شيء يجب أن يغيره في نفسه هو الحكم على الآخرين. فالمرء في أغلب الأحيان، يترك أن يحكم على نفسه بما فيها ويوجه أحكامه علي الآخرين.

فمثلا أنا أكذب، وعلى يقين بأني أكذب؛ لكني لا أنتقد نفسي على ما أقوم به وحين أجد إنسانا آخر يكذب، فإني أُهاجمه بكل النعوت والصفات. وقس على هذا كل ما يتعلق بالأخلاق والسلوك وغيره.

وهذه العادة لاحظتها كثيرا في المغاربة. فنحن نُلقي باللوم على الآخرين ولا نحب أن يلومنا الآخرون ولو أن ما نقوم به أفظع مما يقومون به. فأنت تجد الكثير يغشون في عملهم، ولكنهم يُلقون باللائمة على الحكومة لأنها لا تقوم بمسؤوليتها. فأنت تجد مثلا عاملا في إدارة؛ إذا تقدمت نحوه لغرض تحتاجه فهو لن يجد أفضل من ذلك الحين ليُخرج هاتفه ويتحدث مع شخص يعرفه في أمور تافهة ويدعك أنتَ تتميَّزُ بالحنق والغيظ. وإن ذهب ذلك المسؤول إلى مقهى مثلا وتأخر عنه النادل بضع دقائق فسيقيم الدنيا ويُقعدها.

من طبيعة الحال،مثل هذا السلوك شائع في المجتمع المغربي.وكما قلت لن يكفي البحر إن كان مدادا لرصد كل التشوهات الأخلاقية في المواطن المغربي.

فالمرء قبل أن يخرج من منزله، يجب أن يُحاسب نفسه حسابا عسيرا. فأنت لا تعرف أنك تشكل مادة نقدية للآخرين كما يشكلون هم كذلك مادة نقدية لك. وهذه القاعدة الرياضية البدلية ينتج عنها وعي الشخص بمكانته أولا كإنسان، وثانيا وعيٌ بوجوده في مجتمع ما، ووعي بالمسؤولية التي أُلقِيتْ على عاتقه.

فالكثير من علماء السلف كانوا يقولون بأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على شاكلته أي أن الإنسان يمتاز بكل ما يتصف به الله من كمال إلا الخلد، لكننا لم نر بعد هذا الإنسان قد حاول البلوغ إلى هذا الكمال الإلهي ـ ولو من ناحية إنسانية.فالمعروف أن الإنسان ينسى؛والله لا ينسى.

ومعروف أن الإنسان ينام؛ والله لا ينام. إذن يبقى على الإنسان أن يحاول أن يصل إلى الكمال الإنساني ولا يمكن أن يصل إليه قبل أن يكون قد انتهى من محاسبة نفسه. فالآخر لا وجود له إلا إذا جعلناه موجودا والآخر هو أنا؛لأننا متساويان في كل شيء. فأنا أعرف أني موجود؛ لكني غير مقتنع بهذا الوجود لأنه في نظري وجود غير متكامل وناقص من العديد من الإيجابيات التي تساعدني على الاستمتاع بهذا الوجود بشكل كمالي. فلكي أحس بوجودي، فعلي أولا أن أكون قد نفضت عن وعيي كل ما قد يمكنه أن يسبب إحراجا لوجود الآخر. فإن فعلتُ ذلك، وفعل الآخر نفس الشيء، فهنا سوف نجد أنفسنا نعيش الوجود الفاضل. فحتى من يغش، فهو كذلك يفكر وموجود.

فالله حين خلق آدم، جعله خليفة له في الأرض وهذا يعني أنه منحه جميع الصفات التي تجعل كائنا موجودا على أحسن شكل، ولم يدركه النقص إلا حين اتبع خطوات الشيطان. وبما أنه تغير من إنسان كامل إلى إنسان ناقص فقد كان مصيره أن ينفى من المكان الذي لا يوجد به إلا الكاملون. وبهذا فلن يصل قط هذا الإنسان للكمال الكامل لأنه نزل إلى الأرض ناقصا.

على العموم، يبقى أن الإنسان بإمكانه أن يقوم بمحاولات لتغيير نفسه أولا، ثم يساهم في تغيير الآخرين بما يمنح المجتمع من عمله الدؤوب الصادق والأمين. وهذا هو سر وجود الإنسان على الأرض:أي أن تتخلَّص من النقص، وتخلص الآخرين منه، وتساهم في جعل الوجود يبدو على أحسن صورة ولو كان ذلك بإزالة الأزبال من الشارع.