مجتمع

هل أضحت جامعات المملكة آخر الحلول أمام الطلبة المغاربة؟

بمجرد الإعلان عن نتائج البكالوريا، يتجدد النقاش وسط الحاصلين على شهادة البكالوريا وأولياء أمورهم حول مستقبلهم الدراسي في ظل ما يسمعونه بشكل يومي عن الدراسة ما بعد البكالوريا.

ويفضل العديد منهم، وخاصة الحاصلين منهم على نقط جيدة، الولوج إلى المدارس والمعاهد العليا والتي قد تستغرق مدة الدراسة فيها 5 سنوات، فيما يختار آخرون الولوج إلى مراكز التكوين المهني أو المعاهد التي لا تستغرق الدراسة فيها أكثر من سنتين.

ويبرر هؤلاء اختياراتهم بأن هذه المعاهد تتيح إمكانية ولوج عالم الشغل بعد التكوين بسهولة، عكس الجامعات المغربية التي يرى فيها الكثير من التلاميذ مضيعة للوقت دون أمل في العمل بعد الحصول على إجازة مهنية كانت أو أساسية.

ويضيف هؤلاء أن الجامعات المغربية لا تحظى بسمعة جيدة، إذ إن التصنيفات الدولية أثبتت أنه لا توجد جامعة مغربية تنتمي إلى أفضل 1000 جامعة في العالم، وهو ما يبرر عدم التحاق أصحاب المعدلات العليا بهذه المؤسسات الجامعية، فضلا عن كون مخرجات غالبية التكوينات في الشعب الأدبية والقانونية واللغة العربية والاقتصاد هي الوظيفة العمومية.

وينظر طلبة آخرون إلى الجامعة المغربية على أنها ملجأ لغير المتفوقين أو الحل الأخير لمن لم يحجز مقعدا في المعاهد والمدارس العليا.

مجهودات لقتل صورة الجامعة العمومية

ولمعرفة أسباب هذه السمعة السيئة التي تلازم الجامعة المغربية، ربطنا الاتصال بالدكتور السعيد أمين، وهو أحد الأساتذة الجامعيين بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، حيث أكد على ضرورة التمييز بين مستويين في هذا الإطار؛ مستوى أول مرتبط بالجامعة المغربية ومستوى آخر يتعلق بالجامعات الأجنبية، ذلك التصور السائد في المغرب أضحى ينظر إلى الجامعة منذ العقدين الماضيين بكونها اختيار ثانوي شبيه بعجلة الاحتياط، وهذا التصور تكرس بعد الانفتاح المهول الذي عرفه التعليم الخصوصي في الشق المتعلق بالمعاهد والمدارس العليا المدفوعة الأجر التي تبذل مجهودا كبيرا لقتل صورة الجامعة العمومية في ذهنية الأسر المغربية وخاصة لدى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.

وفي هذا السياق، قال الجامعي ذاته إنه يتعين الانتباه إلى أن الجامعة العمومية المغربية تندرج ضمن ما يعرف بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح أو الاستقطاب الحر، وهو ما يعني أن الجامعة المغربية تستقبل جميع الفئات والتخصصات والأصناف التي حصلت على شهادة البكالوريا، بما فيها بكالوريا الأحرار، حيث تستقبل أصحاب المعدلات المرتفعة وتستقبل أصحاب المعدلات المتوسطة، وكذا الفئات التي حصلت على ميزة مقبول، كما أن بنية الجامعة المغربية لا تشترط عددا محدد وهي ملزمة بالتجاوب مع جميع الفئات التي حصلت على شهادة البكالوريا، مما جعلها تعاني من اكتظاظ مهول مرتبط بالنمو الديمغرافي الكبير  وبظاهرة تنامي ارتفاع الحاصلين على نسبة البكالوريا.

ومن هذا المنطلق، يضيف المتحدث، تستقبل الجامعة الفئات التي لديها قناعة بمستقبل الجامعة، وتستقبل الفئات التي فشلت في المدارس العليا، وتستقبل الفئات التائهة المفتقدة للتوجيه والتخطيط، الأمر الذي عبر عنه البعض بكون الجامعة فضاء لمن لا تخصص له.

وأضاف السعيد أن هناك بعض الفئات تختار التسجيل في الجامعة طمعا فقط في الحصول المنحة، وهناك بعض الفئات التي تذهب إلى الجامعة في أفق أن تشارك في بعض المباريات المتعلقة بالأمن الوطني أو الدرك الملكي أو القوات المساعدة أو الوقاية المدنية أو المباريات التابعة للوزارات أو المؤسسات العمومية، كما أن هناك فئة تزاوج بين التسجيل في الجامعة والتسجيل في التكوين المهني أو مدرسة لتعليم اللغات الأجنبية.

وتابع أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس: “مغربيا، نلاحظ أن هناك إنهاك كبير للجامعة العمومية التي مازالت صامدة بفعل تضحيات كافة الأطر الإدارية والتعليمية، حيث تتحمل جميع الأعطاب التي تسربت للمسألة التعليمية ما قبل الباكالوريا، وهو ما جعل الجامعة العمومية ممتلئة بجميع الفئات المجتمعية التي تعكس صورة المجتمع الذي يحتاج لحماية تعليمية قياسا بالحماية الاجتماعية التي يحلم بها المغاربة.

وقال في تصريح لجريدة “العمق” إن كثيرا من الانتقادات قد وجهت للجامعة العمومية المغربية، دون استحضار المشاكل البنيوية التي تعيشها هذه الجامعة، والمتعلقة أساسا في ظاهرة الاكتظاظ، وقلة المؤسسات الجامعية داخل التنظيم الترابي للمملكة، وقلة أطر التدريس، بالإضافة إلى تواضع الإمكانيات وغياب نظام التحفيز والمراقبة.

واستطرد المتحدث قائلا: “ضمن هذا الأفق، يسجل الكثير أن الجامعة المغربية مازالت منخرطة بشكل قوي في مجابهة جميع الأعطاب، وتشتغل في التدريس والتأطير والبحث والتكوين بالرغم من الإكراهات التي تقيد الجامعة سواء المادية أو البشرية أو القانونية، كما أن الجامعة المغربية حاضرة داخل التداول العمومي بالمغرب، غير أن السؤال المطروح هو لماذا عجزت الحكومة عن إصلاح الجامعة؟ أم أن إصلاح الجامعة سيؤثر بشكل مباشر على العديد من المؤسسات خاصة ذات الاستقطاب المحدود، وهل الحكومة تفتقد لتصور إصلاحي قادر على أن يكون بديلا للجيوش التي تتحملها الجامعة العمومية؟ هل الجامعة المغربية تقوم بالدور الذي رسم لها بشكل مفكر وفيه وممنهج.

أفكار وتصورات خاطئة

أما المستشار في التوجيه التربوي، عبد العزيز موماد، فقد أكد في تصريح خص به جريدة “العمق على أن الجامعة هي قلعة للعلم والمعرفة وليست ملاذا لكل عاجز عن ولوج المعاهد العليا كما يروجه البعض، فعلى مر العصور أثبتت الجامعة المغربية جدارتها، إلى جانب المؤسسات الأخرى، في تكوين أطر وموظفي القطاعين العام والخاص.

وأضاف موماد أن الحديث عن الجامعة باعتبارها ملجأ لغير المتفوقين دراسيا أو الحل الأخير لمن لم يتفوق في ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود هو فقط أفكار وتصورات خاطئة راسخة في أذهان بعض الطلبة، الذين لم يستطيعوا مسايرة الدراسة الجامعية، وأسرهم والمحيطين بهم.

وأكد المتحدث على أن مجموعة من الطلبة استطاعوا إكمال مسيرتهم الدراسية الجامعية بنجاح وتفوق، إن في الشعب الأدبية أو العلمية، وتمكنوا من الولوج إلى مناصب عليا، مشددا على ضرورة إزالة هذه التمثلات الخاطئة من ذهن الطلبة المغاربة.

ووجه المستشار في التوجيه التربوي نصائح للطلبة الجدد بخصوص الدراسة في الجامعة، مشيرا إلى ضرورة ‏اختيار الطالب الشعبة التي يرغب فيها و يرى نفسه قادرا على العطاء والإبداع فيها، ويحدد لنفسه مسارا صحيحا من الآن، حتى لا يضطر للتنقل بين الشعب كل عام.

وقال إنه ليس هناك شعبة أفضل من الأخرى، وإنما أفضل شعبة هي التي يستطيع الطالب الإبداع والعطاء فيها، داعيا الطالب ‏إلى الحرص على الحضور لجميع المحاضرات، وكتابة أهم النقاط التي يتحدث عنها الأستاذ في محاضراته.

وأوضح المتحدث أهمية ‏توطيد علاقة الطالب بأساتذته من خلال التفاعل والمشاركة في الحصص وإلقاء العروض، (أهمية ذلك) في إتمام دراسته بعد الإجازة والماستر، داعيا إلى ضرورة الابتعاد عن المثبطين.

يذكر أن جامعة القاضي عياض احتلت المرتبة الأولى مغربيا ومغاربيا، والرتبة 19 إفريقيا، و18 عربيا، و1154 عالميا. بحسب قوائم تصنيف الجامعات لسنة 2022، الذي تعتمده المؤسسة الدولية Ranking of World Universities.

وجاءت جامعة محمد الخامس ثانية على المستوى الوطني،  و33 إفريقيا، و40 عربيا، و1668 دوليا، فيما احتلت جامعة الحسن الثاني الرتبة الثالثة مغربيا، والرتبة 56 عربيا، و44 إفريقيا، و1895 عالميا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *