وجهة نظر

مسافر نصيبه الأخطار: “بأي ذنب” قتلوا؟

اشتروا تذاكر السفر لقطع مسافة بالحافلة وكان سفرهم الأخير. في جماعة بولنوار القريبة من مدينة خريبكة كان الموعد مع خطأ الإنسان ضد أخيه الإنسان وورحل أكثر من عشرين مسافرا عن الدنيا بينهم أطفال سكنتهم البراءة وتوقفت خطاهم في إتجاه المدرسة والمستشفى والعمل والحياة إلى الأبد. لا يخفى على أحد أن بلادنا لم تنجح في مواجهة تهور مجرمي الطريق الذين يعبرون كل يوم عن بلادتهم وتحديهم للقانون ورعونتهم التي تنتهي بغيرهم أولا إلى دمار وحطام وعاهات مستديمة.

كثيرة هي الحملات التحسيسية والتربوية التي قامت بها الوكالة الوطنية المكلفة بالسهر على التخفيف من حدة نسبة حوادث السير ببلادنا. وقد وضعت هذه الوكالة إستراتيجية تهدف إلى تقليص عدد الوفيات على الطريق بحوالي 50% في أفق سنة 2026.كثيرة أيضا هي الحملات التي تقوم بها أجهزة الدرك الوطني والأمن الوطني دون أن تتوقف سلوكات المتهورين على الطريق وذلك بالرغم من إرتفاع عدد الغرامات المرتبطة بعدم إحترام قواعد السير والتي سجلت مداخيل وصلت عند نهاية 2021 مبلغ 6،6 مليار درهم. وقد سجلت سنة 2021 إرتفاع حوادث السير بحوالي 34%. وهكذا لا زالت بلادنا تسجل 3500 وفاة وأكثر من 12000 مصاب بعاهة مستديمة سنويا جزء مهم منها داخل المدارات الحضرية.

كل حوادث السير لها أثر على الإقتصاد وعلى المجتمع وعلى التحصيل العلمي. وقد قدرت تكلفة هذه الحوادث بحوالي نقطتين من الناتج الداخلي الإجمالي الذي وصل حجمه بالأسعار الجارية في 2021 إلى إلى حوالى 1280 مليار درهم. حوادث السير تحرمنا من معلمين وحرفيين ومهندسين ومقاولين وأطباء وعلماء وغيرهم ممن تطلب تكوينهم واكتساب خبراتهم سنوات طويلة. حوادث السير تدمر الكثير من الأسر نفسيا واجتماعيا واقتصاديا. أية ضحية لحادثة تسببت في عاهة مستديمة تتطلب رعاية دائمة ومصاريف لا تحصى وكثير من التضحيات الأسرية. فقد المغرب ورغم كل هذا لا زال المجرمون يجوبون طرقنا السيارة والوطنية والثانوية والترابية والحضرية ليقترفوا كل الأفعال المخالفة للقانون. لا أراكم ألله مكروها ولكن أسباب هذا المكروه أصبحت موجودة بشكل دائم وأصبحت مواجهتها بشكل صارم واجبا وطنيا. من شاءت ظروفه أن يسكن أمام تقاطع دائري للطرق يمكن أن يحكي لكم عن الأفعال الاجرامية التي يقوم بها بعض الحمقى وهم يطوفون بسرعات جنونية حول دائرة التقاطعات. بالطبع يلتقي هذا السلوك بالإدمان على المخدرات والإدمان على الحصول بسهولة على المال وبشعور بثقة كبيرة في إمكانية الإفلات من العقاب.

من أراد التأكد من وجود مجرمي الطريق فليحاول السفر على الطريق وملاحظة سلوكاتهم العدوانية. الطريق السيار بين الرباط والدار البيضاء من أكبر مسارح الجريمة الطاقية. بعض أصحاب السيارات الفارهة يقطعون المسافة في نصف ساعة بسرعة تقترب من 200 كلم في الساعة. والغريب أنهم يستعملون ما تتيحه التكنولوجيا للتعرف على مواقع الرادرات للإفلات من المراقبة. والادهى من هذا هوتآمر كثير من السائقين معهم لإخطارهم بموقع مراقبة السرعة عبر إستعمال إشارات ضوئية.

نعم يجب “إعادة الترابي” لهؤلاء عبر أنظمة تطبقها بعض الدول كتثبيت كاميرات على سيارات بعض المواطنين المتطوعين لمساعدة الأجهزة الأمنية على ضبط المخالفات التي يتم التأكد منها بعد تفريغ محتوى الكاميرات. يجب وضع إطار قانوني يضمن استغلال هذه التقنية وحماية المتطوعين وربط دفع الغرامات بكثير من المعاملات الإدارية كالحصول على وثائق إدارية أوسفر إلى الخارج أوحتى حجز حسابات بنكية. المهم هودعم الحملات التحسيسية بتدابير زجرية لا تستثني أحدا وتمكين قوات الأمن والدرك من الوسائل الحديثة لدعم محاربة الجريمة الطرقية وحمايتهم لأداء واجبهم المهني. الأمر يتطلب أيضا المراقبة المستمرة لظروف عمل السائق المهني وإمكانية قياس درجة إرهاقه من طرف مشغليهم. كثير هم السائقون الذين يقضون أكثر من عشر ساعات مستمرة على الطريق. وكثيرة هي الحوادث التي يكون سببها الإرهاق بالإضافة إلى التهور وأشياء أخرى. ونفس الملاحظة تهم أرباب الأسر الذين يتفانون في إرضاء رغبات أبنائهم وتمكينهم من سيارات فخمة وسريعة جدا ويسعون بعد وقوع حوادث سير إلى كل السبل لإخلاء مسؤوليتهم عن الحوادث. ولا يجب اغفال هذا الجانب في تكوين الوعي بالتهميش الطبقي لذى الكثير من الفئات الإجتماعية. السعي إلى إظهار كرم حاتمي جراء حادثة سير حيلة لم تعد تنطلي على أسرة أجبرت على السهر لتخفيف الألم طويل الأمد عن ضحية لحادثة سير تسبب فيها ” ولد لفشوش” وقد يتسبب فيها إبن حي شعبي فقير ومهمش.

نعم وأؤكد أن المنحرفين في مجتمعنا يجب أن يخضعوا “لإعادة التربية” مثلهم مثل غيرهم وفي كل المجالات وعلى مستوى كل الطبقات الإجتماعية وبالتساوي. وأن إحدى المهام الموكلة إلى الدولة هي ” إعادة التربية كمنهج إصلاحي لتمكين المنحرفين من الرجوع إلى جادة الصواب. وهذا النوع من المصارحة لا علاقة له بخطاب سياساوي قيل في تجمعات انتخابية. الأهم هوحماية مواطن يريد أن يسافر وأن يرجع إلى أهله سالما والسلام عليكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *