منوعات

تأخر تفعيل قانون الصفقات يكبد المقاولات الصغرى خسائر تتجاوز 68 مليار درهم سنويا

قانون الصفقات العمومية

تواجه المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة في المغرب واقعا اقتصاديا صعبا، حيث تتكبد خسائر سنوية ضخمة تقدر بنحو 68 مليار درهم. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى التأخر المستمر في تفعيل قانون الصفقات العمومية الذي صدر قبل اثني عشر عاما، والذي يضمن لهذه الفئة من الشركات حصة تبلغ 20% من إجمالي الصفقات التي تطلقها الدولة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على إقرار هذا القانون، لا تزال المراسيم التطبيقية اللازمة لتفعيله غائبة، مما يثير اتهامات للحكومات المتعاقبة بالتقاعس والمماطلة، وتوجيه الصفقات العمومية بشكل ممنهج نحو الشركات الكبرى والجهات المقربة من دوائر القرار.

وفي هذا السياق، كشف عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، عن حجم الخسائر المتراكمة، موضحا أن “المقاولات الصغرى في المغرب فقدت منذ صدور قانون 2013 ما يزيد عن 700 مليار درهم، في حين استحوذت الشركات الكبرى والأجنبية على صفقات عمومية تتجاوز قيمتها 2880 مليار درهم”.

وأشار الفركي في تصريح لجريدة “العمق” إلى أن الخسائر السنوية مرشحة للارتفاع هذا العام لتتجاوز 68 مليار درهم، وذلك نتيجة لزيادة حجم الاستثمارات الحكومية إلى أكثر من 340 مليار درهم، واستمرار غياب المراسيم التطبيقية التي تحول دون تطبيق القانون.

مسار طويل من المطالب والنضال

وأوضح الفركي أن المطالبة بضمان حصة للمقاولات الصغرى من الصفقات العمومية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عام 1995، حين كانت الكونفدرالية جزءا من فدرالية جمعيات المقاولين الشباب بالمغرب، حيث طالبت الفدرالية آنذاك بتخصيص ثلث الصفقات للشركات الناشئة، في محاولة لكسر هيمنة الشركات الكبرى على السوق منذ استقلال المغرب. ولم يتحقق المكتسب القانوني بتخصيص نسبة 20% إلا في عام 2013، ومنذ ذلك الحين تواصل الكونفدرالية ضغوطها من أجل تفعيله، لكنها تصطدم دائما بعقبة غياب المراسيم التطبيقية.

وأضاف الفركي أن “الكونفدرالية عقدت عدة اجتماعات مع رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، ونظمت سنة 2019 مائدة مستديرة بالرباط حضرها رئيس الحكومة وعدد من وزرائه، بالإضافة إلى ممثلي الإدارات العمومية، والبنك الإفريقي للتنمية، وممثلين عن المقاولين والجمعيات الوطنية، لمناقشة مشاكل المقاولات الصغرى وإيجاد حلول عملية، بما في ذلك تفعيل قانون 2013”. ورغم وعد العثماني بإصدار المراسيم التطبيقية خلال عام 2020، فإن جائحة كورونا حالت دون ذلك، كما لم يتم الوفاء بوعد وزير التشغيل بإشراك الكونفدرالية في الحوار الاجتماعي.

ويرى الفركي أنه مع الحكومة الحالية “عدنا إلى وضعية مشابهة لتلك التي كانت في التسعينات، حيث تسيطر الباطرونا على القطاع الخاص، في ظل انتماء معظم الوزراء إلى الباطرونا”، مشددا على أن تمكين المقاولات الصغرى من حصتها القانونية منذ 2013 كان سيسمح لها بتطوير منتجاتها، وخلق المزيد من فرص الشغل، وتصدير خدماتها ومنتجاتها نحو الأسواق الخارجية. وبسبب هذا الحرمان، شهد الاقتصاد الوطني إفلاس 148 ألف مقاولة منذ عام 2022، وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 13%، وتوسع القطاع غير المهيكل الذي أصبح يشكل خطرا حقيقيا، حيث يمثل 77.3% من القوى العاملة في المغرب، وفقا لآخر تقرير صادر عن البنك الدولي.

إطار قانوني غير مكتمل ومخاوف تشريعية

من جانبه، أوضح ياسين عليا، الباحث في السياسات العمومية، أن “الصفقات العمومية وحصص المقاولات الصغرى والمتوسطة تؤطرها المادة 148 من مرسوم 2023، الذي رفع النسبة المخصصة إلى 30%، مع إدراج فئة المقاول الذاتي ضمن المستفيدين”، مشيرا إلى أن “قرار وزارة المالية اللازم لتفعيل هذا المرسوم لم يصدر بعد، مما يشكل عائقا أساسيا أمام ضمان حصص هذه المقاولات بشكل ثابت وقانوني”.

وأضاف عليا في تصريح لجريدة “العمق” أنه على الرغم من أن النسبة الممنوحة لهذه الفئة قد تجاوزت أحيانا 30% لتصل إلى 35% كما حدث في عام 2023، إلا أن مشروع قانون المالية الجديد يثير مخاوف كبيرة، حيث يقترح تخصيص 20% فقط من مجموع الصفقات العمومية المرتبطة بالاستثمارات الكبرى. واعتبر أن هذا الإجراء “سيشكل سابقة تشريعية قد تلغي المرسوم السابق، وتضعف النسيج الاقتصادي لهذه الفئة التي تمثل حوالي 88% من مجموع المقاولات في المغرب”.

وأكد عليا أن “الحكومة تعطي الأولوية للمقاولات الكبرى التي تستفيد من تخفيضات ضريبية تصل إلى 20%، بينما لا تحظى المقاولات الصغرى والمتوسطة بمعاملة مماثلة، مما يعكس توجها فئويا في السياسة الاقتصادية ويعزز مكانة الشركات الكبرى على حساب المقاولات الصغيرة والمتوسطة والمقاولين الذاتيين الذين يعانون من حيف كبير”.

وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن “إصدار المراسيم التطبيقية للقانون، والحفاظ على نسب التخصيص المعتمدة، هو السبيل الوحيد لضمان العدالة الاقتصادية وتمكين هذه الفئة من الاستفادة الحقيقية من الاستثمارات العمومية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *